فوجدا عبدا من عبادنا الجمهور على أنه الخضر بفتح الخاء وقد تكسر وكسر الضاد وقد تسكن، وقيل: اليسع، وقيل: إلياس، وقيل: ملك من الملائكة وهو قول غريب باطل كما في شرح والحق الذي تشهد له الأخبار الصحيحة هو الأول، والخضر لقبه ولقب به كما أخرج مسلم، وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء. البخاري
وأخرج وجماعة عن ابن عساكر أنه لقب بذلك لأنه إذا صلى اخضر ما حوله. مجاهد
وأخرج عن ابن أبي حاتم أن ذلك لأنه كان إذا جلس في مكان اخضر ما حوله وكانت ثيابه خضرا. عكرمة
وأخرج عن أنه إذا قام بمكان نبت العشب تحت رجليه حتى يغطي قدميه. السدي
وقيل: لإشراقه وحسنه، والصواب كما قال النووي -الأول، وكنيته أبو العباس، واسمه بليا بموحدة مفتوحة ولام ساكنة وياء مثناة تحتية، وفي آخره ألف قيل ممدودة، وقيل: أبليا بزيادة همزة في أوله، وقيل: عامر، وقيل: أحمد، ووهاه ابن دحية بأنه لم يسمع قبل نبينا صلى الله عليه وسلم أحد من الأمم السالفة بأحمد، وزعم بعضهم أن اسم الخضر اليسع وأنه إنما سمي بذلك لأن علمه وسع ست سموات وست أرضين ووهاه وأنت تعلم أنه باطل لا واه، ومثله القول بأن اسمه ابن الجوزي، إلياس، واختلفوا في أبيه؛ فأخرج في الأفراد، الدارقطني من طريق وابن عساكر عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك أنه ابن ابن عباس آدم لصلبه، وأخرج عن ابن عساكر أن أمه رومية وأباه فارسي، ولم يذكر اسمه وذكر أن سعيد بن المسيب إلياس أخوه من هذه الأم وهذا الأب، وأخرج أيضا عن أسباط عن أنه ابن ملك من الملوك وكان منقطعا في عبادة الله تعالى، وأحب أبوه أن يزوجه فأبى ثم أجاب فزوجه بامرأة بكر فلم يقربها سنة، ثم بثيب فلم يقربها ثم فر فطلبه فلم يقدر عليه ثم تزوجت امرأته الأولى وكانت قد آمنت وهي ماشطة امرأة فرعون، ولم يذكر أيضا اسم أبيه، وقيل: إنه ابن فرعون على ما قيل إنه أبوه، وسبحان من يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي. السدي
وأخرج في العظمة أبو الشيخ في الحلية عن وأبو نعيم أنه كعب الأحبار ابن عاميل وأنه ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ بحر الهند وهو بحر الصين فقال: يا أصحابي، دلوني فدلوه في البحر أياما وليالي ثم صعد فقال: استقبلني ملك فقال لي: أيها الآدمي الخطاء، إلى أين ومن أين؟ فقلت: أردت أن أنظر عمق هذا البحر. فقال لي: كيف وقد أهوى رجل من زمان داود عليه السلام ولم يبلغ ثلث قعره حتى الساعة.
وذلك ثلاثمائة سنة، وأظنك لا تشك بكذب هذا الخبر، وإن قيل: حدث عن البحر ولا حرج، وقيل: هو ابن العيص. وقيل: هو ابن كليان بكاف مفتوحة ولام ساكنة وياء مثناة تحتية بعدها ألف ونون. وقال: في المعارف: قال ابن قتيبة إنه وهب بن منبه: ابن ملكان بفتح الميم وإسكان اللام ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ [ ص: 320 ] ابن سام بن نوح عليه السلام. ولم يصح عندي شيء من هذه الأقوال، بيد أن صنيع النووي عليه الرحمة في شرح يشعر باختيار أنه مسلم بليا بن ملكا وهو الذي عليه الجمهور. والله تعالى أعلم.
وصح من حديث وغيره أنهما رجعا إلى الصخرة وإذا رجل مسجى بثوب قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه الآخر تحت رأسه. البخاري
وفي صحيح فأتيا جزيرة فوجد مسلم: الخضر قائما يصلي على طنفسة خضراء على كبد البحر.
وقال انتهيا إليه وهو نائم على طنفسة خضراء على وجه الماء وهو مسجى بثوب أخضر، وقيل: إن سبيل الحوت عاد حجرا، فلما جاءا إليه مشيا عليه حتى وصلا إلى جزيرة فيها الخضر. الثعلبي:
وصح أنهما لما انتهيا إليه سلم موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام. فقال: أنا موسى. فقال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم.
وروي أنه لما سلم عليه وهو مسجى عرفه أنه موسى فرفع رأسه فاستوى جالسا وقال: وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل. فقال موسى: وما أدراك بي ومن أخبرك أني نبي بني إسرائيل؟ فقال: الذي أدراك بي ودلك علي، ثم قال: يا موسى، أما يكفيك أن التوراة بيدك وأن الوحي يأتيك؟ قال موسى: إن ربي أرسلني إليك لأتبعك وأتعلم من علمك.
والتنوين في عبدا للتفخيم، والإضافة في عبادنا للتشريف والاختصاص؛ أي: عبدا جليل الشأن ممن اختص بنا وشرف بالإضافة إلينا.
آتيناه رحمة من عندنا قيل: المراد بها الرزق الحلال والعيش الرغد، وقيل: العزلة عن الناس وعدم الاحتياج إليهم، وقيل: طول الحياة مع سلامة البنية، والجمهور على أنها الوحي والنبوة، وقد أطلقت على ذلك في مواضع من القرآن، وأخرج ذلك عن ابن أبي حاتم وهذا قول من يقول بنبوته عليه السلام وفيه أقوال ثلاثة، فالجمهور على أنه عليه السلام نبي وليس برسول، وقيل: هو رسول، وقيل: هو ولي، وعليه ابن عباس، وجماعة، والمنصور ما عليه الجمهور. وشواهده من الآيات والأخبار كثيرة، وبمجموعها يكاد يحصل اليقين، وكما وقع الخلاف في نبوته وقع الخلاف في حياته اليوم فذهب جمع إلى أنه ليس بحي اليوم. القشيري
وسئل عنه وعن البخاري إلياس عليهما السلام: هل هما حيان؟ فقال: كيف يكون هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: -قبل وفاته بقليل-: «لا يبقى على رأس المائة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد»؟
والذي في صحيح عن مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته: جابر «ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة وهي يومئذ حية».
