أخرجه وغيره عن البخاري عن عروة رضي الله تعالى عنها قالت: عائشة . فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك وقفل ودنونا من عائشة المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما
نأكل العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة فهلك في من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة وابنها أبي بكر الصديق مسطح بن أثاثة فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه أولم تسمعي ما قال؟ قالت: قلت وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا كثرن عليها قالت: فقلت سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقا لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله قالت: فأما فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال: يا رسول الله أهلك وما نعلم إلا خيرا وأما أسامة بن زيد فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل [ ص: 113 ] الجارية تصدقك قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب بريرة فقال: أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي ابن سلول قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت: فقام وهو سيد سعد بن عبادة الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان من الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت: فمكثت يومي ذلك لا يرقا لي دمع ولا أكتحل بنوم قالت: فأصبح أبواي عندي قد وبكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ولا يرقا لي دمع يظناني أن البكاء فالق كبدي قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل في ما قيل قبلها وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني قالت:
فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: أما بعد يا فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت لأمي: أجيبي رسول الله قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم: إني برية والله يعلم أني برية لا تصدقوني ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه برية لتصدقني والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي عائشة يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون [يوسف: 18] فاضطجعت على فراشي وأنا حينئذ أعلم أني برية وأن الله مبرئني ببراءتي ولكن ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها: يا أما الله فقد برأك فقالت أمي: قومي إليه فقلت: والله لا أقوم ولا أحمد إلا الله وأنزل الله عائشة إن الذين جاءوا بالإفك العشر الآيات كلها، «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله [ ص: 112 ] صلى الله عليه وسلم معه. قالت
والظاهر أن قوله تعالى: [ ص: 114 ] عصبة منكم خبر إن وإليه ذهب الحوفي ، وقال وأبو البقاء : هو بدل من ضمير «جاؤوا» والخبر جملة قوله تعالى: ابن عطية لا تحسبوه شرا لكم والتقدير إن فعل الذين وهذا أنسق في المعنى وأكثر فائدة من أن يكون عصبة الخبر انتهى، ولا يخفى أنه تكلف، والفائدة في الإخبار على الأول قيل: التسلية بأن الجائين بذلك الإفك فرقة متعصبة متعاونة وذلك من أمارات كونه إفكا لا أصل له، وقيل: الأولى أن تكون التسلية بأن ذلك مما لم يجمع عليه بل جاء به شرذمة منكم، وزعم أنه بوصف العصبة بكونها منهم أفاد الخبر، وفيه نظر. أبو البقاء
والخطاب في منكم على ما أميل إليه لمن ساءه ذلك من المؤمنين ويدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وأم رومان وعائشة وصفوان دخولا أوليا، وأصل العصبة الفرقة المتعصبة قلت أو كثرت وكثر إطلاقها على العشرة فما فوقها إلى الأربعين وعليه اقتصر في الصحاح، وتطلق على أقل من ذلك ففي مصحف عصبة أربعة. وقد صح أن حفصة رضي الله تعالى عنها عدت المنافق عائشة عبد الله بن أبي ابن سلول وحمنة بنت جحش أخت أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وزوجة زينب طلحة بن عبيد الله ومسطح بن أثاثة . وحسان بن ثابت ، ومن الناس من برأ وهو خلاف ما في صحيح حسان وغيره. البخاري
نعم الظاهر أنه رضي الله تعالى عنه لم يتكلم به عن صميم قلب وإنما نقله عن ابن أبي لعنه الله تعالى، وقد جاء أنه رضي الله تعالى عنه اعتذر عما نسب إليه في شأن رضي الله تعالى عنها فقال: عائشة
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل حليلة خير الناس دينا ومنصبا
نبي الهدى ذي المكرمات الفواضل عقيلة حي من لؤي بن غالب
كرام المساعي مجدهم غير زائل مهذبة قد طيب الله خيمها
وطهرها من كل سوء وباطل فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتمو
فلا رفعت سوطي إلي أناملي وكيف وودي ما حييت ونصرتي
لآل رسول الله زين المحافل له رتب عال على الناس كلهم
تقاصر عنه سورة المتطاول فإن الذي قد قيل ليس بلائط
ولكنه قول امرئ بي ماحل
وكانت رضي الله تعالى عنها تكرمه بعد ذلك وتذكره بخير وإن صح أنها قالت له حين أنشدها أول هذه الأبيات: لكنك لست كذلك، فقد أخرج عائشة عن ابن سعد محمد بن سيرين أن رضي الله تعالى عنها كانت تأذن عائشة لحسان وتدعو له بالوسادة وتقول: لا تؤذوا حسانا فإنه كان ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه.
