قال الله سبحانه إقناطا لهم أشد إقناط اخسئوا فيها أي ذلوا وانزجروا انزجار الكلاب إذا زجرت من خسأت الكلب إذا زجرته فخسأ أي انزجر أو اسكتوا سكوت هوان ففيه استعارة مكنية قرينتها تصريحية ولا تكلمون باستدعاء الإخراج من النار والرجع إلى الدنيا، وقيل: لا تكلمون في رفع العذاب، ولعل الأول أوفق بما قبله وبالتعليل الآتي، وقيل: لا تكلمون أبدا وهو آخر كلام يتكلمون به.
أخرج في صفة النار عن ابن أبي الدنيا «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حذيفة إن الله تعالى إذا قال لأهل النار اخسؤوا فيها ولا تكلمون عادت وجوههم قطعة لحم ليس فيها أفواه ولا مناخر يتردد النفس في أجوافهم»
وأخرج الطبراني في البعث والبيهقي في زوائد الزهد وعبد الله بن أحمد وصححه وجماعة عن والحاكم قال: إن أهل جهنم ينادون عبد الله بن عمرو بن العاص مالكا ( ليقض علينا ربك ) فيذرهم أربعين عاما لا يجيبهم ثم يجيبهم (إنكم ماكثون ) ثم ينادون ربهم (ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون) فيذرهم مثلي الدنيا لا يجيبهم ثم يجيبهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون قال: فما يبس القوم بعدها بكلمة وما هو إلا الزفير والشهيق.
وأخرج سعيد بن منصور وغيرهما عن وابن المنذر قال: لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله تعالى في أربعة فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبدا يقولون: محمد بن كعب ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل [غافر: 11] فيجيبهم الله تعالى ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير [غافر: 12] ثم يقولون: ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون [السجدة: 12] فيجيبهم الله تعالى: فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون [السجدة: 14] ثم يقولون ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل [إبراهيم: 44] فيجيبهم الله تعالى: أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال [إبراهيم: 44] ثم يقولون: ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل [فاطر: 37] فيجيبهم الله تعالى: أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير [فاطر: 37] ثم يقولون: ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون فيجيبهم الله تعالى: اخسئوا فيها ولا تكلمون فلا يتكلمون بعدها أبدا، وفي بعض الآثار أنهم يلهجون بكل دعاء ألف سنة، ويشكل على هذه الأخبار ظواهر الخطابات الآتية كما لا يخفى ولعلها لا يصح منها شيء وتصحيح محكوم عليه بعدم الاعتبار والله تعالى أعلم. الحاكم