[ ص: 260 ]
اصبر نكن بك صابرين وإنما صبر الرعية عند صبر الراس
قال: كل ذلك في إرشاد العقل السليم، وإلى كون الجملة في موضع التعليل لما سبق ذهب العلامة الطيبي حيث قال: إنه تعالى لما أمر حبيبه بالصبر على أذى المخالفين ونهاه عن الحزن على عنادهم وإبائهم الحق وعما يلحقه من مكرهم وخداعهم علل ذلك بقوله سبحانه: ( إن الله ) إلخ أي لا تبال بهم وبمكرهم لأن الله تعالى وليك ومحبك وناصرك ومبغضهم وخاذلهم، وعمم الحكم إرشادا للاقتداء به عليه الصلاة والسلام، وفيه تعريض بالمخالفين وبخذلانهم كما صرح به في قوله تعالى: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم وذكر أن إيراد الجملة الثانية اسمية وبناء محسنون على ( هم ) على سبيل التقوى مؤذن باستدامة الإحسان واستحكامه وهو مستلزم لاستمرار التقوى لأن الإحسان إنما يتم إذا لم يعد إلى ما كان عليه من الإساءة، وإليه الإشارة بما ورد « ». من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
وما ذكر من حمل التقوى على أعلى مراتبها غير متعين، وما ذكره في بيانه لا يخلو عن نظر كما لا يخفى على المتأمل، وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن وابن أبي حاتم أنه قال في الآية: اتقوا فيما حرم الله تعالى عليهم وأحسنوا فيما افترض عليهم، ويوهم كلام بعضهم أن الجملة في موضع التعليل للأمر بالمعاقبة بالمثل حيث قال: إن المعنى إن الله بالعون والرحمة والفضل مع الذين خافوا عقاب الله تعالى وأشفقوا منه فشفقوا على خلقه بعد الإسراف في المعاقبة، وفسر الإحسان بترك الإساءة كما قيل. ترك الإساءة إحسان وإجمال. ولا يخفى ما فيه من البعد، وقد اشتملت هذه الآيات على تعليم حسن الأدب في الدعوة وترك التعدي والأمر بالصبر على المكروه مع البشارة للمتقين المحسنين، وقد أخرج الحسن سعيد بن منصور وغيرهما عن وابن جرير هرم بن حيان أنه قيل له حين الاحتضار: أوص فقال: إنما الوصية من المال ولا مال لي وأوصيكم بخواتيم سورة النحل هذا.