وهذا أبعد عن التأويل، وسئل عن ذلك غيره من الأئمة فقرأ: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد . وسئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: لو كان الخضر حيا لوجب عليه أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويجاهد بين يديه ويتعلم منه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض».
فكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم فأين كان الخضر حينئذ؟
وسئل إبراهيم الحربي عن بقائه فقال: من أحال على غائب لم ينتصف منه، وما ألقى هذا بين الناس إلا الشيطان.
ونقل في البحر عن شرف الدين أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي القول بموته أيضا. ونقله عن ابن الجوزي علي بن موسى الرضا رضي الله تعالى عنهما أيضا.
وكذا عن إبراهيم بن إسحاق الحربي، وقال أيضا: كان أبو الحسين بن المنادي يقبح قول من يقول إنه حي.
وحكى القاضي موته عن بعض أصحاب أبو يعلى محمد، وكيف يعقل وجود الخضر ولا يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة والجماعة، ولا يشهد معه الجهاد مع قوله عليه الصلاة والسلام: موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني». «والذي نفسي بيده لو كان
وقوله عز وجل: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين [ ص: 321 ] وثبوت عيسى عليه السلام إذا نزل إلى الأرض يصلي خلف إمام هذه الأمة ولا يتقدم عليه في مبدأ الأمر، وما أبعد فهم من يثبت وجود أن الخضر عليه السلام وينسى ما في طي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة ثم قال:
وعندنا من المعقول وجوه على عدم حياته، أحدها: أن الذي قال بحياته قال: إنه ابن آدم عليه السلام لصلبه وهذا فاسد لوجهين: الأول: أنه يلزم أن يكون عمره اليوم ستة آلاف سنة أو أكثر ومثل هذا بعيد في العادات في حق البشر. والثاني: أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من أولاده كما زعموا أنه وزير ذي القرنين لكان مهول الخلقة مفرط الطول والعرض.
ففي الصحيحين من حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي هريرة «خلق آدم طوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعده».
وما ذكر أحد ممن يزعم رؤية الخضر أنه رآه على خلقة عظيمة وهو من أقدم الناس، والوجه الثاني أنه لو كان الخضر قبل نوح عليه السلام لركب معه في السفينة ولم ينقل هذا أحد.
الثالث: أن العلماء اتفقوا على أن نوحا عليه السلام لما خرج من السفينة مات من معه ولم يبق غير نسله، ودليل ذلك قوله سبحانه: وجعلنا ذريته هم الباقين . الرابع: أنه لو صح بقاء بشر من لدن آدم إلى قرب خراب الدنيا لكان ذلك من أعظم الآيات والعجائب، وكان خبره في القرآن مذكورا في مواضع لأنه من آيات الربوبية، وقد ذكر سبحانه عز وجل من استحياه ألف سنة إلا خمسين عاما وجعله آية فكيف لا يذكر جل وعلا من استحياه أضعاف ذلك.
الخامس أن القول بحياة الخضر قول على الله تعالى بغير علم، وهو حرام بنص القرآن، أما المقدمة الثانية فظاهرة، وأما الأولى فلأن حياته لو كانت ثابتة لدل عليها القرآن أو السنة أو إجماع الأمة فهذا كتاب الله تعالى فأين فيه حياةالخضر؟ وهذه سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فأين فيها ما يدل على ذلك بوجه، وهؤلاء علماء الأمة فمتى أجمعوا على حياته.
السادس: أن غاية ما يتمسك به في حياته حكايات منقولة يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر فيا لله تعالى العجب هل للخضر علامة يعرفه بها من رآه؟ وكثير من زاعمي رؤيته يغتر بقوله: أنا الخضر ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله تعالى، فمن أين للرائي أن المخبر له صادق لا يكذب؟ السابع: أن الخضر فارق موسى بن عمران كليم الرحمن ولم يصاحبه وقال: هذا فراق بيني وبينك فكيف يرضى لنفسه بمفارقة مثل موسى عليه السلام ثم يجتمع بجهلة العباد الخارجين عن الشريعة الذين لا يحضرون جمعة ولا جماعة ولا مجلس علم وكل منهم يقول: قال لي الخضر، جاءني الخضر، أوصاني الخضر - فيا عجبا له يفارق الكليم ويدور على صحبة جاهل لا يصحبه إلا شيطان رجيم، سبحانك هذا بهتان عظيم.
الثامن: أن الأمة مجمعة على أن الذي يقول: أنا الخضر لو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا لم يلتفت إلى قوله، ولم يحتج به في الدين ولا مخلص للقائل بحياته عن ذلك إلا أن يقول: إنه لم يأت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ولا بايعه أو يقول: إنه لم يرسل إليه وفي هذا من الكفر ما فيه.
التاسع: أنه لو كان حيا لكان جهاده الكفار ورباطه في سبيل الله تعالى ومقامه في الصف ساعة وحضوره الجمعة والجماعة وإرشاد جهلة الأمة أفضل بكثير من سياحته بين الوحوش في القفار والفلوات إلى غير ذلك، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما له وما عليه.
وشاع الاستدلال بخبر: لو كان الخضر حيا لزارني، وهو كما قال الحفاظ خبر موضوع لا أصل له، ولو صح لأغنى عن القيل والقال ولانقطع به الخصام والجدال، وذهب جمهور العلماء إلى أنه حي [ ص: 322 ] موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية قدست أسرارهم قاله النووي، ونقل عن المفسر أن الثعلبي الخضر نبي معمر على جميع الأقوال محجوب عن أبصار أكثر الرجال، وقال ابن الصلاح: هو حي اليوم عند جماهير العلماء والعامة معهم في ذلك، وإنما ذهب إلى إنكار حياته بعض المحدثين واستدلوا على ذلك بأخبار كثيرة منها ما أخرجه في الأفراد الدارقطني عن وابن عساكر عن الضحاك أنه قال: ابن عباس الخضر ابن آدم لصلبه ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال، ومثله لا يقال من قبل الرأي، ومنها ما أخرجه عن ابن عساكر قال: حدثنا أصحابنا أن ابن إسحاق آدم عليه السلام لما حضره الموت جمع بنيه فقال: يا بني، إن الله تعالى منزل على أهل الأرض عذابا فليكن جسدي معكم في المغارة حتى إذا هبطتم فابعثوا بي وادفنوني بأرض الشام، فكان جسده معهم، فلما بعث الله تعالى نوحا ضم ذلك الجسد وأرسل الله تعالى الطوفان على الأرض فغرقت زمانا فجاء نوح حتى نزل بابل وأوصى بنيه الثلاثة أن يذهبوا بجسده إلى المغار الذي أمرهم أن يدفنوه به فقالوا: الأرض وحشة لا أنيس بها ولا نهتدي الطريق ولكن كف حتى يأمن الناس ويكثروا. فقال لهم نوح: إن آدم قد دعا الله تعالى أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة فلم يزل جسد آدم حتى كان الخضر هو الذي تولى دفنه فأنجز الله تعالى له ما وعده، فهو يحيا إلى ما شاء الله تعالى له أن يحيا.
