[ ص: 73 ] ومن باب الإشارة في الآيات قيل: قد أفلح المؤمنون أي وصلوا إلى المحل الأعلى والقربة والسعادة الذين هم في صلاتهم خاشعون ظاهرا وباطنا، والخشوع في الظاهر انتكاس الرأس والنظر إلى موضع السجود وإلى ما بين يديه وترك الالتفات والطمأنينة في الأركان ونحو ذلك، والخشوع في الباطن سكون النفس عن الخواطر والهواجس الدنيوية بالكلية أو ترك الاسترسال معها وحضور القلب لمعاني القراءة والأذكار ومراقبة السر بترك الالتفات إلى المكونات واستغراق الروح في بحر المحبة، عند بعض الخواص نقل والخشوع شرط لصحة الصلاة عن الغزالي أبي طالب المكي عن بشر الحافي من لم يخشع فسدت صلاته وهو قول لبعض الفقهاء وتفصيله في كتبهم، ولا خلاف في أنه لا ثواب في وما أقبح مصل يقول قول أو فعل من أقوال أو أفعال الصلاة أدى مع الغفلة الحمد لله رب العالمين [الفاتحة: 2] وهو غافل عن الرب جل شأنه متوجه بشراشره إلى الدرهم والدينار ثم يقول: إياك نعبد وإياك نستعين [الفاتحة: 5] وليس في قلبه وفكره غيرهما ونحو هذا كثير، ومن هنا قال كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع. الحسن:
وقد ذكروا أن الصلاة معراج المؤمن افترى مثل صلاة هذا تصلح لذلك حاش لله تعالى من زعم ذلك فقد افترى والذين هم عن اللغو معرضون قال بعضهم: اللغو كل ما يشغل عن الحق عز وجل.
وقال أبو عثمان : كل شيء فيه للنفس حظ فهو لغو، وقال أبو بكر بن طاهر: كل ما سوى الله تعالى فهو لغو والذين هم للزكاة فاعلون هي تزكية النفس عن الأخلاق الذميمة والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين إشارة إلى استيلائهم على القوة الشهوية فلا يتجاوزون فيها ما حد لهم، وقيل: الإشارة فيه إلى حفظ الأسرار أي والذين هم ساترون لما يقبح كشفه من الأسرار عن الأغيار إلا على أقرانهم ومن ازدوج معهم أو على مريديهم الذين هم كالعبيد لهم والذين هم لأماناتهم .
قال محمد بن الفضل: سائر جوارحهم وعهدهم الميثاق الأزلي راعون فهم حسنو الأفعال والأقوال والاعتقادات والذين هم على صلاتهم يحافظون فيؤدونها بشرائطها ولا يفعلون فيها وبعدها ما يضيعها كالرياء والعجب ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين قيل المخلوق من ذلك هو الهيكل المحسوس وأما الروح فهي مخلوقة من نور إلهي يعز على العقول إدراك حقيقته، وفي قوله سبحانه: ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين إشارة إلى نفخ تلك الروح المخلوقة من ذلك النور وهي الحقيقة الآدمية المرادة في
قوله صلى الله عليه وسلم آدم على صورته» «خلق الله تعالى
أي على صفته سبحانه من كونه حيا عالما مريدا قادرا إلى غير ذلك من الصفات ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين إشارة إلى مراتب النفس التي بعضها فوق بعض وكل مرتبة سفلى منها تحجب العليا أو إشارة إلى حجب الحواس الخمس الظاهرة وحاستي الوهم والخيال، وقيل غير ذلك وأنزلنا من السماء قيل أي سماء العناية ماء أي ماء الرحمة بقدر أي بمقدار استعداد السالك فأسكناه في الأرض أي أرض وجوده فأنشأنا لكم به جنات من نخيل أي نخيل المعارف وأعناب أي أعناب الكشوف، وقيل النخيل إشارة إلى علوم الشريعة والأعناب إشارة إلى علوم الطريقة لكم فيها فواكه كثيرة هي ما كان منها زائدا على الواجب ومنها تأكلون إشارة إلى ما كان واجبا لا يتم قوام الشريعة والطريقة بدونه وشجرة تخرج من طور سيناء إشارة إلى النور الذي يشرق من طور القلب بواسطة ما حصل له من [ ص: 74 ] التجلي الإلهي تنبت بالدهن وصبغ للآكلين أي تنبت بالجامع لهذين الوصفين وهو الاستعداد، والآكلين إشارة إلى المتغذين بأطعمة المعارف ادفع بالتي هي أحسن السيئة فيه من ما فيه. الأمر بمكارم الأخلاق وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين فيه إشارة إلى أنه لا ينبغي وإرشاد إلى الاغترار بالأعمال نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته ويغفر لنا ما ارتكبناه من مخالفته ويتفضل علينا بأعظم مما نؤمله من رحمته كرامة لنبيه الكريم وحبيبه الذي هو بالمؤمنين رؤوف رحيم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم وشرف وعظم وكرم . التشبث برحمة الملك المتعال،