وما تنزلت به الشياطين متعلق بقوله تعالى: وإنه لتنزيل رب العالمين إلخ، وهو رد لقول مشركي قريش: إن لمحمد - صلى الله عليه وسلم - تابعا من الجن يخبره كما تخبر الكهنة، وأن القرآن مما ألقاه إليه، عليه الصلاة والسلام.
والتعبير بالتفعيل؛ لأن النزول لو وقع لكان بالاستراق التدريجي، وقرأ الحسن وابن السميقع «الشياطون» فقال : هو غلط من أبو حاتم أو عليه، وقال الحسن النحاس : هو غلط عند جميع النحويين، وقال المهدوي : هو غير جائز في العربية، وقال : غلط الشيخ، ظن أنها النون التي على هجائين، وقال الفراء النضر بن شميل : إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة فهلا جاز أن يحتج [ ص: 133 ] بقول وصاحبه، مع أنا نعلم أنهما لم يقرآ به إلا وقد سمعا فيه، وقال الحسن : سمعت أعرابيا يقول: دخلت بساتين من ورائها بساتون، فقلت: ما أشبه هذا بقراءة يونس بن حبيب انتهى. الحسن،
ووجهت هذه القراءة بأنه لما كان آخره كآخر يبرين وفلسطين - وقد قيل فيهما يبرون وفلسطون - أجري فيه نحو ما أجري فيهما، فقيل: الشياطون.
وحقه على هذا - على ما في الكشاف - أن يشتق من الشيطوطة وهي الهلاك، وفي البحر - نقلا عن بعضهم - إن كان اشتقاقه من شاط - أي: احترق - يشيط شوطة كان لقراءتهما وجه، قيل: ووجهها أن بناء المبالغة منه شياط وجمعه الشياطون فخففا الياء، وقد روي عنهما التشديد، وقرأ به غيرهما.
وقال بعض: إنه جمع شياط مصدر شاط (كخاط خياطا) كأنهما ردا الوصف إلى المصدر بمعناه مبالغة، ثم جمعا والكل كما ترى، وقال صاحب الكشف: لا وجه لتصحيح هذه القراءة البتة.
وقد أطنب في تصحيحها، ثم قال: وعلى كل حال فالشياطون غلط، ابن جني وأبو حيان لا يرضى بكونه غلطا ويقول: قرأ به الحسن وابن السميقع ، ولا يمكن أن يقال: غلطوا؛ لأنهم من العلم ونقل القرآن بمكان، والله تعالى أعلم. والأعمش
والذي أراه أنه متى صح رفع هذه القراءة إلى هؤلاء الأجلة لزم توجيهها؛ فإنهم لا يقرؤون إلا عن رواية كغيرهم من القراء في جميع ما يقرؤنه عندنا، وزعم المعتزلة أن بعض القراءات بالرأي.