وفي هذا سبب طول بقائه وكأنه سبب بعيد وإلا فالمشهور فيه أنه شرب من عين الحياة حين دخل الظلمة معذي القرنين وكان على مقدمته، ومنها ما أخرجه الخطيب عن وابن عساكر رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه قال: بينا أنا أطوف بالبيت إذا رجل متعلق بأستار الكعبة يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا تغلطه المسائل، ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين، أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك. قلت: يا عبد الله، أعد الكلام قال: أسمعته؟ قلت: نعم. قال: والذي نفس علي الخضر بيده - وكان هو الخضر - لا يقولهن عبد دبر الصلاة المكتوبة إلا غفرت ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج، وعدد المطر وورق الشجر.
ومنها ما نقله عن الثعلبي قال: قال ابن عباس كرم الله تعالى وجهه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي وأخذنا في جهازه خرج الناس وخلا الموضع، فلما وضعته على المغتسل إذا بهاتف يهتف من زاوية البيت بأعلى صوته: لا تغسلوا علي محمدا، فإنه طاهر طهر. فوقع في قلبي شيء من ذلك وقلت: ويلك من أنت؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أمرنا وهذه سنته، وإذا بهاتف آخر يهتف بي من زاوية البيت بأعلى صوته: غسلوا محمدا، فإن الهاتف الأول كان إبليس الملعون، حسد محمدا صلى الله عليه وسلم أن يدخل قبره مغسولا. فقلت: جزاك الله تعالى خيرا قد أخبرتني بأن ذلك إبليس فمن أنت؟ قال: أنا الخضر حضرت جنازة محمد صلى الله عليه وسلم.
ومنها ما أخرجه في المستدرك عن الحاكم قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع الصحابة دخل رجل أشهب اللحية جسيم صبيح فتخطى رقابهم فبكى ثم التفت إلى الصحابة فقال: إن في الله تعالى عزاء من كل مصيبة وعوضا من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله تعالى فأنيبوا، وإليه تعالى فارغبوا ونظره سبحانه إليكم في البلاء فانظروا، فإنما المصاب من لم يجبر. فقال جابر أبو بكر رضي الله تعالى عنهما: هذا وعلي الخضر عليه السلام.
ومنها ما أخرجه أن ابن عساكر إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ويحجان في كل سنة، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل.
ومنها ما أخرجه أيضا ابن عساكر والعقيلي في الأفراد عن والدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن عباس يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هذه الكلمات: باسم الله ما شاء الله، لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله.
[ ص: 323 ] ومنها ما أخرجه بسنده عن ابن عساكر محمد بن المنكدر قال: بينما يصلي على جنازة إذا بهاتف يهتف من خلفه: لا تسبقنا بالصلاة يرحمك الله تعالى، فانتظره حتى حق بالصف الأول فكبر عمر بن الخطاب وكبر الناس معه فقال الهاتف: إن تعذبه فكثيرا عصاك، وإن تغفر له ففقير إلى رحمتك. فنظر عمر وأصحابه إلى الرجل، فلما دفن الميت وسوي عليه التراب قال: طوبى لك يا صاحب القبر، إن لم تكن عريفا أو جابيا أو خازنا أو كاتبا أو شرطيا فقال عمر خذوا لي الرجل نسأله عن صلاته وكلامه هذا عمن هو، فتوارى عنهم فنظروا فإذا أثر قدمه ذراع، فقال عمر: هذا والله الذي حدثنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم. والاستدلال بهذا مبني على أنه عنى بالمحدث عنه عمر: الخضر عليه السلام إلى غير ذلك.
وكثير مما ذكر وإن لم يدل على أنه حي اليوم بل يدل على أنه كان حيا في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم من حياته إذ ذاك حياته اليوم إلا أنه يكفي في رد الخصم إذ هو ينفي حياته إذ ذاك كما ينفي حياته اليوم، نعم، إذا كان عندنا من يثبتها إذ ذاك وينفيها الآن لم ينفع ما ذكر معه لكن ليس عندنا من هو كذلك، وحكايات الصالحين من التابعين والصوفية في الاجتماع به والأخذ عنه في سائر الأعصار أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر. نعم أجمع المحدثون القائلون بحياته عليه السلام على أنه ليس له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به العراقي في تخريج أحاديث الأحياء. وهذا خلاف ما عند الصوفية؛ فقد ادعى الشيخ علاء الدين استفادة الأحاديث النبوية عنه بلا واسطة.
وذكر السهروردي في السر المكتوم أن الخضر عليه السلام حدثنا بثلاثمائة حديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم شفاها، واستدل بعض الذاهبين إلى حياته الآن بالاستصحاب، فإنه قد تحققت من قبل بالدليل فتبقى على ذلك إلى أن يقوم الدليل على خلافها ولم يقم. وأجابوا عما استدل به الخصم مما تقدم. فأجابوا عما ذكره من الحديث الذي لا يوجب نفي حياته في زمانه صلى الله عليه وسلم، وإنما يوجب بظاهره نفيها بعد مائة سنة من زمان القول بأنه لم يكن حينئذ على ظهر الأرض بل كان على وجه الماء. وبأن الحديث عام فيما يشاهده الناس بدليل استثناء الملائكة عليهم السلام وإخراج الشيطان، وحاصله انخرام القرن الأول، نعم هو نص في الرد على مدعي التعمير البخاري كرتن بن عبد الله الهندي التبريزي الذي ظهر في القرن السابع وادعى الصحبة وروى الأحاديث.
وفيه أن الظاهر ممن على ظهر الأرض من هو من أهل الأرض ومتوطن فيها عرفا ولا شك أن هذا شامل لمن كان في البحر ولو لم يعد من في البحر ممن هو على ظهر الأرض لم يكن الحديث نصا في الرد على رتن وأضرابه؛ لجواز أن يكونوا حين القول في البحر بل متى قبل هذا التأويل خرج كثير من الناس من عموم الحديث، وضعف العموم في قوله تعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولينظر في قول من قال:
يحتمل أنه كان وقت القول في الهواء ففيه أيضا ما لا يخفى على الناظر. ويرد على الجواب الثاني أن الخضر لو كان موجودا لكان ممن يشاهده الناس كما هو الأمر المعتاد في البشر، وكونه عليه السلام خارجا عن ذلك لا يثبت إلا بدليل وأنى هو فتأمل، وأجابوا عما قاله الشيخ ابن تيمية بأن وجوب الإتيان ممنوع، فكم من مؤمن به صلى الله عليه وسلم في زمانه لم يأته عليه الصلاة والسلام فهذا خير التابعين أويس القرني رضي الله تعالى عنه لم يتيسر له الإتيان والمرافقة في الجهاد ولا التعلم من غير واسطة، وكذا رضي الله تعالى عنه. على أنا نقول: إن النجاشي الخضر عليه السلام كان يأتيه ويتعلم منه صلى الله عليه وسلم لكن على وجه الخفاء لعدم كونه مأمورا بإتيان العلانية لحكمة [ ص: 324 ] إلهية اقتضت ذلك. وأما الحضور في الجهاد فقد روى ابن بشكوال في كتاب المستغيثين بالله تعالى عن عبد الله بن المبارك أنه قال: كنت في غزوة فوقع فرسي ميتا فرأيت رجلا حسن الوجه طيب الرائحة. قال: أتحب أن تركب فرسك؟ قلت: نعم. فوضع يده على جبهة الفرس حتى انتهى إلى مؤخره وقال: أقسمت عليك أيتها العلة بعزة عزة الله وبعظمة الله وبجلال جلال الله وبقدرة قدرة الله وبسلطان سلطان الله وبلا إله إلا الله وبما جرى به القلم من عند الله، وبلا حول ولا قوة إلا بالله إلا انصرفت فوثب الفرس قائما بإذن الله تعالى وأخذ الرجل بركابي وقال: اركب فركبت ولحقت بأصحابي. فلما كان من غداة غد وظهرنا على العدو فإذا هو بين أيدينا فقلت: ألست صاحبي بالأمس؟ قال: بلى. فقلت: سألتك بالله تعالى من أنت؟
فوثب قائما فاهتزت الأرض تحته خضراء فقال: أنا الخضر.
فهذا صريح في أنه قد يحضر بعض المعارك، وأما قوله صلى الله عليه وسلم في بدر: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض».
فمعناه: لا تعبد على وجه الظهور والغلبة وقوة الأمة، وإلا فكم من مؤمن كان بالمدينة وغيرها ولم يحضر بدرا، ولا يخفى أن نظم الخضر عليه السلام في سلك أويس القرني والنجاشي وأضرابهما ممن لم يمكنه الإتيان إليه صلى الله عليه وسلم بعيد عن الإنصاف، وإن لم نقل بوجوب الإتيان عليه عليه السلام، وكيف يقول منصف بإمامته صلى الله عليه وسلم لجميع الأنبياء عليهم السلام واقتداء جميعهم به ليلة المعراج ولا يرى لزوم الإتيان على الخضر عليه السلام والاجتماع معه صلى الله عليه وسلم مع أنه لا مانع له من ذلك بحسب الظاهر، ومتى زعم أحد أن نسبته إلى نبينا صلى الله عليه وسلم كنسبته إلى موسى عليه السلام فليجدد إسلامه، ودعوى أنه كان يأتي ويتعلم خفية لعدم أمره بذلك علانية لحكمة إلهية مما لم يقم عليها الدليل، على أنه لو كان كذلك لذكره صلى الله عليه وسلم ولو مرة وأين الدليل على الذكر؟ وأيضا لا تظهر الحكمة في منعه عن الإتيان مرة أو مرتين على نحو إتيان جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه، وإن قيل: إن هذه الدعوى مجرد احتمال، قيل: لا يلتفت إلى مثله إلا عند الضرورة ولا تتحقق إلا بعد تحقق وجوده؛ إذ ذاك بالدليل ووجوده كوجوده عندنا، وأما ما روي عن ابن المدرك فلا نسلم ثبوته عنه، وأنت إذا أمعنت النظر في ألفاظ القصة استبعدت صحتها، ومن أنصف يعلم أن حضوره عليه السلام يوم قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله تعالى عنه: ارم فداك أبي وأمي كان أهم من حضوره مع واحتمال أنه حضر ولم يره أحد شبه شيء بالسفسطة، وأما ما ذكروه في معنى الحديث فلقائل أن يقول: إنه بعيد؛ فمن الظاهر منه نفي أن يعبد سبحانه إن أهلك تلك العصابة مطلقا على معنى أنهم إن أهملوا والإسلام غض ارتد الباقون ولم يكد يؤمن أحد بعد فلا يعبده سبحانه أحد من البشر في الأرض حينئذ، وقد لا يوسط حديث الارتداد بأن يكون المعنى: اللهم إن تهلك هذه العصابة الذين هم تاج رأس الإسلام استولى الكفار على سائر المسلمين بعدهم فأهلكوهم فلا يعبدك أحد من البشر حينئذ، وأيا ما كان فالاستدلال بالحديث على عدم وجود الخضر عليه السلام له وجه، فإن أجابوا عنه بأن المراد نفي أن يشاهد من يعبده تعالى بعد ابن المبارك، والخضر عليه السلام لا يشاهد ورد عليه ما تقدم. وأجابوا عن الاستدلال بقوله تعالى: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد بأن المراد من الخلد الدوام الأبدي والقائلون بوجوده اليوم لا يقولون بتأبيده بل منهم من يقول: إنه يقاتل الدجال ويموت، ومنهم من يقول: إنه يموت زمان رفع القرآن، ومنهم من يقول: إنه يموت في آخر الزمان ومراده أحد هذين الأمرين أو ما يقاربهما.
وتعقب بأن الخلد بمعنى الخلود وهو على ما يقتضيه ظاهر قوله تعالى: خالدين فيها أبدا حقيقة في [ ص: 325 ] طول المكث لا في دوام البقاء، فإن الظاهر التأسيس لا التأكيد، وقد قال كل ما يتباطأ عنه التغير والفساد تصفه الراغب: العرب بالخلود؛ كقولهم للأثافي خوالد؛ وذلك لطول مكثها لا لدوامها وبقائها. انتهى.
وأنت تعلم قوة الجواب لأن المكث الطويل ثبت لبعض البشر كنوح عليه السلام. وأجابوا عما نقل عن من الوجوه العقلية، أما عن الأول من وجهي فساد القول بأنه ابن آدم عليه السلام بعد تسليم صحة الرواية فبأن البعد العادي لا يضر القائل بتعميره هذه المدة المديدة؛ لأن ذلك عنده من خرق العادات، وأما على الثاني فبأن ما ذكر من عظم خلقة المتقدمين خارج مخرج الغالب، وإلا ابن الجوزي فيأجوج ومأجوج من صلب يافث بن نوح، وفيهم من طوله قدر شبر كما روي في الآثار، على أنه لا بدع في أن يكون الخضر عليه السلام قد أعطي قوة التشكل والتصور بأي صورة شاء كجبريل عليه الصلاة والسلام، وقد أثبت الصوفية قدست أسرارهم هذه القوة للأولياء ولهم في ذلك حكايات مشهورة، وأنت تعلم أن ما ذكر عن يأجوج ومأجوج من أن فيهم من طوله قدر شبر بعد تسليمه لقائل أن يقول فيه: إن ذلك حين يفتح السد وهو في آخر الزمان ولا يتم الاستناد بحالهم إلا إذا ثبت أن فيهم من هو كذلك في الزمن القديم، وما ذكر من إعطائه من قوة التشكل احتمال بعيد، وفي ثبوته للأولياء خلاف كثير من المحدثين. وقال بعض الناس: لو أعطي أحد من البشر هذه القوة لأعطيها صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة فاستغنى بها عن الغار وجعلها حجابا له عن الكفار، وللبحث في هذا مجال. وعن الثاني من الوجوه بأنه لا يلزم من عدم نقل كونه في السفينة إن قلنا بأنه عليه السلام كان قبل نوح عليه السلام عدم وجوده لجواز أنه كان ولم ينقل مع أنه يحتمل أن يكون قد ركب ولم يشاهد وهذا كما ترى.
وقال بعض الناس: إذا كان احتمال إعطاء قوة التشكل قائما عند القائلين بالتعمير فليقولوا: يحتمل أنه عليه السلام قد تشكل فصار في غاية من الطول بحيث خاض في الماء ولم يحتج إلى الركوب في السفينة على نحو ما يزعمه أهل الخرافات في عوج بن عوق، وأيضا هم يقولون: له قدرة الكون في الهواء فما منعهم من أن يقولوا بأنه يحتمل أنه لم يركب وتحفظ عن الماء بالهواء كما قالوا باحتمال أنه كان في الهواء في الجواب عن حديث وأيضا ذكر بعضهم عن البخاري، العلامي في تفسيره أن الخضر يدور في البحار يهدي من ضل فيها وإلياس يدور في الجبال يهدي من ضل فيها، هذا دأبهما في النهار وفي الليل يجتمعان عند سد يأجوج ومأجوج يحفظانه فلم لم يقولوا: إنه عليه السلام بقي في البحر حين ركب غيره السفينة ولعلهم إنما لم يقولوا ذلك لأن ما ذكر قد روى قريبا منه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن أنس مرفوعا، ولفظه: «إن الخضر في البحر وإلياس في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين» الخبر.
وقد قالوا: إن سنده واه أو لأنهم لا يثبتون له هذه الخدمة الإلهية في ذلك الوقت، ويوشك أن يقولوا في إعطائه قوة التشكل والكون في الهواء كذلك. وعن الثالث بأنه لا نسلم الاتفاق على أنه مات كل أهل السفينة ولم يبق بعد الخروج منها غير نسل نوح عليه السلام، والحصر في الآية إضافي بالنسبة إلى المكذبين بنوح عليه السلام، وأيضا المراد أنه مات كل من كان ظاهرا مشاهدا غير نسله عليه السلام بدليل أن الشيطان كان أيضا في السفينة. وأيضا المراد من الآية بقاء ذريته عليه السلام على وجه التناسل وهو لا ينفي بقاء من عداهم من غير تناسل ونحن ندعي ذلك في الخضر على أن القول بأنه كان قبل نوح عليهما السلام قول ضعيف والمعتمد كونه بعد ذلك ولا يخفى ما في بعض ما ذكر من الكلام.
[ ص: 326 ] وعن الرابع بأنه لا يلزم من كون تعميره من أعظم الآيات أن يذكر في القرآن العظيم كرات، وإنما ذكر سبحانه نوحا عليه السلام تسلية لنبينا صلى الله عليه وسلم بما لاقى من قومه في هذه المدة مع بقائهم مصرين على الكفر حتى أغرقوا ولا توجد هذه الفائدة في ذكر عمر الخضر عليه السلام لو ذكر، على أنه قد يقال: من ذكر طول عمر نوح عليه السلام تصريحا يفهم تجويز عمر أطول من ذلك تلويحا.
وتعقب بأن لنا أن نعود فنقول: لا أقل من أن يذكر هذا الأمر العظيم في القرآن العظيم مرة لأنه من آيات الربوبية في النوع الإنساني، وليس المراد أنه يلزم عقلا من كونه كذلك ذكره بل ندعي أن ذكر ذلك أمر استحساني لا سيما وقد ذكر تعمير عدو الله تعالى إبليس عليه اللعنة فإذا ذكر يكون القرآن مشتملا على ذكر معمر من الجن مبعد وذكر معمر من الإنس مقرب ولا يخفى حسنه، وربما يقال: إن فيه أيضا إدخال السرور على النبي صلى الله عليه وسلم، وبأن التجويز المذكور في حيز العلاوة مما لا كلام فيه، إنما الكلام في الوقوع ودون إثباته الظفر بماء الحياة، وأجاب بعضهم بأن في قوله تعالى: آتيناه رحمة من عندنا إشارة إلى طول عمره عليه السلام على ما سمعت عن بعض في تفسيره. ورد بأن تفسيره بذلك مبني على القول بالتعمير فإن قبل قبل وإلا فلا، وعن الخامس بأنا نختار أنه ثابت بالسنة وقد تقدم لك طرف منها.
وتعقب بما نقله عن القارئ عن ابن قيم الجوزية أنه قال: إن الأحاديث التي يذكر فيها الخضر عليه السلام وحياته كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد، ومن ادعى الصحة فعليه البيان، وقيل: يكفي في ثبوته إجماع المشايخ العظام وجماهير العلماء الأعلام. وقد نقل هذا الإجماع ابن الصلاح والنووي وغيرهما من الأجلة الفخام، وتعقب بأن إجماع المشايخ غير مسلم؛ فقد نقل الشيخ صدر الدين إسحاق القونوي في تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي أن وجود الخضر عليه السلام في عالم المثال.
وذهب عبد الرزاق الكاشي إلى أن الخضر عبارة عن البسط، وإلياس عن القبض، وذهب بعضهم إلى أن الخضرية رتبة يتولاها بعض الصالحين على قدم الخضر الذي كان في زمان موسى عليهما السلام، ومع وجود هذه الأقوال لا يتم الإجماع، وكونها غير مقبولة عند المحققين منهم لا يتممه أيضا، وإجماع جماهير العلماء على ما نقل ابن الصلاح والنووي لكنه ليس الإجماع الذي هو أحد الأدلة الشرعية والخصم لا يقنع إلا به وهو الذي نفاه فأنى بإثباته، ولعل الخصم لا يعتبر أيضا إجماع المشايخ قدست أسرارهم إجماعا هو أحد الأدلة، وعن السادس بأن له علامات عند أهله ككون الأرض تخضر عند قدمه، وأن طول قدمه ذراع وربما يظهر منه بعض خوارق العادات بما يشهد بصدقه، على أن المؤمن يصدق بقوله بناء على حسن الظن به، وقد شاع بين زاعمي رؤيته عليه السلام أن من علاماته أن إبهام يده اليمنى لا عظم فيه، وأن بؤبؤ إحدى عينيه يتحرك كالزئبق، وتعقب بأنه بأي دليل ثبت أن هذه علاماته، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين. مسلم
والذي ثبت في الحديث الصحيح أنه إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء، وأين فيه ثبوت ذلك له دائما، وكون طول قدمه ذراعا إنما جاء في خبر محمد بن المنكدر السابق عن رضي الله تعالى عنه ولا نسلم صحته، على أن زاعمي رؤيته يزعمون أنهم يرونه في صور مختلفة ولا يكاد يستقر له عليه السلام قدم على صورة واحدة، وظهور الخوارق مشترك بينه وبين غيره من أولياء الأمة فيمكن أن يظهر ولي خارقا ويقول: أنا عمر بن الخطاب الخضر مجازا لأنه على قدمه أو لاعتبار آخر ويدعوه لذلك [ ص: 327 ] داع شرعي.
وقد صح في حديث الهجرة أنه صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ممن القوم؟ قال: من ما، فظن السائل أن «ما» اسم قبيلة.
ولم يعن صلى الله عليه وسلم إلا أنهم خلقوا من ماء دافق، وقد يقال للصوفي: إن أنا الخضر مع ظهور الخوارق لا تيقن منه أن القائل هو الخضر بالمعنى المتبادر في نفس الأمر لجواز أن يكون ذلك القائل ممن هو فان فيه لاتحاد المشرب، وكثيرا ما يقول الفاني في شيخه: أنا فلان ويذكر اسم شيخه، وأيضا متى وقع من بعضهم قول: أنا الحق، وما في الجبة إلا الله، لم يبعد أن يقع أنا الخضر، وقد ثبت عن كثير منهم نظما ونثرا قول: أنا آدم أنا نوح أنا إبراهيم أنا موسى أنا عيسى أنا محمد إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك، وذكروا له محملا صحيحا عندهم فليكن قول: أنا الخضر ممن ليس بالخضر على هذا الطرز، ومع قيام هذا الاحتمال كيف يحصل اليقين؟ وحسن الظن لا يحصل منه ذلك.
وعن السابع بأنا لا نسلم اجتماعه بجهلة العباد الخارجين عن الشريعة ولا يلتفت إلى قولهم، فالكذابون الدجالون يكذبون على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يبعد أن يكذبوا على الخضر عليه السلام ويقولوا: قال وجاء إنما القول باجتماعه بأكابر الصوفية والعباد المحافظين على الحدود الشرعية، فإنه قد شاع اجتماعه بهم حتى أن منهم من طلب الخضر مرافقته فأبى، وروي ذلك عن علي الخواص رحمة الله تعالى عليه، في سفر حجه، وسئل عن سبب إبائه فقال: خفت من النقص في توكلي حيث أعتمد على وجوده معي.
وتعقب بأن اجتماعه بهم واجتماعهم به يحتمل أن يكون من قبيل ما يذكرونه من اجتماعهم بالنبي صلى الله عليه وسلم واجتماعه عليه الصلاة والسلام بهم، وذلك أن الأرواح المقدسة قد تظهر متشكلة ويجتمع بها الكاملون من العباد، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى عليه السلام قائما يصلي في قبره ورآه في السماء ورآه يطوف بالبيت.
وادعى الشيخ الأكبر قدس سره الاجتماع مع أكثر الأنبياء عليهم السلام لا سيما مع إدريس عليه السلام، فقد ذكر أنه اجتمع به مرارا وأخذ منه علما كثيرا بل قد يجتمع الكامل بمن لم يولد بعد كالمهدي، وقد ذكر الشيخ الأكبر أيضا اجتماعه معه، وهذا ظاهر عند من يقول: إن الأزل والأبد نقطة واحدة، والفرق بينهما بالاعتبار عند المتجردين عن جلابيب أبدانهم، ولعل كثرة هذا الظهور والتشكل من خصوصيات الخضر عليه السلام، ومع قيام هذا الاحتمال لا يحصل يقين أيضا بأن الخضر المرئي موجود في الخارج كوجود سائر الناس فيه كما لا يخفى.
ومما يبنى على اجتماعه عليه السلام بالكاملين من أهل الله تعالى بعض طرق إجازتنا بالصلاة البشيشية فإني أرويها من بعض الطرق عن شيخي علاء الدين علي أفندي الموصلي عن شيخه ووالده صلاح الدين يوسف أفندي الموصلي عن شيخه خاتمة المرشدين السيد علي البندنيجي عن نبي الله تعالى الخضر عليه السلام عن الولي الكامل الشيخ عبد السلام بن بشيش قدس سره. وعن الثامن بأنا لا نسلم أن القول بعدم إرساله صلى الله عليه وسلم إليه عليه السلام كفر، وبفرض أنه ليس بكفر هو قول باطل إجماعا، ونختار أنه أتى وبايع لكن باطنا حيث لا يشعر به أحد وقد عده جماعة من أرباب الأصول في الصحابة، ولعل عدم قبول روايته لعدم القطع في وجوده وشهوده في حال رؤيته وهو كما ترى.
وعن التاسع بأنه مجازفة في الكلام فإنه من أين يعلم نفي ما ذكره من حضور الجهاد وغيره عن الخضر عليه السلام مع أن العالم بالعلم اللدني لا يكون مشتغلا إلا بما علمه الله تعالى في كل مكان وزمان بحسب ما يقتضي الأمر والشأن، وتعقب بأن النفي مستند إلى عدم الدليل فنحن نقول به [ ص: 328 ] إلى أن يقوم الدليل ولعله لا يقوم حتى يقوم الناس لرب العالمين، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في العلم اللدني والعالم به، وبالجملة قد ظهر لك حال معظم أدلة الفريقين وبقي ما استدل به البعض من الاستصحاب. وأنت تعلم أنه حجة عند الشافعي والمزني وأبي بكر الصيرفي في كل شيء نفيا وإثباتا ثبت تحققه بدليل ثم وقع الشك في بقائه إن لم يقع ظن بعدمه، وأما عندنا وكذا عند المتكلمين فهو من الحجج القاصرة التي لا تصلح للإثبات وإنما تصلح للدفع بمعنى أن لا يثبت حكم وعدم الحكم مستند إلى عدم دليله والأصل في العدم الاستمرار حتى يظهر دليل الوجود فالمفقود يرث عنده لا عندنا؛ لأن الإرث من باب الإثبات فلا يثبت به ولا يورث لأن عدم الإرث من باب الدفع فيثبت به، ويتفرع على هذا الخلاف فروع أخر ليس هذا محل ذكرها، وإذا كان حكم الاستصحاب عندنا ما ذكر فاستدلال الحنفي به على إثبات الخضر عليه السلام اليوم وأنها متيقنة لا يخلو عن شيء بل استدلال حياة به على ذلك أيضا كذلك بناء على أن صحة الاستدلال به مشروط بعدم وقوع ظن بالعدم فإن العادة قاضية بعدم بقاء الآدمي تلك المدة المديدة والأحقاب العديدة، وقد قيل: إن العادة دليل معتبر، ولولا ذلك لم يؤثر خرق العادة بالمعجزة في وجوب الاعتقاد والاتباع فإن لم تفد يقينا بالعدم فيما نحن فيه أفادت الظن به فلا يتحقق شرط صحة الاستدلال، وعلى هذا فالمعول عليه الخالص من شوب الكدر الاستدلال بأحد الأدلة الأربعة وقد علمت حال استدلالهم بالكتاب والسنة وما سموه إجماعا، وأما الاستدلال بالقياس هنا فمما لا يقدم عليه عاقل فضلا عن فاضل «ثم اعلم» بعد كل حساب أن الأخبار الصحيحة النبوية والمقدمات الراجحة العقلية تساعد القائلين بوفاته عليه السلام أي مساعدة، وتعاضدهم على دعواهم أي معاضدة، ولا مقتضى للعدول عن ظواهر تلك الأخبار إلا مراعاة ظواهر الحكايات المروية والله تعالى أعلم بصحتها عن بعض الصالحين الأخيار، وحسن الظن ببعض السادة الصوفية فإنهم قالوا بوجوده إلى آخر الزمان على وجه لا يقبل التأويل السابق، ففي الباب الثالث والسبعين من الفتوحات المكية: اعلم أن لله تعالى في كل نوع من المخلوقات خصائص وصفوة، وأعلى الخواص فيه من العباد الرسل عليهم السلام، ولهم مقام الرسالة والنبوة والولاية والإيمان فهم أركان بيت هذا النوع، والرسول أفضلهم مقاما وأعلاهم حالا؛ بمعنى أن المقام الذي أرسل منه أعلى منزلة عند الله تعالى من سائر المقامات وهم الأقطاب والأئمة والأوتاد الذين يحفظ الله تعالى بهم العالم ويصون بهم بيت الدين القائم بالأركان الأربعة الرسالة والنبوة والولاية والإيمان، والرسالة هي الركن الجامع وهي المقصودة من هذا النوع فلا يخلو من أن يكون فيه رسول كما لا يزال دين الله تعالى، وذلك الرسول هو القطب الذي هو موضع نظر الحق وبه يبقى النوع في هذه الدار ولو كفر الجميع، ولا يصح هذا الاسم على إنسان إلا أن يكون ذا جسم طبيعي وروح ويكون موجودا في هذا النوع في هذه الدار بجسده وروحه يتغذى، وهو مجلى الحق من الشافعي آدم عليه السلام إلى يوم القيامة، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما قرر الدين الذي لا ينسخ والشرع الذي لا يبدل، ودخل الرسل كلهم عليهم السلام في ذلك الدين وكانت الأرض لا تخلو من رسول حسي بجسمه لأنه قطب العالم الإنساني وإن تعدد الرسل كان واحد منهم هو المقصود أبقى الله تعالى بعد وفاته عليه الصلاة والسلام من الرسل الأحياء بأجسادهم في هذه الدار أربعة: إدريس وإلياس وعيسى والخضر عليهم السلام، والثلاثة الأول متفق عليهم والأخير مختلف فيه عند غيرنا لا عندنا فأسكن [ ص: 329 ] سبحانه إدريس في السماء الرابعة، وهي وسائر السموات السبع من الدار الدنيا لأنها تتبدل في الدار الأخرى كما تتبدل هذه النشأة الترابية منا بنشأة أخرى، وأبقى الآخرين في الأرض فهم كلهم باقون بأجسامهم في الدار الدنيا، وكلهم الأوتاد، واثنان منهم الإمامان، وواحد منهم القطب الذي هو موضع نظر الحق من العالم، وهو ركن الحجر الأسود من أركان بيت الدين، فما زال المرسلون ولا يزالون في هذه الدار إلى يوم القيامة وإن كانوا على شرع نبينا صلى الله عليه وسلم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وبالواحد منهم يحفظ الله تعالى الإيمان وبالثاني الولاية وبالثالث النبوة وبالرابع الرسالة وبالمجموع الدين الحنيفي، والقطب من هؤلاء لا يموت أبدا؛ أي: لا يصعق. وهذه المعرفة لا يعرفها من أهل طريقتنا إلا الأفراد الأمناء، ولكل واحد منهم من هذه الأمة في كل زمان شخص على قلبه مع وجودهم ويقال لهم النواب، وأكثر الأولياء من عامة أصحابنا لا يعرفون إلا أولئك النواب ولا يعرفون أولئك المرسلين، ولذا يتطاول كل واحد من الأمة لنيل مقام القطبية والإمامية والوتدية فإذا خصوا بها عرفوا أنهم نواب عن أولئك المرسلين عليهم السلام. ومن كرامة نبينا صلى الله عليه وسلم أن جعل من أمته وأتباعه رسلا وإن لم يرسلوا فيهم من أهل هذا المقام الذي منه يرسلون وقد كانوا أرسلوا، فلهذا صلى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بالأنبياء عليهم السلام لتصح له الإمامة على الجميع حيا بجسمانيته وجسمه، فلما انتقل عليه الصلاة والسلام بقي الأمر محفوظا بهؤلاء الرسل عليهم السلام، فثبت الدين قائما بحمد الله تعالى وإن ظهر الفساد في العالم إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وهذه نكتة فاعرف قدرها؛ فإنك لا تراها في كلام أحد غيرنا. ولولا ما ألقي عندي من إظهارها ما أظهرتها لسر يعلمه الله تعالى ما أعلمنا به. ولا يعرف ما ذكرناه إلا نوابهم دون غيرهم من الأولياء، فاحمدوا الله تعالى يا إخواننا حيث جعلكم الله تعالى ممن قرع سمعه أسرار الله تعالى المخبوءة في خلقه التي اختص بها من شاء من عباده، فكونوا لها قابلين وبها مؤمنين ولا تحرموا التصديق بها فتحرموا خيرها. انتهى.
وعلم منه القول برسالة الخضر عليه السلام وهو قول مرجوح عند جمهور العلماء، والقول بحياته وبقائه إلى يوم القيامة وكذا بقاء عيسى عليه السلام، والمشهور أنه بعد نزوله إلى الأرض يتزوج ويولد له ويتوفى ويدفن في الحجرة الشريفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولينظر ما وجه قوله -قدس سره- بإبقاء عيسى عليه السلام في الأرض وهو اليوم في السماء كإدريس عليه السلام، ثم إنك إن اعتبرت مثل هذه الأقوال وتلقيتها بالقبول لمجرد جلالة قائلها وحسن الظن فيه فقل بحياة الخضر عليه السلام إلى يوم القيامة، وإن لم تعتبر ذلك وجعلت الدليل وجودا وعدما مدارا للقبول والرد ولم تغرك جلالة القائل إذ كل أحد يؤخذ من قوله ويرد ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن كرم الله تعالى وجهه أنه قال: لا تنظر إلى من قال، وانظر ما قال فاستفت قلبك بعد الوقوف على أدلة الطرفين وما لها وما عليها ثم اعمل بما يفتيك. وأنا أرى كثيرا من الناس اليوم بل في كثير من الأعصار يسمون من يخالف الصوفية في أي أمر ذهبوا إليه منكرا ويعدونه سيئ العقيدة، ويعتقدون بمن يوافقهم ويؤمن بقولهم الخير، وفي كلام الصوفية أيضا نحو هذا؛ فقد نقل علي الشيخ الأكبر قدس سره في الباب السابق عن أبي يزيد البسطامي -قدس سره- أنه قال لأبي موسى الدبيلي: يا أبا موسى، إذا رأيت من يؤمن بكلام أهل هذه الطريقة فقل له يدعو لك؛ فإنه مجاب الدعوة، وذكر أيضا أنه سمع [ ص: 330 ] أبا عمران موسى بن عمران الإشبيلي يقول لأبي القاسم بن عفير الخطيب وقد أنكر ما يذكر أهل الطريقة: يا أبا القاسم، لا تفعل؛ فإنك إن فعلت هذا جمعنا بين حرمانين؛ لا ندري ذلك من نفوسنا ولا نؤمن به من غيرنا وما ثم دليل يرده ولا قادح يقدح فيه شرعا أو عقلا. انتهى. ويفهم منه أن ما يرده الدليل الشرعي أو العقلي لا يقبل وهو الذي إليه أذهب وبه أقول، وأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياك لكل ما هو مرضي لديه سبحانه ومقبول.
والتنوين في قوله تعالى: رحمة للتفخيم وكذا في قوله سبحانه: وعلمناه من لدنا علما أي: علما لا يكتنه كنهه، ولا يقادر قدره، وهو علم الغيوب وأسرار العلوم الخفية، وذكر ( لدنا ) قيل: لأن العلم من أخص صفاته تعالى الذاتية، وقد قالوا: إن القدرة لا تتعلق بشيء ما لم تتعلق الإرادة وهي لا تتعلق ما لم يتعلق العلم فالشيء يعلم أولا فيراد فتتعلق به القدرة فيوجد.
وذكر أنه يفهم من فحوى من لدنا أو من تقديمه على علما اختصاص ذلك بالله تعالى كأنه قيل: علما يختص بنا ولا يعلم إلا بتوقيفنا، وفي اختيار ( علمناه ) على آتيناه من الإشارة إلى تعظيم أمر هذا العلم ما فيه، وهذا التعليم يحتمل أن يكون بواسطة الوحي المسموع بلسان الملك وهو القسم الأول من أقسام الوحي الظاهري كما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم في إخباره عن الغيب الذي أوحاه الله تعالى إليه في القرآن الكريم، وأن يكون بواسطة الوحي الحاصل بإشارة الملك من غير بيان بالكلام وهو القسم الثاني من ذلك ويسمى بالنفث كما في حديث: والإلهام على ما يشير إليه بعض عبارات القوم من هذا النوع، ويثبتون له ملكا يسمونه ملك الإلهام، ويكون للأنبياء عليهم السلام ولغيرهم بالإجماع، ولهم في الوقوف على المغيبات طرق تتشعب من تزكية الباطن. «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله تعالى واجملوا في الطلب».
والآية عندهم أصل في إثبات العلم اللدني، وشاع إطلاق علم الحقيقة والعلم الباطن عليه ولم يرتض بعضهم هذا الإطلاق، قال العارف بالله تعالى الشيخ عبد الوهاب الشعراني عليه الرحمة في كتابه المسمى بالدرر المنثورة في بيان زبد العلوم المشهورة ما لفظه: وأما زبدة علم التصوف الذي وضع القوم فيه رسائلهم فهو نتيجة العمل بالكتاب والسنة، فمن عمل بما علم تكلم بما تكلموا وصار جميع ما قالوه بعض ما عنده لأنه كلما ترقى العبد في باب الأدب مع الله تعالى دق كلامه على الأفهام، حتى قال بعضهم لشيخه: إن كلام أخي فلان يدق على فهمه فقال: لأن لك قميصين وله قميص واحد؛ فهو أعلى مرتبة منك، وهذا هو الذي دعا الفقهاء ونحوهم من أهل الحجاب إلى تسمية علم الصوفية بالعلم الباطن وليس ذلك بباطن؛ إذ الباطن إنما هو علم الله تعالى، وأما جميع ما علمه الخلق على اختلاف طبقاتهم فهو من العلم الظاهر لأنه ظهر للخلق فاعلم ذلك. انتهى.
والحق أن إطلاق العلم الباطن اصطلاحا على ما وقفوا عليه صحيح ولا مشاحة في الاصطلاح، ووجهه أنه غير ظاهر على أكثر الناس ويتوقف حصوله على القوة القدسية دون المقدمات الفكرية وإن كان كل علم يتصف بكونه باطنا وكونه ظاهرا بالنسبة للجاهل به والعالم به، وهذا كإطلاق العلم الغريب على علم الأوفاق والطلسمات والجفر وذلك لقلة وجوده والعارفين به فاعرف ذلك. وزعم بعضهم أن أحكام العلم الباطن وعلم الحقيقة مخالفة لأحكام الظاهر وعلم الشريعة؛ وهو زعم باطل عاطل وخيال فاسد كاسد، وسيأتي إن شاء الله تعالى نقل نصوص القوم فيما يرده وأنه لا مستند لهم في قصة موسى والخضر عليهما السلام.
[ ص: 331 ] وقرأ أبو زيد عن «لدنا» بتخفيف النون وهي إحدى اللغات في لدن
أبي عمرو: