فالعامل فيه هو العامل فيه ، وفيه الفصل الكثير وفوات ارتباط يتبعون بما قبله . وعليه فقوله تعالى : ويسألونك إلخ استطراد معترض وما بعده استئناف وضمير (يتبعون) للناس . والمراد بالداعي داعي الله عز وجل إلى المحشر وهو إسرافيل عليه السلام يضع الصور في فيه ويدعو الناس عند النفخة الثانية قائما على صخرة بيت المقدس ويقول : أيتها العظام البالية والجلود المتمزقة واللحوم المتفرقة هلموا إلى العرض إلى الرحمن فيقبلون من كل صوب إلى صوته .
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : يحشر الله تعالى الناس يوم القيامة في ظلمة، تطوى السماء وتتناثر النجوم ويذهب الشمس والقمر وينادي مناد فيتبع الناس الصوت يؤمونه فذلك قوله تعالى : يومئذ يتبعون الداعي إلخ ، وقال علي بن عيسى : (الداعي) هنا الرسول الذي كان يدعوهم إلى الله عز وجل والأول أصح .
لا عوج له أي للداعي على معنى لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه ، وهذا كما يقال : لا عصيان له أي لا يعصى ولا ظلم له أي لا يظلم ، وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت كما هو بالفاعل ، وقيل : أي لا عوج لدعائه فلا يعصى ولا ظلم له أي لا يظلم ، وأصله أن اختصاص الفعل بمتعلقه ثابت كما هو بالفاعل ، وقيل : أي لا عوج لدعائه فلا يميل إلى ناس دون ناس بل يسمع جميعهم وحكي ذلك عن أبي مسلم .
وقيل : هو على القلب أي لا عوج لهم عنه بل يأتون مقبلين إليه متبعين لصوته من غير انحراف، وحكي ذلك عن الجبائي وليس بشيء ، والجملة في موضع الحال من الداعي أو مستأنفة كما قال ابن عطية : يحتمل أن يكون المعنى لا شك فيه ولا يخالف وجوده خبره وخشعت الأصوات للرحمن أي خفيت لمهابته تعالى وشدة هول المطلع ، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : سكنت والخشوع مجاز في ذلك ، وقيل : لا مجاز والكلام على حذف مضاف أي أصحاب الأصوات وليس بذاك فلا تسمع خطاب لكل من يصح منه السمع إلا همسا أي صوتا خفيا خافتا كما قال أبو عبيدة ، وعن مجاهد هو الكلام الخفي ، ويؤيده قراءة أبي ( فلا ينطقون إلا همسا ) وعن ابن عباس هو تحريك الشفاه بغير نطق ، واستبعد بأن ذلك مما يرى لا مما يسمع ، وفي رواية أخرى عنه أنه خفق الأقدام وروي ذلك عن عكرمة وابن جبير والحسن ، واختاره الفراء والزجاج .
ومنه قول الشاعر :
وهن يمشين بنا هميسا
.وذكر أنه يقال للأسد الهموس لخفاء وطئه فالمعنى سكنت أصواتهم وانقطعت كلماتهم فلم يسمع منهم إلا خفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر


