قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ذهب جماعة إلى أن في الآية حصرين بناء على أن أنما المفتوحة تفيد ذلك كالمكسورة ، والأول لقصر الصفة على الموصوف والثاني لقصر الموصوف على الصفة فالثاني قصر فيه الله تعالى على الوحدانية والأول قصر فيه الوحي على الوحدانية ، والمعنى ما يوحى ( إلي ) إلا اختصاص الله تعالى بالوحدانية . واعترض بأنه كيف يقصر الوحي على الوحدانية وقد أوحي إليه صلى الله عليه وسلم أمور كثيرة غير ذلك كالتكاليف والقصص ، وأجيب بوجهين : الأول أن معنى قصره عليه أنه الأصل الأصيل وما عداه راجع إليه أو غير منظور إليه في جنبه فهو قصر ادعائي ، والثاني أنه قصر قلب بالنسبة إلى الشرك الصادر من الكفار ، وكذا الكلام في القصر الثاني .
وأنكر إفادة أنما المفتوحة الحصر لأنها مؤولة بمصدر واسم مفرد وليست كالمكسورة المؤولة بما وإلا وقال : لا نعلم خلافا في عدم إفادتها ذلك والخلاف إنما هو في إفادة إنما المكسورة إياه . أبو حيان
وأنت تعلم أن وأكثر المفسرين ذهبوا إلى إفادتها ذلك ، والحق مع الجماعة ويؤيده هنا أنها بمعنى المكسورة لوقوعها بعد الوحي الذي هو في معنى القول ولأنها مقولة ( قل ) في الحقيقة ولا شك في إفادتها التأكيد فإذا اقتضى المقام القصر كما فيما نحن فيه انضم إلى التأكيد لكنه ليس بالوضع كما في المكسورة فقد جاء ما لا يحتمله كقوله تعالى : الزمخشري وظن داود أنما فتناه [ص : 24] ولذا فسره بقوله ابتليناه لا محالة مع تصريحه بالحصر هنا ، نعم في توجيه القصر هنا بما سمعت من كونه قصر الله تعالى على الوحدانية ما سمعته في آخر سورة الكهف فتذكر . الزمخشري
وجوز في (ما ) في إنما يوحى أن تكون موصولة وهو خلاف الظاهر . وتجويزه فيما بعد بعيد جدا موجب لتكلف لا يخفى فهل أنتم مسلمون أي منقادون لما يوحى إلي من التوحيد ، وهو استفهام يتضمن الأمر بالانقياد ، وبعضهم فسر الإسلام بلازمه وهو إخلاص العبادة له تعالى وما أشرنا إليه أولى .
[ ص: 107 ] والفاء للدلالة على أن ما قبلها موجب لما بعدها قالوا : فيه دلالة على أن صفة الوحدانية يصح أن يكون طريقها السمع بخلاف إثبات الواجب فإن طريقه العقل لئلا يلزم الدور .
قال في شرح المقاصد : إن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصدقهم لا يتوقف على الوحدانية فيجوز التمسك بالأدلة السمعية كإجماع الأنبياء عليهم السلام على الدعوة إلى التوحيد ونفي الشريك وكالنصوص القطعية من كتاب الله تعالى على ذلك ، وما قيل إن التعدد يستلزم الإمكان لما عرفت من أدلة التوحيد وما لم تعرف أن الله تعالى واجب الوجود خارج عن جميع الممكنات لم يتأت إثبات البعثة والرسالة ليس بشيء لأن غاية استلزام الوجوب الوحدة لا استلزام معرفته معرفتها فضلا عن التوقف ، وسبب الغلط عدم التفرقة بين ثبوت الشيء والعلم بثبوته انتهى .
وتفريع الاستفهام هنا صريح في ثبوت الوحدانية بما ذكر ، وقول صاحب الكشف : إن الآية لا تصلح دليلا لذلك لأنه إنما يوحى إليه صلى الله عليه وسلم ذلك مبرهنا لا على قانون الخطابة فلعل نزولها كان مصحوبا بالبرهان العقلي ليس بشيء لظهور أن التفريع على نفس هذا الموحى ، وكون نزوله مصحوبا بالبرهان العقلي والتفريع باعتباره غير ظاهر