وقوله سبحانه : لقد أنزلنا إليكم كتابا كلام مستأنف مسوق لتحقيق حقية القرآن العظيم الذي ذكر في صدر السورة الكريمة إعراض الناس عما يأتيهم من آياته واستهزاءهم به واضطرابهم في أمره وبيان علو مرتبته إثر تحقيق رسالته صلى الله عليه وسلم ببيان أنه كسائر الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام قد صدر بالتوكيد القسمي إظهارا لمزيد الاعتناء بمضمونه وإيذانا بكون المخاطبين في أقصى مراتب النكير والخطاب لقريش .
وجوز أن يكون لجميع العرب وتنوين كتابا للتعظيم والتفخيم أي كتابا عظيم الشأن نير البرهان ، وقوله عز وجل : فيه ذكركم صفة له مؤكدة لما أفاده التنكير التفخيمي من كونه جليل القدر بأنه جميل الآثار مستجلب لهم منافع جليلة والمراد بالذكر كما أخرج في شعب الإيمان البيهقي وغيرهما عن وابن المنذر الصيت والشرف مجاز أي فيه ما يوجب الشرف لكم لأنه بلسانكم ومنزل على نبي منكم تتشرفون بشرفه [ ص: 15 ] وتشتهرون بشهرته لأنكم حملته والمرجع في حل معاقده وجعل ذلك فيه مبالغة في سببيته له ، وعن ابن عباس أنه مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال أي فيه ما يحصل به الذكر أي الثناء الحسن وحسن الأحدوثة من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال إطلاقا لاسم المسبب على السبب فهو مجاز عن ذلك أيضا . سفيان
وأخرج غير واحد عن أن المراد فيه ما تحتاجون إليه في أمور دينكم ، وزاد بعض ودنياكم ، وقيل الذكر بمعنى التذكير مضاف للمفعول ، والمعنى فيه موعظتكم ، ورجح ذلك بأنه الأنسب بسباق النظم الكريم وسياقه فإن قوله تعالى : الحسن أفلا تعقلون إنكار توبيخي فيه بعث لهم على التدبر في أمر الكتاب والتدبر فيما في تضاعيفه من فنون المواعظ والزواجر التي من جملتها القوارع السابقة واللاحقة .
وقال صاحب التحرير : الذي يقتضيه سياق الآيات أن المعنى فيه ذكر قبائحكم ومثالبكم وما عاملتم به أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام من التكذيب والعناد . وقوله تعالى : أفلا تعقلون إنكار عليهم في عدم تفكرهم مؤد إلى التنبه عن سنة الغفلة انتهى ، وفيه بعد ، والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي ألا تتفكرون فلا تعقلون أن الأمر كذلك أو لا تعقلون شيئا من الأشياء التي من جملتها ما ذكر ،