وأخرج من طريق ابن جرير عنها أنها قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر الشعبي وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة قوله حسان لأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:
هجوت محمدا وأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
أتشتمه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
[ ص: 115 ] لساني صارم| لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء
وعد بعضهم مع الأربعة المذكورين زيد بن رفاعة ولم نر فيه نقلا صحيحا، وقيل إنه خطأ، ومعنى «منكم» من أهل ملتكم وممن ينتمي إلى الإسلام سواء كان كذلك في نفس الأمر أم لا فيشمل ابن أبي لأنه ممن ينتمي إلى الإسلام ظاهرا وإن كان كافرا في نفس الأمر: وقيل إن قوله تعالى: منكم خارج مخرج الأغلب وأغلب أولئك العصبة مؤمنون مخلصون، وكذا الخطاب في لا تحسبوه شرا لكم وقيل: الخطاب في الأول للمسلمين وفي هذا لسيد المخاطبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعائشة وصفوان رضي الله تعالى عنهم والكلام مسوق لتسليتهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن والطبراني أن الخطاب في الثاني سعيد بن جبير لعائشة وصفوان ، وأبعد عن الحق من زعم أنه للذين جاؤوا بالإفك وتكلف للخيرية ما تكلف، ولعل نسبته إلى لا تصح، والظاهر أن ضمير الغائب في الحسن لا تحسبوه عائد على الإفك.
وجوز أن يعود على القذف وعلى المصدر المفهوم من جاءوا وعلى ما نال المسلمين من الغم والكل كما ترى، وعلى ما ذهب إليه يعود على المحذوف المضاف إلى اسم إن الذي هو الاسم في الحقيقة ونهوا عن حسبان ذلك شرا لهم إراحة لبالهم بإزاحة ما يوجب استمرار بلبالهم، وأردف سبحانه النهي عن ذلك بالإضراب بقوله عز وجل: ابن عطية بل هو خير لكم اعتناء بأمر التسلية، والمراد بل هو خير عظيم لكم لنيلكم بالصبر عليه الثواب العظيم وظهور كرامتكم على الله عز وجل بإنزال ما فيه تعظيم شأنكم وتشديد الوعيد فيمن تكلم بما أحزنكم، والآيات
المنزلة في ذلك على ما سمعت آنفا عن رضي الله تعالى عنها عشر. عائشة
وأخرج عن ابن أبي حاتم أنه قال: نزلت ثماني عشرة آية متواليات بتكذيب من قذف سعيد بن جبير وبراءتها. وأخرج عائشة عن الطبراني الحكم بن عتيبة قال: إنه سبحانه أنزل فيها خمس عشرة آية من سورة النور ثم قرأ حتى بلغ الخبيثات للخبيثين [النور: 26] وكأن الخلاف مبني على الخلاف في رؤوس الآي، وفي كتاب العدد للداني ما يوافق المروي عن . ابن جبير
لكل امرئ منهم أي من الذين جاؤوا بالإفك ما اكتسب من الإثم أي جزاء ما اكتسب وذلك بقدر ما خاض فيه فإن بعضهم تكلم وبعضهم ضحك كالمعجب الراضي بما سمع وبعضهم أكثر وبعضهم أقل.
