ذلك أي الأمر ذلك أو امتثلوا ذلك ومن يعظم شعائر الله أي البدن الهدايا كما روي عن ابن عباس وجماعة وهي جمع شعيرة أو شعارة بمعنى العلامة كالشعار ، وأطلقت على البدن الهدايا لأنها من معالم الحج أو علامات طاعته تعالى وهدايته . ومجاهد
وقال : لأنها تشعر أي تعلم بأن تدمى بشعيرة أي حديدة يشعر بها ، ووجه الإضافة على الأوجه الثلاثة لا يخفى ، وتعظيمها أن تختار حسانا سمانا غالية الأثمان ، روي أنه صلى الله عليه وسلم الراغب لأبي جهل في أنفه برة من ذهب ، أهدى مائة بدنة فيها جمل أنه أهدى نجيبة طلبت منه بثلاثمائة دينار وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعها ويشتري بثمنها بدنا فنهاه عن ذلك وقال : بل اهدها عمر ، وكان وعن رضي الله تعالى عنهما يسوق البدن مجللة بالقباطي فيتصدق بلحومها وبجلالها ، وقال ابن عمر : الشعائر ست زيد بن أسلم الصفا والمروة والبدن والجمار والمسجد الحرام وعرفة والركن ، وتعظيمها إتمام ما يفعل بها ، وقال ابن عمر والحسن ومالك : الشعائر مواضع الحج كلها من وابن زيد منى وعرفة والمزدلفة والصفا والمروة والبيت وغير ذلك وهو نحو قول زيد .
وقيل : هي شرائع دينه تعالى وتعظيمها التزامها ، والجمهور على الأول وهو أوفق لما بعد ، ( ومن ) إما شرطية أو موصولة وعلى التقديرين لا بد في قوله تعالى : فإنها من تقوى القلوب من ضمير يعود إليها أو ما يقوم مقامه فقيل إن التقدير فإن تعظيمها إلخ ، والتعظيم مصدر مضاف إلى مفعوله ولا بد له من فاعل وهو ليس إلا ضميرا يعود إلى ( من ) فكأنه قيل فإن تعظيمه إياها ، ( ومن ) تحتمل أن تكون للتعليل أي فإن تعظيمها لأجل تقوى القلوب وأن تكون لابتداء الغاية أي فإن تعظيمها ناشئ من تقوى القلوب ، وتقدير هذا المضاف واجب على ما قيل من حيث إن الشعائر نفسها لا يصح الإخبار عنها بأنها من التقوى بأي معنى كانت ( من) . وقال : التقدير فإن تعظيمها من أفعال ذي تقوى القلوب فحذفت هذه المضافات ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها لأنه لا بد [ ص: 151 ] من راجع من الجزاء إلى ( من ) ليرتبط به اهـ . الزمخشري
وتعقبه بأن ما قدره عار من راجع إلى ( من ) ولذا لما سلك جمع مسلكه في تقدير المضافات قبل التقدير فإن تعظيمها منه من أفعال إلخ أو فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب منهم فجاؤوا بضمير مجرور عائد إلى ( من ) في آخر الكلام أو في أثنائه ، وبعض من سلك ذلك لم يقدر منه ولا منهم لكن التزم جعل اللام في ( القلوب ) بدلا من الضمير المضاف إليه على رأي الكوفيين للربط أي تقوى قلوبهم . والدماميني جعل الرابط في تقدير أبو حيان فاعل المصدر المحذوف لفهم المعنى فلا يكون ما قدره عاريا عن الراجع إلى ( من ) كما زعمه الزمخشري فإن المحذوف المفهوم بمنزلة المذكور . أبو حيان
وقال صاحب الكشف : في الانتصار له أيضا أراد أنه على ما قدره يكون عموم ذوي تقوى القلوب بمنزلة الضمير فتقدير منه كما فعل ليس بالوجه . واعترض صاحب التقريب تقدير المضافين الأخيرين أعني أفعال وذوي بأنه إنما يحتاج إليه إذا جعل (من ) للتبعيض وأما إذا جعل للابتداء فلا إذ المعنى حينئذ فإن تعظيمها ناشئ من تقوى القلوب وهو قول بأحد الوجهين اللذين سمعتهما أولا ، ولم يرتض ذلك صاحب الكشف قال : إن إضمار الأفعال لأن المعنى أن التعظيم باب من التقوى ومن أعظم أبوابها لا أن التعظيم صادر من ذوي تقوى . ومنه يظهر أن الحمل على أن التعظيم ناشئ من تقوى القلوب والاعتراض بأن قول البيضاوي : إنما يستقيم إذا حمل على التبعيض ليس على ما ينبغي على أنه حينئذ إن قدر من تقوى قلوبهم على المذهب الكوفي أو من تقوى القلوب منهم اتسع الخرق على الراقع ، ثم