ثم لما علم إصرارهم قيل : وتقطعوا إلخ ، وحاصل المعنى الملة واحدة والرب واحد والأنبياء عليهم السلام متفقون عليها وهؤلاء البعداء جعلوا أمر الدين الواحد فيما بينهم قطعا كما يتوزع الجماعة الشيء الواحد انتهى ، والأظهر العموم ، وأمر النظم عليه يؤخذ من كلام الطيبي بأدنى التفات وقرأ ( أمتكم ) بالنصب على أنه بدل من ( هذه ) أو عطف بيان [ ص: 90 ] عليه و (أمة واحدة ) بالرفع على أنه خبر إن . وقرأ هو أيضا الحسن وابن إسحاق والأشهب العقيلي وأبو حيوة وابن أبي عبلة والجعفي وهارون عن . أبي عمرو برفعهما على أنهما خبر إن ، وقيل : الأول خبر والثاني بدل منه بدل نكرة من معرفة أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هي أمة واحدة والزعفراني وأنا ربكم أي أنا إلهكم إله واحد فاعبدون خاصة ، وتفسير الرب بالإله لأنه رتب عليه الأمر بالعبادة ، والدلالة على الوحدة من حدة الملة ، وفي لفظ الرب إشعار بذلك من حيث إن الرب إن توهم جواز تعدده في نفسه لا يمكن أن يكون لكل مربوب إلا رب واحد لأنه مفيض الوجود وكمالاته معا ، وفي العدول إلى لفظ الرب ترجيح جانب الرحمة وأنه تعالى يدعوهم إلى عبادته بلسان الترغيب والبسط قاله في الكشف .
وتقطعوا أمرهم بينهم أي جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا على أن تقطع مضمن معنى الجعل فلذا تعدى إلى أمرهم بنفسه ، وقال : تقطعوا أمرهم أي في أمرهم أي تفرقوا ، وقيل : أبو البقاء عدي بنفسه لأنه بمعنى قطعوا أي فرقوا ، وقيل . أمرهم تمييز محول عن الفاعل أي تقطع أمرهم انتهى ، وما ذكر أولا أظهر وأمر التمييز لا يخفى على ذي تمييز ، ثم أصل الكلام وتقطعتم أمركم بينهم على الخطاب فالتفت إلى الغيبة لينعى عليهم ما فعلوا من التفرق في الدين وجعله قطعا موزعة وينهي ذلك إلى الآخرين كأنه قيل ألا ترون إلى عظم ما ارتكب هؤلاء في دين الله تعالى الذي أجمعت عليه كافة الأنبياء عليهم السلام وفي ذلك ذم للاختلاف في الأصول .
كل أي كل واحدة من الفرق المتقطعة أو كل واحد من آحاد كل واحدة من تلك الفرق إلينا راجعون بالبعث لا إلى غيرنا فنجازيهم حينئذ بحسب أعمالهم ، ولا يخفى ما في الجملة من الدلالة على الثبوت والتحقق .