فإن لم تفعلوا أي ما أمرتم به من الاتقاء وترك البقايا إما مع إنكار حرمته وإما مع الاعتراف فأذنوا أي فأيقنوا، وبذلك قرأ وهو التفسير المأثور عن الحسن رضي الله تعالى عنهما ابن عباس بحرب من الله ورسوله وهو كحرب المرتدين على الأول وكحرب البغاة على الثاني، وقيل: لا حرب حقيقة وإنما هو تهديد وتخويف، وجمهور المفسرين على الأول، وقرأ حمزة في رواية وعاصم ابن عياش (فآذنوا) بالمد أي فأعلموا بها أنفسكم أو بعضكم بعضا أو غيركم، وهذا مستلزم لعلمهم بالحرب على أتم وجه، وتنكير حرب للتعظيم، ولذا لم يقل بحرب الله تعالى بالإضافة، أخرج عن أبو يعلى رضي الله تعالى عنهما أنها لما نزلت قال ابن عباس ثقيف لا يدي لنا بحرب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وإن تبتم عما يوجب الحرب فلكم رءوس أموالكم تأخذونها لا غير لا تظلمون غرماءكم بأخذ الزيادة ولا تظلمون [ 279 ] أنتم من قبلهم بالنقص من رأس المال أو به وبنحو المطل، وقرأ المفضل عن لا تظلمون الأول بالبناء للمفعول والثاني بالبناء للفاعل على عكس القراءة الأولى، والجملة إما مستأنفة وهو الظاهر، وإما في محل نصب على الحال من الضمير في (لكم) والعامل ما تضمنه الجار من الاستقرار لوقوعه خبرا وهو رأي عاصم ومن ضرورة تعليق هذا الحكم بتوبتهم عدم ثبوته عند عدمها لأن عدمها إن كان مع إنكار الحرمة فهم المرتدون ومالهم المكسوب في حال الردة فيء للمسلمين عند الإمام الأخفش، رضي الله تعالى عنه، وكذا سائر أموالهم عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، وعندنا هو لورثتهم ولا شيء لهم على كل حال وإن كان مع الاعتراف فإن كان لهم شوكة فهم على شرف القتل لم يكد تسلم لهم رؤوسهم فكيف برؤوس أموالهم وإلا فكذلك عند الشافعي رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج ابن عباس عنه أنه قال: من كان مقيما على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه فإن نزع وإلا ضرب عنقه، ومثله عن ابن جرير الصادق رضي الله تعالى عنه، وأما عند غيرهما فهم محبوسون إلى أن تظهر توبتهم ولا يمكنون من التصرفات رأسا فما لم يتوبوا لم يسلم لهم شيء من أموالهم بل إنما يسلم بموتهم لورثتهم، قال المولى أبو السعود وغيره: واستدل بالآية على أن الممتنع عن أداء الدين مع القدرة ظالم يعاقب بالحبس وغيره وقد فصل ذلك الفقهاء أتم تفصيل.