التقوى إن جعلت متناولة للأفعال والتروك على العرف الشرعي فالتعظيم بعض البتة وإن جعلت خاصة بالتروك فمنشأ التعظيم منها غير لائح إلا على التجوز انتهى . واعترض بأن دعواه أن المعنى على أن التعظيم باب من التقوى دون أن التعظيم صادر من ذي تقوى دعوى بلا شاهد . وبأنه لا تظهر الدلالة على أنه من أعظم أبواب التقوى كما ذكره ، وبأن القول بعدم الاحتياج إلى الإضمار على تقدير أن يكون التعظيم بعضا من التقوى صلح لا يرضى به الخصم . وبأنه إذا صح الكلام على التجوز لا يستقيم قول الزمخشري : لا يستقيم إلخ . الزمخشري
وتعقب بأنه غير وارد ، أما الأول فلأن السياق للتحريض على تعظيم الشعائر وهو يقتضي عده من التقوى بل من أعظمها وكونه ناشئا منها لا يقتضي كونه منها بل ربما يشعر بخلافه ، وأما الثاني فلأن الدلالة على الأعظمية مفهومة من السياق كما إذا قلت : هذا من أفعال المتقين والعفو من شيم الكرام والظلم من شيم النفوس كما يشهد به الذوق ، وأما الثالث فلأنه لم يدع عدم الاحتياج إلى الإضمار على تقدير كون التعظيم بعضا بل يقول الرابط العموم كما قال أولا ، وأما الرابع فلأن صحة الكلام بدون تقدير على التجوز لكونه خفيا في قوة الخطأ إذ لا قرينة عليه والتبعيض متبادر منه فلا غبار إلا على نظر المعترض ، وأقول : لا يخفى أنه كلما كان التقدير أقل كان أولى فيكون قول من قال : التقدير فإن تعظيمها من تقوى القلوب أولى من قول من قال : التقدير فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب . ومن في ذلك للتبعيض ، وما يقتضيه السياق من تعظيم أمر هذا التعظيم يفهم من جعله بعض تقوى القلوب بناء على أن تقييد التقوى بالقلوب للإشارة إلى أن التقوى قسمان : تقوى القلوب والمراد بها التقوى الحقيقية الصادقة التي يتصف بها المؤمن الصادق ، وتقوى الأعضاء والمراد بها التقوى الصورية الكاذبة التي يتصف بها المنافق الذي كثيرا [ ص: 152 ] ما تخشع أعضاؤه وقلبه ساه لاه . والتركيب أشبه التراكيب بقولهم : العفو من شيم الكرام فمتى فهم منه كون العفو من أعظم أبواب الشيم فليفهم من ذلك كون التعظيم من أعظم أبواب التقوى والفرق تحكم . ولعل كون الإضافة لهذه الإشارة أولى من كونها لأن القلوب منشأ التقوى والفجور والآمرة بهما فتدبر .
ومن الناس من لم يوجب تقدير التعظيم وأرجع ضمير ( فإنها ) إلى الحرمة أو الخصلة كما قيل نحو ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : أو إلى مصدر مؤنث مفهوم من ( يعظم ) أي التعظيمة . «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت »
واعترض هذا بأن المصدر الذي تضمنه الفعل لا يؤنث إلا إذا اشتهر تأنيثه كرحمة وهذا ليس كذلك ونظر فيه .
نعم إن اعتبار ذلك مما لا يستلذه الذوق السليم ، ومنه يعلم حال اعتبار التعظيمات بصيغة الجمع ، على أنه قيل عليه : إنه يوهم أن التعظيمة الواحدة ليست من التقوى ، ولا يدفعه أنه لا اعتبار بالمفهوم أو أن ذلك من مقابلة الجمع بالجمع كما لا يخفى .
وإذا اعتبر المذهب الكوفي في لام ( القلوب ) لم يحتج في الآية إلى إضمار شيء أصلا . وذهب بعض أهل الكمال إلى أن الجزاء محذوف تقديره فهم متقون حقا لدلالة التعليل القائم مقامه عليه . وتعقب بأن الحذف خلاف الأصل وما ذكر صالح للجزائية باعتبار الإعلام والإخبار كما عرف في أمثاله ، وأنت تعلم أن هذا التقدير ينساق إلى الذهن ومثله كثير في الكتاب الجليل . وقرئ «القلوب » بالرفع على أنه فاعل بالمصدر الذي هو ( تقوى) ، واستدل الشيعة ومن يحذو حذوهم بالآية على مشروعية تعظيم قبور الأئمة وسائر الصالحين بإيقاد السرج عليها وتعليق مصنوعات الذهب والفضة ونحو ذلك مما فاقوا به عبدة الأصنام ولا يخفى ما فيه