والذي تولى كبره بكسر الكاف. وقرأ الحسن والزهري وأبو رجاء ومجاهد والأعمش وأبو البرهسم وحميد وابن أبي عبلة وسفيان الثوري ويزيد بن قطيب ويعقوب والزعفراني وابن مقسم وعمرة بنت عبد الرحمن وسورة عن الكسائي ومحبوب عن «كبره» بضم الكاف وهو ومكسورها مصدران لكبر الشيء عظم ومعناهما واحد، وقيل: الكبر بالضم المعظم وبالكسر البداءة بالشيء، وقيل: الإثم، والجمهور على الأول أي والذي تحمل معظمه أبي عمرو منهم أي من الجائين به له عذاب عظيم في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط، وفي التعبير بالموصول وتكرير الإسناد وتنكير العذاب ووصفه بالعظم من تهويل الخطب ما لا يخفى، والمراد بالذي تولى كبره كما في صحيح عن البخاري عن الزهري عن عروة رضي الله تعالى عنها عائشة عبد الله بن أبي عليه اللعنة وعلى ذلك أكثر المحدثين.
[ ص: 116 ] وكان لعنه الله تعالى يجمع الناس عنده ويذكر لهم ما يذكر من الإفك وهو أول من اختلقه وأشاعه لإمعانه في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعذابه في الآخرة بعد جعله في الدرك الأسفل من النار لا يقدر قدره إلا الله عز وجل، وأما في الدنيا فوسمه بميسم الذل وإظهار نفاقه على رؤوس الأشهاد وحده حدين على ما أخرج الطبراني عن وابن مردويه رضي الله تعالى عنهما من ابن عمر فجمع الناس ثم تلا عليهم ما أنزل الله تعالى من البراءة أبا عبيدة بن الجراح وبعث إلى لعائشة عبد الله بن أبي فجيء به فضربه عليه الصلاة والسلام حدين وبعث إلى حسان ومسطح وحمنة فضربوا ضربا وجيعا ووجئوا في رقابهم، وقيل: حد حدا واحدا، فقد أخرج أنه صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلت الآيات خرج إلى المسجد فدعا عن الطبراني أنه فسر العذاب في الدنيا بجلد رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ثمانين جلدة وعذابه في الآخرة بمصيره إلى النار، وقيل: إنه لم يحد أصلا لأنه لم يقر ولم يلتزم إقامة البينة عليه تأخيرا لجزائه إلى يوم القيامة كما أنه لم يلتزم إقامة البينة على نفاقه وصدور ما يوجب قتله لذلك وفيه نظر. ابن عباس
وزعم بعضهم أنه لم يحد مسطح ، وآخرون أنه لم يحد أحدا ممن جاء بالإفك إذ لم يكن إقرار ولم يلتزم إقامة بينة. وفي البحر أن المشهور حد حسان ومسطح وحمنة، وقد أخرجه البزار بسند حسن عن وابن مردويه ، وقد جاء ذلك في أبيات ذكرها أبي هريرة ابن هشام في ملخص السيرة لابن إسحاق وهي:
لقد ذاق حسان الذي كان أهله وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح
تعاطوا برجم الغيب أمر نبيهم وسخطة ذي العرش الكريم فأنزحوا
وآذوا رسول الله فيها فجللوا مخازي بغي يمحوها وفضحوا
وصب عليهم محصدات كأنها شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح
وقيل: الذي تولى كبره واستدل بما في صحيح حسان أيضا عن البخاري قال: دخل مسروق على حسان فشبب وقال: حصان «البيت» قالت: لكنك لست كذلك قلت: تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله تعالى عائشة والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت: وأي عذاب أشد من العمى، وجاء في بعض الأخبار أنها قيل لها: أليس الله تعالى يقول: والذي تولى كبره الآية؟ فقالت: أليس أصابه عذاب عظيم أليس قد ذهب بصره وكسع بالسيف؟ تعني الضربة التي ضربها إياه صفوان حين بلغه عنه أنه يتكلم في ذلك، فإنه يروى أنه ضربه بالسيف على رأسه لذلك والأبيات عرض فيها به وبمن أسلم من العرب من مضر وأنشد:
تلق ذباب السيف مني فإنني غلام إذا هوجيت لست بشاعر
ولكنني أحمي حماي وأتقي من الباهت الرأي البريء الظواهر
وكاد يقتله بتلك الضربة.
