وقال المراد إنكار ذلك الحسبان عليه عليه الصلاة والسلام على معنى لا يعظم ذلك عندك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة فإن سائر آيات الله تعالى أعظم من قصتهم، وزعم أن هذا قول الطبري: ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق وفي القلب منه شيء، وقيل: المراد من الاستفهام إثبات أنهم عجب كأنه قيل: أعلم أنهم عجب، كما تقول: أعلمت أن فلانا فعل كذا؛ أي: قد فعل فاعله.
والمقصود بالخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا وليس بشيء، وزعم الطيبي أن الوجه أن يجري الكلام على التسلي والاستفهام على التنبيه، ويقال: إنه عليه الصلاة والسلام لما أخذه من الكآبة والأسف من إباء القوم عن الإيمان ما أخذه قيل له ما قيل وعلل بقوله تعالى: إنا جعلنا إلى آخره على معنى: إنا جعلنا ذلك لنختبرهم وحين لم تتعلق إرادتنا بإيمانهم تشاغلوا به عن آياتنا وشغلوا عن الشكر وبدلوا الإيمان بالكفران فلم نبال بهم، وإنا لجاعلون أبدانهم جرزا لأسيافكم كما إنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا، ألا ترى إلى أولئك الفتيان كيف اهتدوا وفروا إلى الله تعالى وتركوا زينة الدنيا وزخرفها فأووا إلى الكهف قائلين: ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا وكما تعلقت الإرادة بإرشادهم فاهتدوا تتعلق بإرشاد قوم من أمتك يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين اه.
ويكاد يكون أعجب من قصة أهل الكهف فتأمل، والحسبان إما بمعنى الظن أو بمعنى العلم، وقد استعمل بالمعنيين، والكهف النقب المتسع في الجبل، فإن لم يكن واسعا فهو غار، وأخرج أنه غار الوادي، وعن ابن أبي حاتم أنه فرجة بين الجبلين، وعن مجاهد هو الجبل وهو غير مشهور في اللغة، والرقيم اسم كلبهم على ما روي عن أنس أنس وجاء في رواية عن والشعبي، ويدل عليه قول ابن جبير أمية بن أبي الصلت:
وليس بها إلا الرقيم مجاورا وصيدهمو والقوم في الكهف هجد
[ ص: 210 ] وأخرج وغيره عن ابن المنذر أنه لوح من حجارة كتبوا فيه قصة أصحاب الكهف وأمرهم، ثم وضع على باب الكهف، وقيل: لوح من حجارة كتب فيه أسماؤهم وجعل في سور المدينة، وروي ذلك عن ابن جبير السدي.
وقيل: لوح من رصاص كتب فيه شأنهم ووضع في تابوت من نحاس في فم الكهف، وقيل: لوح من ذهب كتب فيه ذلك، وكان تحت الجدار الذي أقامه الخضر عليه السلام، وروي عن أنه كتاب كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين ابن عباس عيسى عليه السلام، وقيل: من دين قبل عيسى عليه السلام، فهو لفظ عربي وفعيل بمعنى مفعول.
وأخرج ابن جرير من طريق وابن أبي حاتم العوفي عن أنه واد دون ابن عباس فلسطين قريب من أيلة والكهف على ما قيل في ذلك الوادي فهو من رقمة الوادي أي جانبه، وأخرجاهما وجماعة من طريق آخر عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال: لا أدري ما الرقيم، وسألت كعبا فقال: اسم القرية التي خرجوا منها، وعلى جميع هذه الأقوال يكون أصحاب الكهف والرقيم عبارة عن طائفة واحدة، وقيل: إن أصحاب الرقيم غير أصحاب الكهف وقصتهم في الصحيحين وغيرهما.
فقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن وابن المنذر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابن عمر «بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه، فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل على فرق من أرز فذهب وتركه وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا، وأنه أتاني يطلب أجره فقلت: اعمد إلى تلك البقر فسقها. فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز فقلت: اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها. فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساخت عنهم الصخرة فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأت عليهما ليلة فجئت وقد رقدا وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكينا لشربتهما فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساخت عنهم الصخرة، حتى نظروا إلى السماء. فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي، وإني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله تعالى ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا ففرج الله تعالى عنهم فخرجوا».
وروي نحو ذلك عن ابن عباس وأنس والنعمان بن بشير كل يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والرقيم على هذا بمعنى محل في الجبل، وقيل: بمعنى الصخرة، وقيل بمعنى الجبل، ويكون ذكر ذلك تلميحا إلى قصتهم وإشارة إلى أنه تعالى لا يضيع عمل أحد خيرا أو شرا فهو غير مقصود بالذات، ولا يخفى أن ذلك بعيد عن السياق، وليس في الأخبار الصحيحة ما يضطرنا إلى ارتكابه فتأمل.