ربكم أعلم بما في نفوسكم من قصد البر إليهما وانعقاد ما يجب من التوقير لهما، وهو على ما قيل تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا، وفي الكشف أنه كالتعليل لما أكد عليهم من الإحسان إلى الوالدين بأن الله تعالى أعلم بما في ضمائرهم من ذلك فمجازيهم على حسبه، والظاهر أنه [ ص: 62 ] وعد لمن أضمر البر، ووعيد لغيره، لكن غلب ذلك الجانب لأن الكلام بالأصالة فيه إن تكونوا صالحين قاصدين الصلاح والبر دون العقوق والفساد فإنه تعالى شأنه كان للأوابين أي الراجعين إليه تعالى التائبين عما فرط منهم مما لا يكاد يخلو من البشر غفورا لما وقع منهم من نوع تقصير أو أذية، وهذا كما في الكشف تيسير بعد التأكيد والتعسير مع تضييق وتحذير؛ وذلك أنه شرط في البادرة التي تقع على الندرة قصد الصلاح، وعبر عنه بنفس الصلاح ولم يصرح بصدورها بل رمز إليه بقوله تعالى: فإنه كان للأوابين غفورا لدلالة المغفرة على الذنب والأواب أيضا، فإن التوبة عن ذنب يكون بشرط قصد الصلاح، وأن يتوب عنه مع ذلك التوبة البالغة، وهو استئناف ثان يقتضيه مقام التأكيد والتشديد كأنه قيل: كيف نقوم بحقهما وقد يندر بوادر؟ فقيل إذا بنيتم الأمر على الأساس وكان المستمر ذلك ثم اتفق بادرة من غير قصد إلى المساءة فلطف الله تعالى يحجز دون عذابه قائما بالكلاءة، وكون الآية في البادرة تكون من الرجل إلى والديه مروي عن وجوز أن تكون عامة لكل تائب، ويندرج الجاني على أبويه التائب من جنايته اندراجا أوليا. ابن جبير،