وأخرج عن ابن أبي حاتم أنه قال: إنما هي أربع مساجد لم يبنهن إلا نبي، ابن زيد الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وبيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما السلام ومسجد المدينة ومسجد قباء بناهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أن المراد بها الحسن بيت المقدس والجمع من حيث إن فيه مواضع يتميز بعضها عن بعض وهو خلاف الظاهر جدا.
وأخرج عن ابن مردويه وبريدة قال: أنس بن مالك «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه الآية في بيوت إلخ فقام إليه عليه الصلاة والسلام رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «بيوت الأنبياء عليهم السلام فقام إليه رضي الله تعالى فقال: يا رسول الله هذا البيت منها لبيت أبو بكر علي رضي الله تعالى عنهما قال: نعم من أفاضلها» وفاطمة
وهذا إن صح لا ينبغي العدول عنه.
وقال : الظاهر أنها مطلقة تصدق على المساجد والبيوت التي تقع فيها الصلاة والعلم، وجوز أن يراد بها صلاة المؤمنين أو أبدانهم بأن تشبه صلاتهم الجامعة للعبادات القولية والفعلية أو أبدانهم المحيطة بالأنوار بالبيوت المذكورة- أعني المساجد- ثم يستعار اسمها لذلك. وتعقب بأنه لا حسن فيما ذكر وأظنك لا تكتفي بهذا المقدار من الجرح، والمراد بالإذن الأمر وبالرفع التعظيم أي أمر سبحانه بتعظيم قدرها، وروي هذا عن أبو حيان الحسن ولا يخفى أنه إذا أريد بها والضحاك فتعظيم قدرها يكون بأشياء شتى كصيانتها عن [ ص: 175 ] دخول الجنب والحائض والنفساء ولو على وجه العبور وقد قالوا بتحريم ذلك وإدخال بحاسة فيها يخاف منها التلويث ولذا قالوا: المساجد ثم يدخل فيه احترازا عن تلويث المسجد، ومنع إدخال الميت فيها ومنع إدخال الصبيان والمجانين وهو حرام حيث غلب تنجيسهم وإلا فهو مكروه، وقد جاء الأمر بتجنيبهم عن المساجد مطلقا. ينبغي لمن أراد أن يدخل المسجد أن يتعاهد النعل والخف عن النجاسة
أخرج ابن ماجة عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع ومنع إنشاد الضالة وإنشاد الأشعار
، فقد أخرج الطبراني وابن السني وابن منده عن ثوبان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحديث «من رأيتموه ينشد شعرا في المسجد فقولوا فض الله تعالى فاك ثلاث مرات ومن رأيتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا: لا وجدتها ثلاث مرات»
. وينبغي أن يقيد المنع من إنشاد الشعر بما إذا كان فيه شيء مذموم كهجو المسلم وصفة الخمر وذكر النساء والمردان وغير ذلك مما هو مذموم شرعا، وأما إذا كان مشتملا على مدح النبوة والإسلام أو كان مشتملا على حكمة أو باعثا على مكارم الأخلاق والزهد ونحو ذلك من أنواع الخير فلا بأس بإنشاده فيها، ومنع إلقاء القملة فيه بعد قتلها وهو مكروه تنزيها على ما صرح به بعض المتأخرين، ويندب أن لا تلقى حية في المسجد،
فقد أخرج ابن أبي شيبة عن رجل من الأنصار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأحمد «إذا وجد أحدكم القملة في المسجد فليصرها في ثوبه حتى يخرجها»
ومنع البول فيها ولو في إناء وقد صرحوا بحرمة ذلك، وفي الأشباه وأما الفصد في المسجد في إناء فلم أره، وينبغي أن لا فرق أي لأن كلا من البول والدم نجس مغلظ، ومنع إلقاء البصاق فيها.
