ودخل جنته أي: كل ما هو جنة له يتمتع بها بناء على أن الإضافة للاستغراق والعموم، فتفيد ما أفادته التثنية مع زيادة وهي الإشارة إلى أنه لا جنة له غير ذلك ولا حظ له في الجنة التي وعد المتقون وإلى هذا ذهب وهو معنى لطيف دق تصوره على الزمخشري أبي حيان فتعقبه بما تعقبه. واختار الإفراد لأن الدخول لا يمكن أن يكون في الجنتين معا في وقت واحد وإنما يكون في واحدة واحدة وهو خال عما أشير إليه من النكتة.
وكذا ما قيل: إن الإفراد لاتصال إحداهما بالأخرى، وأخرج عن ابن أبي حاتم أنه قال في قوله تعالى: السدي جعلنا لأحدهما جنتين إلخ الجنة البستان، فكان له بستان واحد وجدار واحد، وكان بينهما نهر فلذلك كان جنتين، وسماه سبحانه جنة من قبل الجدار المحيط به وهو كما ترى، والذي يدل عليه السياق والمحاورة أن المراد: ودخل جنته مع صاحبه وهو ظالم لنفسه جملة حالية؛ أي: وهو ضار لنفسه بكفره حيث عرضها للهلاك وعرض نعمتها للزوال أو واضع الشيء في غير موضعه حيث كان اللائق به الشكر والتواضع لا ما حكي عنه.
قال استئناف مبني على سؤال نشأ من ذكر دخول جنته حال ظلمه لنفسه كأنه قيل: فماذا قال إذ ذاك؟ فقيل قال: ما أظن أن تبيد أي: تهلك وتفنى يقال: باد يبيد بيدا وبيودا وبيدودة إذا هلك هذه أي الجنة أبدا أي: طول الحياة، فالمراد بالتأبيد طول المكث لا معناه المتبادر، وقيل: يجوز أن يكون أراد ذلك لأنه لجهله وإنكاره قيام الساعة ظن عدم فناء نوعها، وإن فني كل شخص من أشجارها نحو ما يقوله الفلاسفة القائلون بقدم العالم في الحركات الفلكية وليس بشيء، وقيل: ما قصد إلا أن هذه الجنة المشاهدة [ ص: 276 ] بشخصها لا تفنى على ما يقوله الفلاسفة على المشهور في الأفلاك أنفسها، وكأن حب الدنيا والعجب بها غشى على عقله فقال ذلك وإلا فهو مما لا يقوله عاقل وهو مما لا يرتضيه فاضل، وقيل: «هذه» إشارة إلى الأجرام العلوية والأجسام السفلية من السموات والأرض وأنواع المخلوقات أو إشارة إلى الدنيا، والمآل واحد والظاهر ما تقدم، أيا ما كان فلعل هذا القول كان منه بمقابلة موعظة صاحبه وتذكيره بفناء جنتيه ونهيه عن الاغترار بهما وأمره بتحصيل الصالحات الباقيات، ولعله خوفه أيضا بالساعة فقال له: