قوله تعالى: فإنهم عدو لي قيل: تعليل لما يفهم من ذلك من أني لا أعبدهم أو لا تصح عبادتهم، وقيل: خبر لـ(ما كنتم) إذ المعنى: أفأخبركم وأعلمكم بمضمون هذا؟ واختار بعض الأجلة أنه بيان وتفسير لحال ما يعبدونه التي لو أحاطوا بها علما لما عبدوه، أي: فاعلموا أنهم أعداء لعابديهم الذين يحبونهم كحب الله تعالى؛ لما أنهم يتضررون من جهتهم تضرر الرجل من جهة عدوه، فإطلاق العدو عليهم من باب التشبيه البليغ.
[ ص: 95 ] وجوز أن يكون من باب المجاز العقلي بإطلاق وصف السبب على المسبب، من حيث إن المغري والحامل على عبادتهم هو الشيطان الذي هو عدو مبين للإنسان، والأول أظهر. والداعي للتأويل أن الأصنام لكونها جمادات لا تصلح للعداوة. وما قيل: إن الكلام على القلب، والأصل: (فإني عدو لهم) ليس بشيء.
وقال النسفي: العدو اسم للمعادي والمعادى جميعا، فلا يحتاج إلى تأويل، ويكون كقوله: وتالله لأكيدن أصنامكم وصور الأمر في نفسه؛ تعريضا لهم كما في قوله تعالى: وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ليكون أبلغ في النصح وأدعى للقبول، ومن هنا استعمل الأكابر التعريض في النصح.
ومنه ما يحكى عن - رضي الله تعالى عنه - أن رجلا واجهه بشيء فقال: لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب. الشافعي
وسمع رجل ناسا يتحدثون في الحجر فقال: ما هو بيتي ولا بيتكم.
وضمير (إنهم) عائد على (ما) وجمع مراعاة لمعناها، وإفراد العدو - مع أنه خبر عن الجمع - إما لأنه مصدر في الأصل فيطلق على الواحد المذكر وغيره، أو لاتحاد الكل في معنى العداوة، أو لأن الكلام بتقدير (فإن كلا منهم) أو لأنه بمعنى النسب، أي: ذو كذا، فيستوي فيه الواحد وغيره كما قيل.
وقوله سبحانه: إلا رب العالمين استثناء منقطع من ضمير «إنهم» عند جماعة، منهم ، واختاره الفراء ، أي: لكن رب العالمين ليس كذلك، فإنه - جل وعلا - ولي من عبده في الدنيا والآخرة، لا يزال يتفضل عليه بالمنافع. الزمخشري
وقال : هو استثناء متصل من ذلك الضمير العائد على ( ما تعبدون ) ويعتبر شموله لله - عز وجل - وفي آبائهم الأقدمين من عبد الله - جل وعلا - من غير شك، أو يقال: إن المخاطبين كانوا مشركين وهم يعبدون الله تعالى والأصنام. وتخصيص الأصنام هنا بالذكر للرد لا لأن عبادتهم مقصورة عليها، ولو سلم أنه لذلك فهو باعتبار دوام العكوف، وذلك لا ينافي عبادتهم إياه - عز وجل - أحيانا. الزجاج
وقال الجرجاني : إن الاستثناء من ( ما كنتم تعبدون ) و(إلا) بمعنى دون وسوى، وفي الآية تقديم وتأخير، والأصل: أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين - أي: دون رب العالمين - فإنهم عدو لي، ولا يخفى ما فيه.