وفي البدائع يكره لأنه مستقذر طبعا فيجب تنزيه المسجد عنه كما يجب تنزيهه عن المخاط والبلغم، التوضي في المسجد
وأخرج عن ابن أبي شيبة الشعبي «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في قبلة المسجد نخامة فقام إليها فحكها بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم ثم دعا بخلوق فلطخ مكانها»
فقال : هو سنة، وذكروا أن إلقاء النخام فوق الحصير أخف من وضعها تحته فإن اضطر إليه دفنها، الشعبي
وفي حديث أخرجه عن ابن أبي شيبة مرفوعا أنس «التفل في المسجد خطيئة وكفارته أن يواريه»
وروى في الأوسط عن الطبراني مرفوعا أيضا نحوه، ومنع الوطء فيها وفوقها كالتخلي وصرحوا بحرمة ذلك، ومنع دخول من أكل ذا رائحة كريهة فيها كالثوم والبصل والكراث وأكل الفجل إذا تجشأ كذلك، وقد كان الرجل في زمان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجد منه ريح الثوم يؤخذ بيده ويخرج إلى البقيع، والظاهر أن الأبخر أو من به صنان مستحكم حكمه حكم آكل الثوم والبصل، وكذا حكم من رائحة ثيابه كريهة كثياب الزياتين والدباغين، وعن ابن عباس أن الزياتين يتأخرون ولا يتقدمون إلى الصف الأول ويقعدون في أخريات الناس، ومنع الثوم والأكل فيها لغير معتكف، ومنع الجلوس فيها للمصيبة أو للتحدث بكلام الدنيا، ومنع اتخاذها طريقا وهو مكروه أو حرام، وقد جاء النهي عن ذلك في حديث رواه ابن ماجة عن مالك رضي الله تعالى عنهما مرفوعا. ابن عمر
وأخرج عن ابن أبي شيبة أن اتخاذها طريقا من أشراط الساعة وفي القنية معتاد ذلك يأثم ويفسق، نعم إن كان هناك عذر لم يكره المرور، ومن تعظيمها رشها وقمها، فقد أخرج ابن مسعود عن ابن أبي شيبة زيد [ ص: 176 ] ابن أسلم قال: كان المسجد يرش ويقم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخرج عن يعقوب بن زيد وكذا تعليق القناديل فيها وفرشها بالآجر والحصير، وفي مفتاح السعادة ولأهل المسجد أن يفرشوا المسجد بالآجر والحصير ويعلقوا القناديل لكن من مال أنفسهم لا من مال المسجد إلا بأمر الحاكم ، ولعل محل ذلك ما لم يعين الواقف شيئا من ريع الوقف لذلك، وينبغي أن يكون إيقاد القناديل الكثيرة فيها في ليال معروفة من السنة كليلة السابع والعشرين من رمضان الموجب لاجتماع الصبيان وأهل البطالة ولعبهم ورفع أصواتهم وامتهانهم بالمساجد بدعة منكرة، وكذا ينبغي أن يكون فرشها بالقطائف المنقوشة التي تشوش على المصلين وتذهب خشوعهم كذلك، ومن التعظيم أيضا تقديم الرجل اليمنى عند دخولها واليسرى عند الخروج منها، وصلاة الداخل ركعتين قبل الجلوس إذا كان دخوله لغير الصلاة على ما ذكره بعضهم، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يتبع غبار المسجد بجريدة
وأخرج عن ابن أبي شيبة أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطوا المساجد حقها: قيل وما حقها؟ قال: ركعتان قبل أن تجلس»
ومن ذلك أيضا بناؤها رفيعة عالية لا كسائر البيوت لكن لا ينبغي تزيينها بما يشوش على المصلين، وفي حديث أخرجه ابن ماجة عن والطبراني جبير بن مطعم مرفوعا أنها لا تبنى بالتصاوير ولا تزين بالقوارير. وفسر بعضهم الرفع ببنائها رفيعة كما في قوله تعالى: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل [البقرة: 127] والأولى عندي تفسيره بما سبق وجعل بنائها كذلك داخلا في العموم ويدخل فيه أمور كثيرة غير ما ذكرنا وقد ذكرها الفقهاء وأطالوا الكلام فيها.