فقد روى ابن إسحاق أنه لما ضربه وثب عليه ثابت بن قيس بن شماس فجمع يديه إلى عنقه بحبل ثم انطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج فلقيه فقال: ما هذا؟ قال: أما أعجبك ضرب عبد الله بن رواحة بالسيف والله ما أراه إلا قد قتله فقال له حسان عبد الله : هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وبما صنعت؟ قال: لا والله قال: لقد اجترأت أطلق الرجل فأطلقه فأتوا رسول الله عليه الصلاة والسلام فذكروا ذلك له فدعا حسان وصفوان فقال صفوان : يا رسول الله آذاني وهجاني فاحتملني الغضب فضربته فقال صلى الله عليه وسلم: يا أتشوهت على قومي بعد أن هداهم الله تعالى للإسلام [ ص: 117 ] ثم قال: أحسن يا حسان في الذي أصابك فقال: هي لك يا رسول الله فعوضه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بيرحاء وكان حسان أبو طلحة بن سهل أعطاها إياه عليه الصلاة والسلام ووهبه أيضا سيرين أمة قبطية فولدت له عبد الرحمن بن حسان .
وفي رواية في صحيح عن البخاري أيضا رضي الله تعالى عنها أنها قالت في ( الذي تولى كبره منهم ) هو أي المنافق عائشة ابن أبي وحمنة، وقيل: هو وحسان ومسطح ، وعذاب المنافق الطرد وظهور نفاقه وعذاب الأخيرين بذهاب البصر، ولا يأبى إرادة المتعدد إفراد الموصول لما في الكشف من أن الذي يكون جمعا وإفراد ضميره جائز باعتبار إرادة الجمع أو الفوج أو الفريق أو نظرا إلى أن صورته صورة المفرد، وقد جاء إفراده في قوله تعالى: والذي جاء بالصدق وصدق به [الزمر: 33] وجمعه في قوله سبحانه: وخضتم كالذي خاضوا [التوبة: 69] والمشهور جواز استعمال «الذي» جمعا مطلقا. واشترط ابن مالك في التسهيل أن يراد به الجنس لا جمع مخصوص فإن أريد الخصوص قصر على الضرورة هذا ولا يخفى أن إرادة الجمع هنا لا تخلو عن بعد، والذي اختاره إرادة الواحد وأن ذلك الواحد هو عدو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ابن أبي ، وقد روى ذلك عن الزهري سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن أبي وقاص وعبد الله بن عتبة وكلهم سمع تقول: ( الذي تولى كبره ) عائشة عبد الله بن أبي ، وقد تظافرت روايات كثيرة على ذلك، والذاهبون إليه من المفسرين أكثر من الذاهبين منهم إلى غيره. ومن الإفك الناشئ من النصب قول هشام بن عبد الملك عليه من الله تعالى ما يستحق حين سئل عن ( الذي تولى كبره ) فقال له: هو الزهري ابن أبي كذبت هو يعني به علي. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه. وقد روى ذلك عن هشام البخاري والطبراني وابن مردويه في الدلائل، ولا بدع من اموي الافتراء على والبيهقي كرم الله تعالى وجهه ورضي عنه. وأنت تعلم أن قصارى ما روي عن أمير المؤمنين علي الأمير رضي الله تعالى عنه
وفي رواية أنه قال: يا رسول الله قد قال الناس وقد حل لك طلاقها، وفي رواية أنه قال لأخيه وابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استشاره يا رسول الله لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك. وليس في ذلك شيء مما يصلح مستندا لذلك الأموي الناصبي، وجل غرض الأمير مما ذكر أن يسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو فيه من الغم غاية ما في الباب أنه لم يسلك في ذلك مسلك أنه رضي الله تعالى عنه ضرب بريرة وقال: اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة وهو أمر غير متعين، ومن دقق النظر عرف مغزى الأمير كرم الله تعالى وجهه وأنه بعيد عما يزعمه النواصب بعد ما بين المشرق والمغرب فليتدبر.