فقوله تعالى: الذين هم في صلاتهم خاشعون وما عطف عليه صفات مخصصة لهم، وإما الآتون بفروعه أيضا كما ينبئ عنه إضافة الصلاة إليهم فهي صفات موضحة أو مادحة لهم، وفي بعض الآثار ما يؤيد كونها مخصصة وجعل الإضافة للإشارة إلى أنهم هم المنتفعون بالصلاة دون المصلى له عز وجل، والخشوع التذلل مع خوف وسكون للجوارح، ولذا قال الزمخشري فيما رواه عنه ابن عباس وغيره خاشعون خائفون ساكنون وعن ابن جرير أنه غض البصر وخفض الجناح، وقال مجاهد مسلم بن يسار : تنكيس الرأس، وقتادة
وعن كرم الله تعالى وجهه ترك الالتفات علي
، وقال : وضع اليمين على الشمال. الضحاك
وعن إعظام المقام وإخلاص المقال واليقين التام وجمع الاهتمام، ويتبع ذلك ترك الالتفات وهو من الشيطان أبي الدرداء
فقد روى البخاري وأبو داود عن والنسائي رضي الله تعالى عنها قالت: عائشة فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» . الالتفات في الصلاة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
وأخرج عن ابن أبي شيبة أنه قال في مرضه: أبي هريرة أقعدوني أقعدوني فإن عندي وديعة أودعنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يلتفت أحدكم في صلاته فإن كان لا بد فاعلا ففي غير ما افترض الله تعالى عليه» .
وترك وإنكار منافاته للخشوع مكابرة، وقد أخرج العبث بثيابه أو شيء من جسده، في نوادر الأصول لكن بسند ضعيف الحكيم الترمذي
عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي هريرة أنه رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته فقال: «لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه»
، وترك وإن كان المصلي أعمى وقد جاء النهي عنه، رفع البصر إلى السماء
فقد أخرج مسلم وأبو داود عن وابن ماجة جابر بن سمرة قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم»
وكان قبل نزول الآية غير منهي عنه،
فقد أخرج وصححه الحاكم وابن مردويه في سننه عن والبيهقي محمد بن سيرين عن أبي هريرة الذين هم في صلاتهم خاشعون فطأطأ رأسه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزلت
، وترك الاختصار وهو وضع اليد على الخاصرة وقد ذكروا أنه مكروه،
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أصل النار» الاختصار في الصلاة «
أي إن ذلك فعل اليهود في صلاتهم استراحة وهم أهل النار لا أن فيها راحة كيف وقد قال تعالى: لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون [الزخرف: 75] ومن أفعالهم أيضا فيها وقد جاء النهي عنه. التميل
أخرج من طريق الحكيم الترمذي القاسم بن محمد عن عن أسماء بنت أبي بكر أم رومان والدة رضي الله تعالى عنها قالت: عائشة رآني رضي الله تعالى عنه أتميل في صلاتي فزجرني زجرة كدت أنصرف [ ص: 4 ] عن صلاتي ثم قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا قام أحدكم في الصلاة فليسكن أطرافه لا يتميل تميل اليهود فإن سكون الأطراف في الصلاة من تمام الصلاة» أبو بكر
وقال في الكشاف: من الخشوع أن يستعمل الآداب وذكر من ذلك توقي كف الثوب والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم والسدل والفرقعة والتشبيك وتقلب الحصى، وفي البحر نقلا عن التحرير أنه اختلف في على قولين والصحيح الأول ومحله القلب اهـ، والصحيح عندنا خلافه، نعم الحق أنه شرط القبول لا الإجزاء. الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها
وفي المنهاج وشرحه لابن حجر ويسن بقلبه بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه وإن تعلق بالآخرة وبجوارحه بأن لا يعبث بأحدها، وظاهر أن هذا مراد الخشوع في كل صلاته النووي من الخشوع لأنه سيذكر الأول بقوله: ويسن دخول الصلاة بنشاط وفراغ قلب إلا أن يجعل ذلك سببا له ولذا خصه بحالة الدخول.
وفي الآية المراد كل منهما كما هو ظاهر أيضا، وكان سنة لثناء الله تعالى في كتابه العزيز على فاعليه ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ولأن لنا وجها اختاره جمع أنه شرط للصحة لكن في البعض فيكره الاسترسال مع حديث النفس والعبث كتسوية ردائه أو عمامته لغير ضرورة من تحصيل سنة أو دفع مضرة، وقيل يحرم اهـ، وللإمام في هذا المقام كلام طويل من أراده فليرجع إليه.
وتقديم الظرف قيل لرعاية الفواصل، وقيل ليقرب ذكر الصلاة من ذكر الإيمان فإنهما أخوان وقد جاء إطلاق
الإيمان عليها في قوله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم [البقرة: 143] وقيل للحصر على معنى الذين هم في جميع صلاتهم دون بعضها خاشعون، وفي تقديم وصفهم بالخشوع في الصلاة على سائر ما يذكر بعد ما لا يخفى من التنويه بشأن الخشوع، وجاء أن الخشوع أول ما يرفع من الناس، ففي خبر رواه وصححه أن الحاكم قال: يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلا خاشعا. عبادة بن الصامت
وأخرج ابن أبي شيبة في الزهد وأحمد وصححه عن والحاكم قال: «أول ما تفقدون من دينكم الخشوع وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة وتنتقض عرى الإسلام عروة عروة » الخبر
حذيفة