زعم بعض المفسرين أن إسناد الرفع إليها مجاز، والمراد ترفع الحوائج فيها إلى الله تعالى، وقيل: ترفع الأصوات بذكر الله عز وجل فيها، ولا يخفى ما فيه، وفي التعبير عن الآمر بالإذن تلويح بأن اللائق بحال المأمور أن يكون متوجها إلى المأمور به قبل الآمر به ناويا لتحقيقه كأنه مستأذن في ذلك فيقع الأمر به موقع الأمر فيه، والمراد بذكر اسمه تعالى شأنه ما يعم جميع أذكاره تعالى، وجعل من ذلك المباحث العلمية المتعلقة به عز وجل، وعن رضي الله تعالى عنهما المراد به توحيده عز وجل وهو قول: لا إله إلا الله، وعنه أيضا المراد تلاوة كتابه سبحانه. ابن عباس
وقيل: ذكر أسمائه تعالى الحسنى. والظاهر ما قدمنا، وعطف الذكر على الرفع من قبيل عطف الخاص على العام فإن ذكر اسمه تعالى فيها من أنواع تعظيمها، وليس من عطف التفسير في شيء خلافا لمن توهمه، والتسبيح التنزيه والتقديس ويستعمل باللام وبدونها كما في قوله تعالى: سبح اسم ربك الأعلى [الأعلى: 1] والمراد به إما ظاهره أو الصلاة لاشتمالها عليه وروي هذا عن ابن عباس والحسن . والضحاك
وعن كل تسبيح في القرآن صلاة، وأيد إرادة الصلاة هنا تعيين الأوقات بقوله سبحانه: ابن عباس بالغدو والآصال والغدو جمع غداة كفتى وفتاة أو مصدر أطلق على الوقت الغدو، وأيد بأن أبا مجلز قرأ «والإيصال» مصدرا أي الدخول في وقت الأصيل، ( والآصال ) كما قال الجوهري جمع أصيل كشريف وأشراف، واختاره جماعة مع أن جمع فعيل على أفعال ليس بقياسي.
واختار أنه جمع أصل كعنق وأعناق والأصل كالأصيل العشي وهو من زوال الشمس إلى الصباح فيشمل الأوقات ماعدا الغداة وهي من أول النهار إلى الزوال ويطلقان على أول النهار وآخره، وإفرادهما بالذكر لشرفهما وكونهما أشهر ما يقع فيه المباشرة للأعمال والاشتغال بالأشغال. وعن الزمخشري أنه حمل الغداة على وقت الضحى وهو مقتضى ما أخرج ابن عباس ابن أبي شيبة في شعب الإيمان عنه رضي [ ص: 177 ] الله تعالى عنه من قوله: «إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوص عليها الأغواص وتلا الآية حتى بلغ الآصال. والبيهقي
وقرأ ابن عامر وأبو بكر والبحتري عن حفص ومحبوب عن أبي عمرو والمنهال عن يعقوب والمفضل وأبان «يسبح» بالياء التحتية والبناء للمفعول ونائب الفاعل له أو فيها إن لم يتعلق في بيوت به أو بالغدو والأولية للأول لأنه ولي الفعل والإسناد إليه حقيقي دون الأخيرين. وجوز أن يكون المجرور فيما ذكر نائب الفاعل والجار فيه زائدا، وفيه ارتكاب لما لا داعي إليه، ورفع «رجال» على هذه القراءة على أنه فاعل لفعل محذوف أو خبر مبتدأ محذوف على ما في البحر أي يسبح له أو المسبح له رجال. والجملة استئناف بياني وقع جوابا لسؤال نشأ من الكلام السابق. وهذا نظير قوله:
ليبك يزيد ضارع لخصومة متخبط مما تطيح الطوائح
وهو قياسي عند الكثير فيجوز عندهم أن يقال: ضربت هند زيد بتقدير ضربها أو ضاربها زيد. وليس هذا كذكر الفاعل تمييزا بعد الفعل المبني للمفعول نحو ضرب أخوك رجلا المصرح بعدم جوازه ابن هشام في الباب الخامس من المغني وإن أوهمت العلة أنه مثله فتأمل.
وقرأ أبو حيوة «تسبح» بالتاء الفوقية والبناء للفاعل وهو «رجال» والتأنيث لأن جمع التكثير كثيرا ما يعامل معاملة المؤنث، وقرأ وابن وثاب «تسبيح» بالتاء الفوقية والبناء للمفعول وهو قوله تعالى: أبو جعفر بالغدو والآصال على أن الباء زائدة والإسناد مجازي بجعل الأوقات المسبح فيها ربها مسبحة، وجوز أن يكون الإسناد إلى ضمير التسبيحة الدال عليه «تسبح» أي تسبح هي أي التسبيحة كما قالوا في قوله تعالى: أبو حيان ليجزي قوما [الجاثية: 14] على قراءة من بنى يجزي للمفعول أي ليجزي هو أي الجزاء. قال في إرشاد العقل السليم: وهذا أولى من التوجيه الأول إذ ليس هنا مفعول صريح. وضعفه بعضهم هنا بأن الوحدة لا تناسب المقام، وأجيب بالتزام كون الوحدة جنسية.
وأيا ما كان فرفع «رجال» على هذه القراءة على الفاعلية أو الخبرية كما سمعت آنفا. والتنوين فيه على جميع القراءات للتفخيم، وقوله سبحانه: لا تلهيهم تجارة صفة له مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة مفيدة لكمال تبتلهم إلى الله تعالى من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم كائنا ما كان. وتخصيص الرجال بالذكر لأنهم الأحقاء بالمساجد.
فقد أخرج أحمد عن والبيهقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة «خير مساجد النساء قعر بيوتهن»
وتخصيص التجارة التي هي المعاوضة مطلقا بذلك لكونها أقوى الصوارف عندهم وأشهرها أي لا يشغلهم نوع من أنواع التجارة ولا بيع أي ولا فرد من أفراد البياعات وإن كان في غاية الريح. وإفراده بالذكر مع اندراجه تحت التجارة للإيذان بإنافته على سائر أنواعها لأن ربحه متيقن ناجز وربح ما عداه متوقع في ثاني الحال عند البيع فلم يلزم من نفي إلهاء ما عداه نفي إلهائه ولذلك كرر كلمة لا لتذكير النفي وتأكيده، وجوز أن يراد بالتجارة المعاوضة الرابحة بالبيع المعاوضة مطلقا فيكون ذكره بعدها من باب التعميم بعد التخصيص للمبالغة، ونقل عن أن المراد بالتجارة هو الشراء لأنه أصلها ومبدؤها فلا تخصيص ولا تعميم، وقيل: المراد بالتجارة الجلب لأنه الغالب فيها فهو لازم لها عادة. ومنه يقال: الواقدي
تجر في كذا أي جلبه. ويؤيد هذا ما
أخرجه ابن أبي حاتم عن وابن مردويه عن رسول الله [ ص: 178 ] صلى الله عليه وسلم أنه قال في هؤلاء الموصوفين بما ذكر: أبي هريرة هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله تعالى.
