وإذ قلنا للملائكة تذكير لما جرى منه تعالى من الأمر ومن الملائكة من الامتثال والطاعة من غير تثبط، وتحقيق لمضمون قوله تعالى: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة إلخ، أما إن كان المراد من الموصول الملائكة فظاهر، وأما إن كان غيرهم فللمقايسة، وفيه إشارة إلى عاقبة أولئك الذين عاندوا الحق واقترحوا الآيات وكذبوا الرسول عليه الصلاة والسلام فإنهم داخلون في الذرية الذين احتنكهم إبليس عليه اللعنة واتبعوه اتباع الظل لذويه دخولا أوليا ومشاركون له في العناد أتم مشاركة حتى قالوا: إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فوجه مناسبة الآية لما قبلها ظاهر، وقيل: الوجه مشابهة قريش الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم لإبليس في أن «كلا» منهما حمله الحسد والكبر على ما صدر منه؛ أي: واذكر وقت قولنا للملائكة: اسجدوا لآدم تحية وتكريما له عليه السلام، وقيل: المعنى اجعلوه قبلة سجودكم لله تعالى. فسجدوا من غير تلعثم امتثالا لأمره تعالى إلا إبليس لم يكن من الساجدين، وكان معدودا في عدادهم مندرجا تحت الأمر بالسجود قال استئناف بياني كأنه قيل: فما كان منه بعد التخلف، فأجيب بأنه قال؛ أي: بعد أن وبخ بما وبخ مما قصه الله سبحانه في غير هذا الموضع على سبيل الإنكار والتعجب أأسجد وقد خلقتني من نار لمن خلقت طينا نصب على نزع الخافض؛ [ ص: 109 ] أي: من طين كما صرح به في آية أخرى، وجوز كونه حالا من العائد المحذوف والعامل الزجاج خلقت فيكون المعنى: أأسجد لمن كان في وقت خلقه طينا فالطينية وإن كانت مقدمة على خلقه إنسانا لكنها مقارنة لابتداء تعلقه به، أيضا كونه حالا من نفس الموصول والعامل حينئذ والزمخشري أأسجد على معنى: أأسجد له وهو طين أي أصله طين، قال في الكشف: وهو أبلغ لأنه مؤيد لمعنى الإنكار وفيه تحقير له عليه السلام وحاشاه بجعله نفس ما كان عليه لم تزل عنه تلك الذلة وليس في جعله حالا من العائد هذه المبالغة، وأنت تعلم أن الحالية على كل حال خلاف الظاهر لكون الطين جامدا ولذا أوله بعضهم بمتأصلا، وجوز أيضا وتبعه الزجاج كونه تمييزا ولا يظهر ذلك، وذكر الخلق مع أنه يكفي في المقصود أن يقال: لمن كان من طين أدخل في المقصود مع أنه فيه على ما قيل إيماء إلى علة أخرى وهي أنه مخلوق والسجود إنما هو للخالق تعالى مجده. ابن عطية