وأخرج وغيره عن الديلمي مرفوعا نحوه أبي سعيد الخدري
، وفي ذلك أيضا ما يقتضي أنهم كانوا تجارا وهو الذي يدل عليه ظاهر الآية لأنه لا يقال فلان لا تلهيه التجارة إلا إذا كان تاجرا وروي ذلك عن . ابن عباس
أخرج الطبراني عنه أنه قال: أما والله لقد كانوا تجارا فلم تكن تجارتهم ولا بيعهم يلهيهم عن وابن مردويه ، وبه قال ذكر الله تعالى ، وقيل إنهم لم يكونوا تجارا والنفي راجع للقيد والمقيد كما في قوله: الضحاك
على لاحب لا يهتدى بمناره كأنه قيل: لا تجارة لهم ولا بيع فيلهيهم فإن الآية نزلت فيمن فرغ عن الدنيا كأهل الصفة، وأنت تعلم أن الآية على الأول المؤيد بما سمعت أمدح ولم نجد لنزولها فيمن فرغ عن الدنيا سندا قويا أو ضعيفا ولا يكتفى في هذا الباب بمجرد الاحتمال عن ذكر الله بالتسبيح والتحميد ونحوهما وإقام الصلاة أي إقامتها لمواقيتها من غير تأخير.
والأصل أقوام فنقلت حركة الواو لما قبلها فالتقى ساكنان فحذفت فقيل: إقام، وعن أنه قلبت الواو ألفا ثم حذف لاجتماع ألفين. وأورد عليه أنه لا داعي إلى قلبها ألفا مع فقد شرطه وهو أن لا يسكن ما بعدها. وأوجب الزجاج لجواز هذا الحذف تعويض التاء فيقال: إقامة أو الإضافة كما هنا. وعلى هذا جاء قوله: الفراء
إن الخليط أجدوا البين وانجردوا وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا
فإنه أراد عدة الأمر. وتأول خالد بن كلثوم ما في البيت على أن عدا جمع عدوة بمعنى ناحية كأن الشاعر أراد نواحي الأمر وجوانبه. ومذهب جواز الحذف من غير تعويض التاء أو الإضافة سيبويه وإيتاء الزكاة أي المال الذي فرض إخراجه للمستحقين كما روي عن ويدل على تفسير الزكاة بذلك دون الفعل ظاهر إضافة الإيتاء إليها. الحسن.
وعن رضي الله تعالى عنهما تفسير إيتاء الزكاة بإخلاص طاعة الله تعالى وفيه بعد كما ترى، وإيراد هذا الفعل هاهنا وإن لم يكن مما يفعل في البيوت لكونه قرينة لا تفارق إقامة الصلاة في عامة المواضع مع ما فيه من التنبيه على أن محاسن أعمالهم غير منحصرة فيما يقع في المساجد. وكذا قوله تعالى: ابن عباس يخافون إلى آخره فإنه صفة أخرى لرجال أو حال من مفعول لا تلهيهم أو استئناف مسوق للتعليل. وأيا ما كان فليس خوفهم مقصورا على كونهم في المساجد.
وقوله تعالى: يوما مفعول ليخافون على تقدير مضاف أي عقاب يوم وهو له أو بدونه وجعله ظرفا لمفعول محذوف بعيد. وأما جعله ظرفا ليخافون والمفعول محذوف فليس بشيء أصلا إذ المراد أنهم يخافون في الدنيا يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار لا أنهم يخافون شيئا في ذلك اليوم الموصوف بأنه تتقلب فيه إلخ، والمراد به يوم القيامة ومعنى تقلب القلوب والأبصار فيه اضطرابها وتغيرها أنفسها فيه من الهول والفزع كما في قوله تعالى: وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر [الأحزاب: 10] أو تغير أحوالها بأن تفقه القلوب ما لم تكن تفقه وتبصر الأبصار ما لم تكن تبصر أو بأن تتوقع القلوب النجاة تارة وتخاف الهلاك أخرى وتنظر الأبصار يمينا تارة وشمالا أخرى لما أن أغلب أهل الجمع لا يدرون من أي ناحية يؤخذ بهم ولا من [ ص: 179 ] أي وجهة يؤتون كتبهم، وقيل: المراد تقلب فيه القلوب والأبصار على جمر جهنم وليس بشيء، ومثله قول : إن المراد تنتقل من حال إلى حال فتلفحها النار ثم تنضجها ثم تحرقها، وقرأ الجبائي ابن محيصن «تنقلب» بإسكان التاء الثانية. وقوله سبحانه.