nindex.php?page=treesubj&link=18467_28739_28911_29786_31011_32109_32238_32410_34091_34230_34236_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هو الذي أنزل عليك الكتاب استئناف لإبطال شبه الوفد وإخوانهم الناشئة عما نطق به القرآن في نعت
المسيح عليه السلام إثر بيان اختصاص الربوبية ومناطها به سبحانه، قيل: إن الوفد قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست تزعم أن
عيسى كلمة الله تعالى وروح منه؟ قال: بلى قالوا: فحسبنا ذلك (فنعى سبحانه عليهم زيغهم) وفتنتهم وبين أن الكتاب مؤسس على أصول رصينة وفروع مبنية عليها ناطقة بالحق قاضية ببطلان ما هم عليه، كذا قيل ومنه يعلم وجه مناسبة الآية لما قبلها، واعترض بأن هذا الأثر لم يوجد له أثر في " الصحاح " ولا سند يعول عليه في غيرها، وقصارى ما وجد عن
الربيع أن المراد بالموصول الآتي الوفد، وفيه أن الأثر بعينه أخرجه في «الدر المنثور» عن
nindex.php?page=showalam&ids=11970أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
الربيع وعن بعضهم:
أن الآية نزلت في اليهود، وذلك حين مر أبو ياسر بن أخطب (فجاء رجل من يهود لرسول) الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة [1-2] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من يهود فقال: أتعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم فمشى حتى وافى أولئك النفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل عليك nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب ؟ فقال: بلى فقال: لقد بعث الله تعالى قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك، الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة هل مع هذا غيره؟ قال: نعم (المص) قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه مائة وإحدى وستون سنة هل مع هذا غيره؟ قال: نعم (الر) قال: هذه أثقل وأطول هل مع هذا غيره؟ قال: بلى (المر) قال: هذه أثقل وأطول، ثم قال: لقد لبس علينا أمرك حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا، ثم قال: قوموا ثم قال أبو ياسر لأخيه ومن معه: وما يدريكم لعله لقد جمع هذا كله لمحمد؟ فقالوا: لقد تشابه علينا أمره».
وقد أخرج ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في «التاريخ»
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إلا أن فيه فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم وهو مؤذن بعدم الجزم بذلك ومع هذا يبعده ما تقدم من رواية «إن الله تعالى أنزل في شأن أولئك الوفد من مصدر آل عمران إلى بضع وثمانين آية» وعلى تقدير الإغماض عن هذا يحتمل أن يكون وجه اتصال الآية بما قبلها أن في المتشابه خفاء كما أن تصوير ما في الأرحام كذلك أو أن في هذه تصوير الروح بالعلم وتكميله به وفيما قبلها تصوير الجسد وتسويته فلما أن في كل منهما تصويرا وتكميلا في الجملة ناسب
[ ص: 80 ] ذكره معه، ولما أن بين التصوير الحقيقي الجسماني والذي ليس هو كذلك من الروحاني من التفاوت والتباين ترك العطف.
وقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7منه آيات الظرف فيه خبر مقدم، و (آيات) مبتدأ مؤخر أو بالعكس، ورجح الأول: بأنه الأوفق بقواعد الصناعة، والثاني: بأنه أدخل في جزالة المعنى إذ المقصود الأصلي انقسام الكتاب إلى القسمين المعهودين لا كونهما من الكتاب، والجملة إما مستأنفة أو في حيز النصب على الحالية من الكتاب أي هو الذي أنزل عليك الكتاب كائنا على هذه الحالة أي منقسما إلى محكم وغيره، أو الظرف وحده حال و (آيات) مرتفع به على الفاعلية
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7محكمات صفة (آيات) أي واضحة المعنى ظاهرة الدلالة محكمة العبارة محفوظة من الاحتمال والاشتباه
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هن أم الكتاب أي أصله والعمدة فيه يرد إليها غيرها،
والعرب تسمي كل جامع يكون مرجعا أما والجملة إما صفة لما قبلها أو مستأنفة وإنما أفرد الأم مع أن الآيات متعددة لما أن المراد بيان أصلية كل واحدة منها أو بيان أن الكل بمنزلة آية واحدة " وأخر " نعت لمحذوف معطوف على (آيات) أي وآيات أخر وهي كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14374الرضي: جمع أخرى التي هي مؤنث آخر ومعناه في الأصل أشد تأخرا فمعنى جاءني زيد ورجل آخر جاءني زيد ورجل أشد تأخرا منه في معنى من المعاني، ثم نقل إلى معنى غيره فمعنى رجل آخر رجل غير زيد ولا يستعمل إلا فيما هو من جنس المذكور أولا، فلا يقال: جاءني زيد وحمار آخر ولا امرأة أخرى، ولما خرج عن معنى التفضيل استعمل من دون لوازم أفعل التفضيل، أعني من والإضافة واللام وطوبق بالمجرد عن اللام والإضافة ما هو له نحو: رجلان آخران ورجال آخرون وامرأة أخرى وامرأتان أخريان ونسوة أخر.
وذهب أكثر النحويين إلى أنه غير منصرف لأنه وصف معدول عن الآخر، قالوا: لأن الأصل في أفعل التفضيل أن لا يجمع إلا مقرونا بالألف واللام كالكبر والصغر فعدل عن أصله وأعطي من الجمعية مجردا ما لا يعطى غيره إلا مقرونا، وقيل: الدليل على عدل (أخر) أنه لو كان مع من المقدرة كما في (الله أكبر) للزم أن يقال بنسوة آخر على وزن أفعل لأن أفعل التفضيل ما دام بمن ظاهرة أو مقدرة لا يجوز مطابقته لمن هو له بل يجب إفراده، ولا يجوز أن يكون بتقدير الإضافة لأن المضاف إليه لا يحذف إلا مع بناء المضاف، أو مع ساد مسد المضاف إليه، أو مع دلالة ما أضيف إليه تابع المضاف أخذا من استقراء كلامهم فلم يبق إلا أن يكون أصله اللام، واعترض عليه
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي بأنه لو كان كذلك وجب أن يكون معرفة كسحر.
وأجيب بأنه لا يلزم في المعدول عن شيء أن يكون بمعناه من كل وجه وإنما يلزم أن يكون قد أخرج عما يستحقه وما هو القياس فيه إلى صيغة أخرى، نعم قد تقصد إرادة تعريفه بعد النقل إما بألف ولام يضمن معناها فيبنى، أو إما بعلمية كما في سحر فيمنع من الصرف، ولما لم يقصد في (أخر) إرادة الألف واللام أعرب، ولا يصح إرادة العلمية لأنها تضاد الوصفية المقصودة منه. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني: إنه معدول عن آخر من، وزعم
ابن مالك أنه التحقيق، وظاهر كلام
أبي حيان اختياره واستدلوا عليه بما لا يخلو عن نظر .
ووصف (أخر) بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7متشابهات وهي في الحقيقة صفة لمحذوف أي محتملات لمعان متشابهات لا يمتاز بعضها عن بعض في استحقاق الإرادة ولا يتضح الأمر إلا بالنظر الدقيق، وعدم الاتضاح قد يكون للاشتراك أو للإجمال، أو لأن ظاهره التشبيه فالمتشابه في الحقيقة وصف لتلك المعاني وصف به الآيات على طريقة وصف الدال بما هو وصف للمدلول فسقط ما قيل: إن واحد متشابهات متشابهة،
[ ص: 81 ] وواحد (أخر) أخرى، والواحد هنا لا يصح أن يوصف بهذا الواحد فلا يقال: أخرى متشابهة إلا أن يكون بعض الواحدة يشبه بعضا وليس المعنى على ذلك وإنما المعنى أن كل آية تشبه آية أخرى، فكيف صح وصف الجمع بهذا الجمع ولم يصح وصف مفرده بمفرده؟! ولا حاجة إلى ما تكلف في الجواب عنه بأنه ليس من شرط صحة وصف المثنى والمجموع صحة بسط مفردات الأوصاف على أفراد الموصوفات كما أنه لا يلزم من الإسناد إليهما صحة إسناده إلى كل واحد كما في
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فوجد فيها رجلين يقتتلان إذ الرجل لا يقتتل، وقيل: إنه لما كان من شأن الأمور المتشابهة أن يعجز العقل عن التمييز بها سمي كل ما لا يهتدي العقل إليه متشابها وإن لم يكن ذلك بسبب التشابه كما أن المشكل في الأصل ما دخل في أشكاله وأمثاله ولم يعلم بعينه ثم أطلق على كل غامض وإن لم يكن غموضه من تلك الجهة، وعليه يكون المتشابه مجازا أو كناية عما لا يتضح معناه مثلا فيكون السؤال مغالطة غير واردة رأسا وهذا الذي ذكره في تفسير المحكم والمتشابه هو مذهب كثير من الناس وعليه الشافعية .
وتقسيم الكتاب إليهما من تقسيم الكل إلى أجزائه بناء على أن المراد من الكتاب ما بين الدفتين ولامه لتعريف العهد، وحينئذ إما أن يراد بالكتاب الثاني المضاف إليه أم الأول الواقع مقسما كما يشعر به حديث إعادة الشيء معرفة ويكون وضع المظهر موضع المضمر اعتناء بشأن المظهر وتفخيما له والإضافة على معنى في كما في واحد العشرة فلا يلزم كون الشيء أصلا لنفسه لأن المعنى على أن الآيات المحكمات التي هي جزء مما بين الدفتين أصل فيما بين الدفتين يرجع إليه المتشابه منه، واعتبار ظرفية الكل للجزء يدفع توهم لزوم ظرفية الشيء لنفسه وهذا أولى من القول بتقدير مضاف بين المتضايفين بأن يقال التقدير أم بعض الكتاب، فإنه وإن بقي فيه الكتاب على حاله إلا أنه لا يخلو عن تكلف، وإما أن يراد به الجنس فإنه كالقرآن يطلق على القدر المشترك بين المجموع وبين كل بعض منه له به نوع اختصاص كما بين في الأصول، ويراد من هذا الجنس ما هو في ضمن الآيات المتشابهات فاللام حينئذ للجنس والإضافة على معنى اللام ولا يعارضه حديث الإعادة إذ هو أصل كثيرا ما يعدل عنه ولا يتوهم منه كون الشيء أما لنفسه أصلا ولا أن المقام مقام الإضمار ليحتاج إلى الجواب عن ذلك، وبعض فضلاء العصر العاصرين حميا العلم من كرم أذهانهم الكريمة أحسن عصر جوز كون الإضافية لامية، و (الكتاب) المضاف إليه هو الكتاب الأول بعينه وليس في الكلام مضاف محذوف وما يلزم على ذلك من كون الشيء أما لنفسه وأصلا لها لا يضر لاختلاف الاعتبار فإن أمومته لغيره من المتشابه باعتبار رده إليه وإرجاعه له وأمومته لنفسه باعتبار عدم احتياجه لظهور معناه إلى شيء سوى نفسه، ولا يخفى عليك أن الأم إن كانت في كلا الاعتبارين حقيقة لزم استعمال المشترك في معنييه وإن كانت في كليهما مجازا لزم الجمع بين معنيين مجازيين، وإن كانت حقيقة في الأصل باعتبار ما يرجع إليه غيره كما يفهم من بعض عباراتهم مجازا في الأصل بمعنى المستغني عن غيره لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز ولا مخلص عن ذلك إلا بارتكاب عموم المجاز، هذا وجوز أن يكون التقسيم إلى القسمين المحكم والمتشابه من تقسيم الكلي إلى جزئياته ف (أل) في الكتاب للجنس أولا وآخرا إلا أن المراد من الكتاب في الأول الماهية من حيث هي كما هو الأمر المعروف في مثل هذا التقسيم، وفي الثاني الماهية باعتبار تحققها في ضمن بعض الأفراد وهو المتشابه، ويجوز أن يراد من الثاني أيضا مجموع ما بين الدفتين والكلام فيه حينئذ على نحو ما سبق، قيل: وقصارى ما يلزم من هذا التقسيم بعد تحمل القول بأنه خلاف الظاهر صدق الكتاب على الأبعاض وهو
[ ص: 82 ] مما لا يتحاشى منه بل هو غرض من فسر الكتاب بالقدر المشترك، وأنت تعلم أن فيه غير ذلك إلا أنه يمكن دفعه بالعناية، فتدبر.
وذهب ساداتنا الحنفية إلى أن المحكم الواضح الدلالة الظاهر الذي لا يحتمل النسخ، والمتشابه الخفي الذي لا يدرك معناه عقلا ولا نقلا وهو ما استأثر الله تعالى بعلمه كقيام الساعة والحروف المقطعة في أوائل السور; وقيل: المحكم الفرائض والوعد والوعيد، والمتشابه القصص والأمثال، أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم من طريق
علي ابن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال المحكمات ناسخه وحلاله وحرامه وحدوده وفرائضه، والمتشابهات ما يؤمن به ولا يعمل به، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14907الفريابي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد قال المحكمات ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك متشابه، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك قال المحكمات ما لم ينسخ والمتشابهات ما قد نسخ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي: nindex.php?page=treesubj&link=28911المحكم ما كان معقول المعنى، والمتشابه بخلافه كأعداد الصلوات واختصاص الصيام برمضان دون شعبان، وقيل: المحكم ما لم يتكرر ألفاظه، والمتشابه ما يقابله، وقيل: غير ذلك، وهذا الخلاف في المحكم والمتشابه هنا وإلا فقد يطلق المحكم بمعنى المتقن النظم، والمتشابه على ما يشبه بعضه بعضا في البلاغة، وهما بهذا المعنى يطلقان على جميع القرآن، وعلى ذلك خرج قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1الر كتاب أحكمت آياته وقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23كتابا متشابها مثاني .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ أي عدول عن الحق وميل عنه إلى الأهواء، وقال الراغب: ((الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين)) وزاغ وزال ومال متقاربة لكن زاغ لا يقال إلا فيما كان عن حق إلى باطل ومصدره زيغ وزيغوغة وزيغان وزيوغ، والمراد بالموصول نصارى
نجران أو اليهود وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وقيل: منكرو البعث، وقيل: المنافقون، وأخرج الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره على
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم
الخوارج، وظاهر اللفظ العموم لسائر من زاغ عن الحق فليحمل ما ذكر على بيان بعض ما صدق عليه العام دون التخصيص، وفي جعل قلوبهم مقرا للزيغ مبالغة في عدولهم عن سنن الرشاد وإصرارهم على الشر والفساد. وزيغ مبتدأ أو فاعل
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فيتبعون ما تشابه منه أي يتعلقون بذلك وحده بأن لا ينظروا إلى ما يطابقه من المحكم ويردوه إليه وهو إما بأخذ ظاهره غير المراد له تعالى أو أخذ أحد بطونه الباطلة، وحينئذ يضربون القرآن بعضه ببعض ويظهرون التناقض بين معانيه إلحادا منهم وكفرا ويحملون لفظه على أحد محتملاته التي توافق أغراضهم الفاسدة في ذلك وهذا هو المراد بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله أي طلب أن يفتنوا المؤمنين والمؤمنات عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه كما نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي، وطلب أن يؤولوه حسبما يشتهون، فالإضافة في
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7تأويله للعهد أي بتأويل مخصوص وهو ما لم يوافق المحكم بل ما كان موافقا للتشهي.
والتأويل التفسير كما قاله غير واحد وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب: ((إنه من الأول وهو الرجوع إلى الأصل ومنه الموئل للموضع الذي يرجع إليه وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علما كان أو فعلا، ومن الأول ما ذكر هنا، ومن الثاني قوله:
وللنوى قبل يوم البين تأويل
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53يوم يأتي تأويله أي بيانه الذي هو غايته المقصودة منه، وقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59ذلك خير وأحسن تأويلا قيل: أحسن ترجمة ومعنى، وقيل: أحسن ثوابا في الآخرة)) انتهى.
وجوز في هاتين الطلبتين أن تكونا على سبيل التوزيع بأن يكون
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7ابتغاء الفتنة طلبة بعض، وابتغاء التأويل
[ ص: 83 ] حسب التشهي طلبة آخرين، ويجوز أن يكون الاتباع لمجموع الطلبتين وهو الخليق بالمعاند لأنه لقوة عناده ومزيد فساده يتشبث بهما معا وأن يكون ذلك لكل واحدة منهما على التعاقب وهو المناسب بحال الجاهل لأنه متحير تارة يتبع ظاهره وتارة يؤوله بما يشتهيه لكونه في قبضة هواه يتبعه كلما دعاه، ومن الناس من حمل الفتنة على المال، فإن الله سبحانه قد سماه فتنة في مواضع من كلامه ولا يخفى أنه ليس بشيء مدعى ودليلا، وفي تعليل الاتباع بابتغاء تأويله دون نفس (تأويله) وتجريد التأويل عن الوصف بالصحة والحقية إيذان بأنهم ليسوا من التأويل في عير ولا نفير ولا قبيل ولا دبير، وأن ما يتبعونه ليس بتأويل أصلا لا أنه تأويل غير صحيح قد يعذر صاحبه.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم في موضع الحال من ضمير (يتبعون) باعتبار العلة الأخيرة أي يتبعون المتشابه لابتغاء تأويله، والحال أن التأويل المطابق للواقع كما يشعر به التعبير بالعلم والإضافة إلى الله تعالى مخصوص به سبحانه وبمن وفقه عز شأنه من عباده الراسخين في العلم أي الذين ثبتوا وتمكنوا فيه ولم يتزلزلوا في مزال الأقدام ومداحض الأفهام دونهم حيث إنهم بمعزل عن تلك الرتبة هذا ما يقتضيه الظاهر في تفسير الراسخين، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر من طريق
عبد الله بن يزيد الأزدي قال: سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك يقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=939306 " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الراسخين في العلم فقال: من صدق حديثه وبر في يمينه وعف بطنه وفرجه فذلك الراسخون في العلم " ولعل ذلك بيان علامتهم وما ينبغي أن يكونوا عليه، والمراد بالعلم العلم الشرعي المقتبس من مشكاة النبوة فإن أهله هم الممدوحون.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7يقولون آمنا به استئناف موضح لحال الراسخين ولهذا فصل، والنحاة يقدرون له مبتدأ دائما أي هم يقولون وقد قيل: إنه لا حاجة إليه ولم يعرف وجه التزامهم لذلك فلينظر، وجوز أن يكون حالا من الراسخين والضمير المجرور راجع إلى المتشابه وعدم التعريض لإيمانهم بالمحكم لظهوره وإن رجع إلى الكتاب فله وجه أيضا لأن مآله كل من أجزاء الكتاب أو جزئياته وذلك لا يخلو عن الأمرين، ثم هذا القول وإن لم يخص الراسخين لكن فيه تعريض بأن مقتضى الإيمان به أن لا يسلك فيه طريق لا يليق من تأويله على ما مر فكأن غيرهم ليس بمؤمن.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7كل من عند ربنا من تمام مقولهم مؤكد لما قبله ومقرر له، أي كل واحد منه ومن المحكم أو كل واحد من متشابهه ومحكمه منزل من عنده تعالى لا مخالفة بينهما، وفي التعبير بالرب إشارة إلى سر إنزال المتشابه، والحكمة فيه لما أنه متضمن معنى التربية والنظر في المصلحة والإيصال إلى معارج الكمال أولا فأولا، وقد قالوا: إنما أنزل المتشابه لذلك ليظهر فضل العلماء ويزداد حرصهم على الاجتهاد في تدبره وتحصيل العلوم التي نيط بها استنباط ما أريد به من الأحكام الحقيقية فينالوا بذلك وبإتعاب القرائح واستخراج المقاصد الرائقة والمعاني اللائقة المدارج العالية ويعرجوا بالتوفيق بينه وبين المحكم إلى رفرف الإيقان وعرش الاطمئنان ويفوزوا بالمشاهد السامية وحينئذ ينكشف لهم الحجاب ويطيب لهم المقام في رياض الصواب، وذلك من التربية والإرشاد أقصى غاية ونهاية في رعاية المصلحة ليس وراءها نهاية.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وما يذكر إلا أولو الألباب [ 7 ] عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7يقولون سيق من جهته تعالى مدحا للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر لما أنهم قد تجردت عقولهم عما يغشاها من الركون إلى الأهواء الزائغة المكدرة لها واستعدوا إلى الاهتداء إلى معالم الحق والعروج إلى معارج الصدق، وللإشارة إلى ذلك وضع الظاهر موضع
[ ص: 84 ] الضمير هذا على تقدير أن يكون الوقف على (الراسخون) وهو الذي ذهب إليه الشافعية وسائر من فسر المتشابه بما لم يتضح معناه، وأما على تقدير أن يكون الوقف على
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7إلا الله وهو الذي ذهب إليه الحنفية القائلون بأن المتشابه ما استأثر الله تعالى بعلمه، فالراسخون مبتدأ وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7يقولون خبر عنه، ورجح الأول بوجوه: أما أولا: فلأنه لو أريد بيان حظ الراسخين مقابلا لبيان حظ الزائغين لكان المناسب أن يقال وأما الراسخون فيقولون، وأما ثانيا: فلأنه لا فائدة حينئذ في قيد الرسوخ بل هذا حكم العالمين كلهم، وأما ثالثا: فلأنه لا ينحصر حينئذ الكتاب في المحكم والمتشابه على ما هو مقتضى ظاهر العبارة حيث لم يقل (ومنه متشابهات) لأن ما لا يكون متضح المعنى ويهتدي العلماء إلى تأويله ورده إلى المحكم لا يكون محكما ولا متشابها بالمعنى المذكور وهو كثير جدا، وأما رابعا: فلأن المحكم حينئذ لا يكون أم الكتاب بمعنى رجوع المتشابه إليه إذ لا رجوع إليه فيما استأثر الله تعالى بعلمه كعدد الزبانية مثلا، وأما خامسا: فلأنه قد ثبت في الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=942721أنه صلى الله عليه وسلم دعا nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس فقال: " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " ولو كان التأويل مما لا يعلمه إلا الله تعالى لما كان للدعاء معنى، وأما سادسا: فلأن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنه كان يقول: أنا ممن يعلم تأويله، وأما سابعا: فلأنه سبحانه وتعالى مدح الراسخين بالتذكر في هذا المقام وهو يشعر بأن لهم الحظ الأوفر من معرفة ذلك، وأما ثامنا: فلأنه يبعد أن يخاطب الله تعالى عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته.
والقول بأن أما للتفصيل فلا بد في مقابلة الحكم على الزائغين من حكم على الراسخين ليتحقق التفصيل، غاية الأمر أنه حذفت أما والفاء، وبأن الآية من قبيل الجمع والتقسيم والتفريق، فالجمع في قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7أنزل عليك الكتاب والتقسيم في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات والتفريق في قوله عز شأنه:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ الخ فلا بد في مقابلة ذلك من حكم يتعلق بالمحكم وهو أن الراسخين يتبعونه ويرجعون المتشابه إليه على ما هو مضمون قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم الخ مجاب عنه بأن كون أما للتفصيل أكثري لا كلي ولو سلم فليس ذكر المقابل في اللفظ بلازم. ثم لو سلم بأن الآية من قبيل الجمع والتقسيم والتفريق فذكر المقابل على سبيل الاستئناف أو الحال، أعني: (يقولون) الخ كاف في ذلك، ورجح الثاني بأنه مذهب الأكثرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وأتباعهم خصوصا أهل السنة، وهو أصح الروايات عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنه، ولم يذهب إلى القول الأول إلا شرذمة قليلة بالنسبة إلى الأكثرين كما نص عليه
ابن السمعاني وغيره ويد الله تعالى مع الجماعة.
ويدل على صحة مذهبهم أخبار كثيرة:
الأول: ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في «تفسيره»
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في «مستدركه» عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كان يقرأ وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به فهذا يدل على أن الواو للاستئناف لأن هذه الرواية وإن لم تثبت بها القراءة فأقل درجاتها أن تكون خبرا بإسناد صحيح إلى ترجمان القرآن فيقدم كلامه على من دونه، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء أن في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب أيضا ويقول الراسخون في العلم، وأخرج
ابن أبي داود في «المصاحف» من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش قال في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وإن تأويله إلا عند الله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم يقولون آمنا به .
الثاني: ما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في «الكبير» عن
أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=930743 " لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا، وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وما يبتغي تأويله إلا الله تعالى ".
الحديث الثالث: ما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه من حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رسول الله
[ ص: 85 ] صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به وما تشابه فآمنوا به ".
الرابع: ما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503239 " الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة: زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا "، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في «الشعب» نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة.
الخامس: ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا :
" أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تفسره العلماء، ومتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى، ومن ادعى علمه سوى الله تعالى فهو كاذب ". إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على أن المتشابه مما لا يعلم تأويله إلا الله تعالى.
وذهب بعض المحققين إلى أن كلا من الوقف والوصل جائز ولكل منهما وجه وجيه وبين ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب بأن القرآن عند اعتبار بعضه ببعض ثلاثة أضرب: محكم على الإطلاق، ومتشابه على الإطلاق، ومحكم من وجه متشابه من وجه، فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب: متشابه من جهة اللفظ فقط، ومن جهة المعنى، ومن جهتهما معا، فالأول ضربان: أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة، أما من جهة الغرابة نحو الأب ويزفون، أو الاشتراك كاليد والعين، وثانيهما يرجع إلى جملة الكلام المركب وذلك ثلاثة أضرب: ضرب لاختصار الكلام نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم ، وضرب لبسطه نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء لأنه لو قيل: ليس مثله شيء كان أظهر للسامع، وضرب لنظم الكلام نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2قيما إذ تقديره أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا، والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف يوم القيامة، فإن تلك الصفات لا تتصور لنا إذ لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو ليس من جنسه، والمتشابه من جهتهما خمسة أضرب:
الأول: من جهة الكمية كالعموم والخصوص نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين . والثاني: من جهة الكيفية كالوجوب والندب في نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فانكحوا ما طاب لكم من النساء . والثالث: من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102اتقوا الله حق تقاته . والرابع: من جهة المكان والأمور التي نزلت فيه الآية نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها و
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=37إنما النسيء زيادة في الكفر ، فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه تفسير هذه. والخامس: من جهة الشروط التي يصح بها الفعل ويفسد كشرط الصلاة والنكاح.
ثم قال: وهذه الجملة إذا تصورت علم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم; ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب: ضرب لا سبيل للوقوف عليه كوقت الساعة وخروج الدابة وغير ذلك، وقسم للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة والأحكام الغلقة، وضرب متردد بين الأمرين يختص بمعرفته بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم، وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس رضي الله تعالى عنه:
nindex.php?page=hadith&LINKID=15020 " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " وإذا عرفت هذا ظهر لك جواز الأمرين الوقف على
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7إلا الله والوقف على
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162الراسخون .
وقال بعض أئمة التحقيق: الحق أنه إن أريد بالمتشابه ما لا سبيل إليه للمخلوق فالحق الوقف على
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7إلا الله وإن أريد ما لا يتضح بحيث يتناول المجمل ونحوه فالحق العطف ويجوز الوقف أيضا، لأنه لا يعلم جميعه أو لا يعلمه بالكنه إلا الله تعالى، وأما إذا فسر بما دل القاطع أي النص النقلي أو الدليل الجازم العقلي على أن ظاهره غير مراد ولم يقم
[ ص: 86 ] دليل على ما هو المراد ففيه مذهبان: فمنهم من يجوز الخوض فيه وتأويله بما يرجع إلى الجادة في مثله فيجوز عنده الوقف وعدمه، ومنهم من يمنع الخوض فيه فيمتنع تأويله ويجب الوقف عنده.
والذاهبون إلى الوقف من السادة الحنفية أجابوا عما ذكره غيرهم في ترجيح ما ذهبوا إليه من الوجوه:
فعن الأول: بأنه أريد بيان حظ الراسخين مقابلا لبيان حظ الزائغين إلا أنه لم يقل وأما الراسخون مبالغة في الاعتناء بشأن الراسخين حيث لم يسلك بهم سبيل المعادلة اللفظية لهؤلاء الزائغين وصينوا عن أن يذكروا معهم كما يذكر المتقابلان في الأغلب في مثل هذه المقامات، وقريب من هذا قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت حيث لم يقل والطاغوت أولياء الذين كفروا، ولا الذين آمنوا وليهم الله تعظيما لشأنه تعالى ورعاية للاعتناء بشأن المؤمنين.
وعن الثاني: بأن فائدة قيد الرسوخ المبالغة في قصر علم تأويل المتشابه عليه تعالى لأنه إذا لم يعلموه هم كما يشعر به الحكم عليهم بأنهم يقولون آمنا به فغيرهم أولى بعدم العلم فلم يبق عالم به إلا الله تعالى.
وعن الثالث: بأنه يلتزم القول بعد الحصر، وفي «الإتقان» أن بعضا قال: إن الآية لا تدل على الحصر في الشيئين إذ ليس فيها شيء من طرقه ولولا ذلك لأشكل قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لتبين للناس ما نزل إليهم لأن المحكم لا تتوقف معرفته على البيان، والمتشابه لا يرجى بيانه فما هذا الذي يبينه النبي صلى الله عليه وسلم؟
وعن الرابع: بالتزام أن إضافة أم إلى (الكتاب) على معنى في، والمحكم أم في (الكتاب) ولكن لا للمتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه بل هو أم وأصل في فهم العبادات الشرعية كوجوب معرفته وتصديق رسله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وعلى تقدير القول بأن الإضافة لامية يلتزم الأمومة للكتاب باعتبار بعضه وهو الواسطة بين القسمين لأن متضح الدلالة كثيرا ما يرجع إليه في خفيها مما لم يصل إلى حد الاستئثار.
وعن الخامس: بأن التأويل الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس لا يتعين حمله على تأويل ما اختص علمه به تعالى بل يجوز حمله على تفسير ما يخفى تفسيره من القسم المتردد بين الأمرين اللذين ذكرهما
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب كما ذكره.
وعن السادس: بأن الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال: «أنا ممن يعلم تأويله» معارضة بما هو أصح منها بدرجات فتسقط عن درجة الاعتبار، وعلى تقدير تسليم اعتبارها يمكن أن يقال: مراده رضي الله تعالى عنه أنا ممن يعلم تأويله أي المتشابه في الجملة حسبما دعا لي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا وإن قيل: إنه متشابه لكنه في الحقيقة واسطة بين المحكم والمتشابه بالمعنى المراد.
وعن السابع: بأن مدح الراسخين بالتذكر ليس لأن لهم حظا في معرفته بل لأنهم اتعظوا فخالفوا هواهم ووقفوا عند ما حد لهم مولاهم ولم يسلكوا مسلك الزائغين ولم يخوضوا مع الخائضين، ويمكن على بعد أن يراد بالتذكر الانتفاع مجازا أي إن الراسخين هم الذين ينتفعون به حيث يؤمنون به لخلوص عقولهم عن غشاوة الهوى كما أنهم آمنوا بالغيب وهذا بخلاف الزائغين حيث صار المتشابه ضررا عليهم ووبالا لهم إذ ضلوا فيه كثيرا وأضلوا عن سواء السبيل، وقد قال سبحانه من قبل فيما ضربه من المثل:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين .
وعن الثامن: بأنه لا بعد في أن يخاطب الله تعالى عباده بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته ويكون ذلك من باب الابتلاء كما ابتلى سبحانه عباده بتكاليف كثيرة وعبادات وفيرة لم يعرف أحد حقيقة السر فيها، والسر في هذا الابتلاء قص جناح العقل وكسر سورة الفكر وإذهاب عجب طاوس النفس ليتوجه القلب بشراشره تجاه كعبة العبودية ويخضع تحت سرادقات الربوبية ويعترف بالقصور ويقر بالعجز عن الوصول إلى ما في هاتيك القصور وفي
[ ص: 87 ] ذلك غاية التربية ونهاية المصلحة هذا إذا أريد بما لا سبيل لأحد من الخلق إلى معرفته ما لا سبيل لأحد منهم إلى معرفته من طريق الفكر، وأما إذا أريد ما لا سبيل إلى معرفته مطلقا سواء كانت على الإجمال أو التفصيل بالوحي أو بالإلهام لنبي أو لولي فوجود مثل هذا المخاطب به في القرآن في حيز المنع، ولعل القائل بكون المتشابه مما استأثر الله تعالى بعلمه لا يمنع تعليمه للنبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الوحي مثلا ولا إلقاءه في روع الولي الكامل مفصلا لكن لا يصل إلى درجة الإحاطة كعلم الله تعالى وإن لم يكن مفصلا فلا أقل من أن يكون مجملا، ومنع هذا وذاك مما لا يكاد يقول به من يعرف رتبة النبي صلى الله عليه وسلم ورتبة أولياء أمته الكاملين وإنما المنع من الإحاطة ومن معرفته على سبيل النظر والفكر وهو الطريق المعتاد والسبيل المسلوك في معرفة المشكلات واستحصال النظريات ولتبادر هذا المعنى من يعلم إذا أسند إلى الراسخين منع إسناده إليهم، ومتى أريد منه العلم لا من طريق الفكر صح الإسناد وجاز العطف ولكن دون توهم هذه الإرادة من ظاهر الكلام خرط القتاد، فلهذا شاع القول بعدم العطف وكان القول به أسلم.
ويؤيد ما قلنا ما ذكره الإمام الشعراني قال: أخبرني شيخنا علي الخواص قدس سره إن الله تعالى أطلعه على معاني سورة الفاتحة فخرج منها مائتي ألف علم وأربعين ألف علم وتسعمائة وتسعين علما، وكان يقول: لا يسمى عالما أي عند أهل الله تعالى إلا من عرف كل لفظ جاءت به الشريعة، وقال في «الكشف» في نحو (ق) ، (ص) ، (حم) ، (طس) : لعل إدراك ما تحته عند أهله كإدراكنا للأوليات ولا يستبعد، ففيض الباري عم نواله غير محصور; واستعداد الإنسان الكامل عن القبول غير محسور، ومن لم يصدق إجمالا بأن وراء مدركات الفكرة ومباديها طورا أو أطوارا حظ العقل منها حظ الحس من المعقولات فهو غير متخلص عن مضيق التعطيل أو التشبيه وإن لم يتدارك حاله بقي بعد كشف الغطاء في هذا التيه، ولتتحقق من هذا أن المراتب مختلفة وأن الإحاطة على الحقائق الإلهية كما هي مستحيلة إلا للباري جل ذكره وأنه لا بد للعارف وإن وصل إلى أعلى المراتب أن يبقى له ما يجب الإيمان به غيبا وهو من المتشابه الذي يقول الراسخون فيه:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7آمنا به كل من عند ربنا فهذا ما يجب أن يعتقد كي لا يلحد.
ثم اعلم أن كثيرا من الناس جعل الصفات النقلية من الاستواء واليد والقدم والنزول إلى السماء الدنيا والضحك والتعجب وأمثالها من المتشابه، ومذهب السلف والأشعري رحمه الله تعالى من أعيانهم كما أبانت عن حاله " الإبانة " أنها صفات ثابتة وراء العقل ما كلفنا إلا اعتقاد ثبوتها مع اعتقاد عدم التجسيم والتشبيه لئلا يضاد النقل العقل، وذهب الخلف إلى تأويلها وتعيين مراد الله تعالى منها فيقولون: الاستواء مثلا بمعنى الاستيلاء والغلبة، وذلك أثر من آثار بعض الصفات الثمانية التي ليس لله تعالى عندهم وراءها صفة حتى ادعى السكوتي وليته سكت أن ما وراء ذلك ممتنع إذ لا يلزم من نفيه محال وكل ما لا يلزم من نفيه محال لا يكون واجبا، والله تعالى لا يتصف إلا بواجب، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14579الشعراني في «الدرر المنثورة» أن مذهب السلف أسلم وأحكم إذ المؤول انتقل عن شرح الاستواء الجسماني على العرش المكاني بالتنزيه عنه إلى التشبيه السلطاني الحادث وهو الاستيلاء على المكان فهو انتقال عن التشبيه بمحدث ما إلى التشبيه بمحدث آخر فما بلغ عقله في التنزيه مبلغ الشرع فيه في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ألا ترى أنه استشهد في التنزيه العقلي في الاستواء بقول شاعر:
[ ص: 88 ] قد استوى بشر على العراق من غير حرب ودم مهراق
وأين استواء بشر على العراق من استواء الرحمن على العرش، ونهاية الأمر يحتاج إلى القول بأن المراد استيلاء يليق بشأن الرحمن جل شأنه فليقل من أول الأمر قبل تحمل مؤنة هذا التأويل استواء يليق بشأن من عز شأنه وتعالى عن إدراك العقول سلطانه، وهذا أليق بالأدب وأوفق بكمال العبودية وعليه درج صدر الأمة وساداتها وإياها اختار أئمة الفقهاء وقاداتها وإليها دعا أئمة الحديث في القديم والحديث حتى قال
محمد بن الحسن كما أخرجه عنه
اللكائي: اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالصفات من غير تفسير ولا تشبيه، وورد عن
سليمان بن يسار أن رجلا يقال له
صبيغ قدم
المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وقد أعد له عراجين النخل فقال: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله
صبيغ فأخذ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عرجونا من تلك العراجين فضربه حتى أدمى رأسه، وفي رواية فضربه بالجريد حتى ترك ظهره دبره ثم تركه حتى برئ ثم عاد إليه ثم تركه حتى برئ فدعا به ليعود، فقال: إن كنت تريد قتلتي فاقتلني قتلا جميلا، فأذن له إلى أرضه وكتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري أن لا يجالسه أحد من المسلمين.
لا يقال إن تركت أمثال هذه المتشابهات على ظواهرها دلت على التجسيم، وإن لم ترد ظواهرها فقد أولت لأن التأويل على ما قالوا: إخراج الكلام عن ظاهره، لأنا نقول: نختار الشق الثاني ولا نسلم أن التأويل إخراج الكلام عن ظاهره مطلقا بل إخراجه إلى معنى معين معلوم كما يقال الاستواء مثلا بمعنى الاستيلاء على أن للتأويل معنيين مشهورين لا يصدق شيء منهما على نفي الظاهر من غير تعيين للمراد، أحدهما: ترجمة الشيء وتفسيره الموضح له، وثانيهما: بيان حقيقته وإبرازها إما بالعلم أو بالعقل، فإن من قال: بعد التنزيه لا أدري من هذه المتشابهات سوى أن الله تعالى وصف بها نفسه وأراد منها معنى لائقا بجلاله جل جلاله، ولا أعرف ذلك المعنى لم يقل في حقه أنه ترجم وأوضح ولا بين الحقيقة وأبرز المراد حتى يقال إنه أول، ومن أمعن النظر في مأخذ التأويل لم يشك في صحة ما قلنا.
نعم ذهبت شرذمة قليلة من السلف إلى إبقاء نحو المذكورات على ظواهرها إلا أنهم ينفون لوازمها المنقدحة للذهن الموجبة لنسبة النقص إليه عز شأنه ويقولون: إنما هي لوازم لا يصح انفكاكها عن ملزوماتها في صفاتنا الحادثة، وأما في صفات من ليس كمثله شيء فليست بلوازم في الحقيقة ليكون القول بانفكاكها سفسطة، وأين التراب من رب الأرباب، وكأنهم إنما قالوا ذلك ظنا منهم أن قول الآخرين من السلف تأويل، والراسخون في العلم لا يذهبون إليه، أو أنهم وجدوا بعض الآثار يشعر بذلك مثل ما حكى
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل nindex.php?page=showalam&ids=15097والكلبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في " استوى " أنه بمعنى استقر، وما أخرجه
أبو القاسم من طريق
قرة بن خالد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن عن أمه عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى أنها قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به من الإيمان والجحود به كفر.
وقريب من هذا القول ما يصرح به كلام كثير من ساداتنا الصوفية فإنهم قالوا: إن هذه المتشابهات تجرى على ظواهرها مع القول بالتنزيه الدال عليه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء حيث إن وجود الحق تعالى شأنه لا تقيده الأكوان وإن تجلى فيما شاء منها إذ له كمال الإطلاق حتى عن قيد الإطلاق، ولا يخفى أن إجراء المتشابهات على ظاهرها مع التنزيه اللائق بجلال ذاته سبحانه طور مما وراء طور العقل وبحر لا يسبح فيه إلا من فاز بقرب النوافل.
وذكر بعض أئمة التدقيق أن العقل سبيله في العلم بالصفات الثمانية المشهورة كعلمه بتلك الصفات التي يدعي الخلف رجوعها إليها إذا أحد النظر، فقد قام البرهان وشاهد العيان على عدم المماثلة ذاتا وصفات أيضا
[ ص: 89 ] لكن صفاته المتعالية وأسماءه الحسنى قسمان، قسم يناسب ما عندنا من الصفات نوع مناسبة وإن كانت بعيدة، ولا يقال: فلا بد فيه في أفهامنا معاشر الناقصين من أن يسمى بتلك الأسماء المشتهرة عندنا فيسمى علما مثلا لا دواة ولا قلما وقسم ليس كذلك وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=684373 " أو استأثرت به في علم الغيب عندك "، فقد يذكر له أسماء مشوقة لأن منه ما للإنسان الكامل منه نصيب بطريق التخلق والتحقق فيذكر تارة اليد والنزول والقدم ونحو ذلك من المخيلات مع العلم البرهاني والشهود الوجداني بتنزهه تعالى عن كل كمال يتصوره الإنسان ويحيط به فضلا عن النقصان، فيعلم أنه أشار إلى ذلك القسم الذي علم بالإجمال، ويتوجه إذ ذاك بكليته شطر كعبة الجلال والجمال فيفاض عليه من ينبوع الكمال ما يستأنس عنده وينكشف له جلية الحال، وإذ ليس له مناسبة بما عندنا لا توجد عبارة يترجم عنها إلا على سبيل الخيال، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام:
" من عرف الله تعالى كل لسانه "، وأخرى بين مقصد الكل ومن أحبه سبحانه ما يصان عن تهمة إدراك الأغيار من نحو تلك الفواتح، ولعل إدراكها عند أهلها كإدراك الأوليات إلا أنه لا إحاطة بل لا بد من بقاء شيء كما أشير إليه، وعلى هذا أيضا الأليق أن يوقف لأنه شعار من لنا فيهم الأسوة الحسنة مع ظهور وجهه لكن لا تجعل الآية حجة على من تأول نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67والأرض جميعا قبضته يوم القيامة مثلا إذ لا يسلم أنه داخل في ذلك المتشابه والحمل على المجاز الشائع في كلام
العرب والكناية البالغة في الشهرة مبلغ الحقيقة أظهر من الحمل على معنى مجهول، نعم لو قيل: إن تصوير العظمة على هذا الوجه دال على أن العقل غير مستقل بإدراكها وأنها أجل من أن تحيط بها العقول، فالكنه من المتشابه الذي دلت الآية عليه ويجب الإيمان به كان حسنا، وجمعا بين ما عليه السلف ومشى عليه الخلف وهو الذي يجب أن يعتقد كيلا يلزم ازدراء بأحد الفريقين كما فعل
ابن القيم، حتى قال: لام الأشعرية كنون اليهودية أعاذنا الله تعالى من ذلك، وعلى هذا يجب أن يفسر المتشابه في الآية بما يعم القسمين، والمحكم (أم) يرجع إليه في تمييز القسمين أحدهما: فرعه الإيماني، والثاني: فرعه الإيقاني،
وابن دقيق العيد توسط في مسألة التأويل، ويحتمل أنه لم يخرج ما قاله هذا المدقق أخيرا من المتشابه، فقال: إذا كان التأويل قريبا من لسان
العرب لم ينكر أو بعيدا توقفنا عنه وآمنا بمعناه على الوجه الذي أريد به مع التنزيه وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهرا معهودا من تخاطب
العرب قلنا به من غير توقف كما في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله فنحمله على حق الله تعالى وما يجب له فليفهم هذا المقام فكم زلت فيه أقوام بعد أقوام.
nindex.php?page=treesubj&link=18467_28739_28911_29786_31011_32109_32238_32410_34091_34230_34236_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ اِسْتِئْنَافٌ لِإِبْطَالِ شُبَهِ الْوَفْدِ وَإِخْوَانِهِمُ النَّاشِئَةِ عَمَّا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي نَعْتِ
الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِثْرَ بَيَانِ اِخْتِصَاصِ الرُّبُوبِيَّةِ وَمَنَاطِهَا بِهِ سُبْحَانَهُ، قِيلَ: إِنَّ الْوَفْدَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ
عِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرُوحٌ مِنْهُ؟ قَالَ: بَلَى قَالُوا: فَحَسْبُنَا ذَلِكَ (فَنَعَى سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ زَيْغَهُمْ) وَفِتْنَتَهُمْ وَبَيَّنَ أَنَّ الْكِتَابَ مُؤَسَّسٌ عَلَى أُصُولٍ رَصِينَةٍ وَفُرُوعٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَيْهَا نَاطِقَةٍ بِالْحَقِّ قَاضِيَةٍ بِبُطْلَانِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، كَذَا قِيلَ وَمِنْهُ يُعْلَمُ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ الْآيَةِ لِمَا قَبْلَهَا، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا الْأَثَرَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ فِي " الصِّحَاحِ " وَلَا سَنَدٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا، وَقُصَارَى مَا وُجِدَ عَنِ
الرَّبِيعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ الْآتِي الْوَفْدُ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَثَرَ بِعَيْنِهِ أَخْرَجَهُ فِي «اَلدُّرِّ الْمَنْثُورِ» عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11970أَبِي حَاتِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنِ جَرِيرٍ عَنِ
الرَّبِيعِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ:
أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، وَذَلِكَ حِينَ مَرَّ أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ (فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ لِرَسُولِ) اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَةَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [1-2] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ فَأَتَى أَخَاهُ حَيِيَّ بْنَ أَخْطَبَ فِي رِجَالٍ مِنْ يَهُودَ فَقَالَ: أَتَعْلَمُونَ وَاَللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَمَشَى حَتَّى وَافَى أُولَئِكَ النَّفَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّكَ تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ ؟ فَقَالَ: بَلَى فَقَالَ: لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَكَ أَنْبِيَاءَ مَا نَعْلَمُهُ بَيَّنَ لِنَبِيٍّ مِنْهُمْ مَا مُدَّةُ مُلْكِهِ وَمَا أَجَلُ أُمَّتِهِ غَيْرَكُ، الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ فَهَذِهِ إِحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ (المص) قَالَ: هَذِهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ، الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللَّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ وَالصَّادُ تِسْعُونَ فَهَذِهِ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَةً هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ (الر) قَالَ: هَذِهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ هَلْ مَعَ هَذَا غَيْرُهُ؟ قَالَ: بَلَى (المر) قَالَ: هَذِهِ أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ لَبَسَ عَلَيْنَا أَمْرُكَ حَتَّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا أَعْطَيْتَ أَمْ كَثِيرًا، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا ثُمَّ قَالَ أَبُو يَاسِرٍ لِأَخِيهِ وَمَنْ مَعَهُ: وَمَا يُدْرِيكُمْ لَعَلَّهُ لَقَدْ جَمَعَ هَذَا كُلَّهُ لِمُحَمَّدٍ؟ فَقَالُوا: لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ».
وَقَدْ أَخْرَجَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي «اَلتَّارِيخِ»
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا إِلَّا أَنَّ فِيهِ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِيهِمْ وَهُوَ مُؤْذِنٌ بِعَدَمِ الْجَزْمِ بِذَلِكَ وَمَعَ هَذَا يُبْعِدُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِي شَأْنِ أُولَئِكَ الْوَفْدِ مِنْ مَصْدَرِ آلِ عِمْرَانَ إِلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً» وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِغْمَاضِ عَنْ هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ اِتِّصَالِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا أَنَّ فِي الْمُتَشَابِهِ خَفَاءً كَمَا أَنَّ تَصْوِيرَ مَا فِي الْأَرْحَامِ كَذَلِكَ أَوْ أَنَّ فِي هَذِهِ تَصْوِيرَ الرُّوحِ بِالْعِلْمِ وَتَكْمِيلَهُ بِهِ وَفِيمَا قَبْلَهَا تَصْوِيرُ الْجَسَدِ وَتَسْوِيَتُهُ فَلَمَّا أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَصْوِيرًا وَتَكْمِيلًا فِي الْجُمْلَةِ نَاسَبَ
[ ص: 80 ] ذِكْرَهُ مَعَهُ، وَلَمَّا أَنَّ بَيْنَ التَّصْوِيرِ الْحَقِيقِيِّ الْجُسْمَانِيِّ وَاَلَّذِي لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ مِنَ الرُّوحَانِيِّ مِنَ التَّفَاوُتِ وَالتَّبَايُنِ تُرِكَ الْعَطْفُ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مِنْهُ آيَاتٌ الظَّرْفُ فِيهِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَ (آيَاتٌ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ: بِأَنَّهُ الْأَوْفَقُ بِقَوَاعِدِ الصِّنَاعَةِ، وَالثَّانِي: بِأَنَّهُ أَدْخَلُ فِي جَزَالَةِ الْمَعْنَى إِذِ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ اِنْقِسَامُ الْكِتَابِ إِلَى الْقِسْمَيْنِ الْمَعْهُودَيْنِ لَا كَوْنُهُمَا مِنَ الْكِتَابِ، وَالْجُمْلَةُ إِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ أَوْ فِي حَيِّزِ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ مِنَ الْكِتَابِ أَيْ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ كَائِنًا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْ مُنْقَسِمًا إِلَى مُحْكَمٍ وَغَيْرِهِ، أَوِ الظَّرْفُ وَحْدَهُ حَالٌ وَ (آيَاتٌ) مُرْتَفِعٌ بِهِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مُحْكَمَاتٌ صِفَةُ (آيَاتٌ) أَيْ وَاضِحَةُ الْمَعْنَى ظَاهِرَةُ الدَّلَالَةِ مَحْكَمَةُ الْعِبَارَةِ مَحْفُوظَةٌ مِنَ الِاحْتِمَالِ وَالِاشْتِبَاهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ أَيْ أَصْلُهُ وَالْعُمْدَةُ فِيهِ يُرَدُّ إِلَيْهَا غَيْرُهَا،
وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ جَامِعٍ يَكُونُ مَرْجِعًا أَمَا وَالْجُمْلَةُ إِمَّا صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهَا أَوْ مُسْتَأْنَفَةٌ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْأُمَّ مَعَ أَنَّ الْآيَاتِ مُتَعَدِّدَةٌ لِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ أَصْلِيَّةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَوْ بَيَانُ أَنَّ الْكُلَّ بِمَنْزِلَةِ آيَةٍ وَاحِدَةٍ " وَأُخَرُ " نَعْتٌ لِمَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى (آيَاتٌ) أَيْ وَآيَاتٌ أُخَرُ وَهِيَ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14374الرَّضِيُّ: جَمْعُ أُخْرَى الَّتِي هِيَ مُؤَنَّثُ آخَرَ وَمَعْنَاهُ فِي الْأَصْلِ أَشَدُّ تَأَخُّرًا فَمَعْنَى جَاءَنِي زَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ جَاءَنِي زَيْدٌ وَرَجُلٌ أَشَدُّ تَأَخُّرًا مِنْهُ فِي مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى مَعْنَى غَيْرِهِ فَمَعْنَى رَجُلٌ آخَرُ رَجُلٌ غَيْرُ زَيْدٍ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، فَلَا يُقَالُ: جَاءَنِي زَيْدٌ وَحِمَارٌ آخَرُ وَلَا اِمْرَأَةٌ أُخْرَى، وَلَمَّا خَرَجَ عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ اُسْتُعْمِلَ مِنْ دُونِ لَوَازِمِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، أَعْنِي مِنْ وَالْإِضَافَةَ وَاللَّامَ وَطُوبِقَ بِالْمُجَرَّدِ عَنِ اللَّامِ وَالْإِضَافَةِ مَا هُوَ لَهُ نَحْوَ: رَجُلَانِ آخَرَانِ وَرِجَالٌ آخَرُونَ وَاِمْرَأَةٌ أُخْرَى وَاِمْرَأَتَانِ أُخْرَيَانِ وَنِسْوَةٌ أُخَرُ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِأَنَّهُ وَصْفٌ مَعْدُولٌ عَنِ الْآخَرِ، قَالُوا: لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَنْ لَا يُجْمَعَ إِلَّا مَقْرُونًا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ فَعُدِلَ عَنْ أَصْلِهِ وَأُعْطِيَ مِنَ الْجَمْعِيَّةِ مُجَرَّدًا مَا لَا يُعْطَى غَيْرُهُ إِلَّا مَقْرُونًا، وَقِيلَ: الدَّلِيلُ عَلَى عَدْلِ (أُخَرَ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ مِنَ الْمُقَدَّرَةِ كَمَا فِي (اَللَّهُ أَكْبَرُ) لَلَزِمَ أَنْ يُقَالَ بِنِسْوَةٍ آخَرَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ مَا دَامَ بِمِنْ ظَاهِرَةٍ أَوْ مُقَدَّرَةٍ لَا يَجُوزُ مُطَابَقَتُهُ لِمَنْ هُوَ لَهُ بَلْ يَجِبُ إِفْرَادُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِتَقْدِيرِ الْإِضَافَةِ لِأَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ لَا يُحْذَفُ إِلَّا مَعَ بِنَاءِ الْمُضَافِ، أَوْ مَعَ سَادٍّ مَسَدَّ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَوْ مَعَ دَلَالَةِ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ تَابِعُ الْمُضَافِ أَخْذًا مِنَ اِسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِمْ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ اللَّامَ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12095أَبُو عَلِيٍّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْرِفَةً كَسُحَرَ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الْمَعْدُولِ عَنْ شَيْءٍ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُخْرِجَ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ وَمَا هُوَ الْقِيَاسُ فِيهِ إِلَى صِيغَةٍ أُخْرَى، نَعَمْ قَدْ تُقْصَدُ إِرَادَةُ تَعْرِيفِهِ بَعْدَ النَّقْلِ إِمَّا بِأَلِفٍ وَلَامٍ يُضْمَنُ مَعْنَاهَا فَيُبْنَى، أَوْ إِمَّا بِعِلْمِيَّةٍ كَمَا فِي سُحَرَ فَيُمْنَعُ مِنَ الصَّرْفِ، وَلَمَّا لَمْ يُقْصَدُ فِي (أُخَرُ) إِرَادَةُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ أُعْرِبَ، وَلَا يَصِحُّ إِرَادَةُ الْعَلَمِيَّةِ لِأَنَّهَا تُضَادُّ الْوَصْفِيَّةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهُ. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042اِبْنُ جِنِّيٍّ: إِنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ آخَرَ مَنْ، وَزَعَمَ
اِبْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ التَّحْقِيقُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ
أَبِي حَيَّانَ اِخْتِيَارُهُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَا لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ .
وَوَصَفَ (أُخَرُ) بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مُتَشَابِهَاتٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مُحْتَمِلَاتٌ لِمَعَانٍ مُتَشَابِهَاتٍ لَا يَمْتَازُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فِي اِسْتِحْقَاقِ الْإِرَادَةِ وَلَا يَتَّضِحُ الْأَمْرُ إِلَّا بِالنَّظَرِ الدَّقِيقِ، وَعَدَمُ الِاتِّضَاحِ قَدْ يَكُونُ لِلِاشْتِرَاكِ أَوْ لِلْإِجْمَالِ، أَوْ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ التَّشْبِيهُ فَالْمُتَشَابِهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَصْفٌ لِتِلْكَ الْمَعَانِي وَصَفَ بِهِ الْآيَاتِ عَلَى طَرِيقَةِ وَصْفِ الدَّالِّ بِمَا هُوَ وَصْفٌ لِلْمَدْلُولِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إِنَّ وَاحِدَ مُتَشَابِهَاتٍ مُتَشَابِهَةٌ،
[ ص: 81 ] وَوَاحِدَ (أُخَرَ) أُخْرَى، وَالْوَاحِدُ هُنَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِهَذَا الْوَاحِدِ فَلَا يُقَالُ: أُخْرَى مُتَشَابِهَةٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْوَاحِدَةِ يُشْبِهُ بَعْضًا وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ آيَةٍ تُشْبِهُ آيَةً أُخْرَى، فَكَيْفَ صَحَّ وَصْفُ الْجَمْعِ بِهَذَا الْجَمْعِ وَلَمْ يَصِحَّ وَصْفُ مُفْرَدِهِ بِمُفْرَدِهِ؟! وَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا تُكُلِّفَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ وَصْفِ الْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ صِحَّةُ بَسْطِ مُفْرَدَاتِ الْأَوْصَافِ عَلَى أَفْرَادِ الْمَوْصُوفَاتِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْإِسْنَادِ إِلَيْهِمَا صِحَّةُ إِسْنَادِهِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ كَمَا فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ إِذِ الرَّجُلُ لَا يَقْتَتِلُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِ الْأُمُورِ الْمُتَشَابِهَةِ أَنْ يَعْجِزَ الْعَقْلُ عَنِ التَّمْيِيزِ بِهَا سُمِّيَ كُلُّ مَا لَا يَهْتَدِي الْعَقْلُ إِلَيْهِ مُتَشَابِهًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِسَبَبِ التَّشَابُهِ كَمَا أَنَّ الْمُشْكِلَ فِي الْأَصْلِ مَا دَخَلَ فِي أَشْكَالِهِ وَأَمْثَالِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ غَامِضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُمُوضُهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْمُتَشَابِهُ مَجَازًا أَوْ كِنَايَةً عَمَّا لَا يَتَّضِحُ مَعْنَاهُ مَثَلًا فَيَكُونُ السُّؤَالُ مُغَالَطَةً غَيْرَ وَارِدَةٍ رَأْسًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ .
وَتَقْسِيمُ الْكِتَابِ إِلَيْهِمَا مِنْ تَقْسِيمِ الْكُلِّ إِلَى أَجْزَائِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكِتَابِ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَلَامُهُ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ، وَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْكِتَابِ الثَّانِي الْمُضَافُ إِلَيْهِ أُمُّ الْأَوَّلِ الْوَاقِعِ مُقَسَّمًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ حَدِيثُ إِعَادَةُ الشَّيْءِ مَعْرِفَةٌ وَيَكُونُ وَضْعُ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ اِعْتِنَاءً بِشَأْنِ الْمُظْهَرِ وَتَفْخِيمًا لَهُ وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي كَمَا فِي وَاحِدِ الْعَشَرَةِ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الشَّيْءِ أَصْلًا لِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِمَّا بَيْنُ الدَّفَّتَيْنِ أَصْلٌ فِيمَا بَيْنُ الدَّفَّتَيْنِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ، وَاعْتِبَارُ ظَرْفِيَّةِ الْكُلِّ لِلْجُزْءِ يَدْفَعُ تَوَهُّمَ لُزُومِ ظَرْفِيَّةِ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ بَيْنَ الْمُتَضَايِفَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ التَّقْدِيرُ أَمُّ بَعْضِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ بَقِيَ فِيهِ الْكِتَابُ عَلَى حَالِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ فَإِنَّهُ كَالْقُرْآنِ يُطْلَقُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَجْمُوعِ وَبَيْنَ كُلِّ بَعْضٍ مِنْهُ لَهُ بِهِ نَوْعُ اِخْتِصَاصٍ كَمَا بُيِّنَ فِي الْأُصُولِ، وَيُرَادُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَا هُوَ فِي ضِمْنِ الْآيَاتِ الْمُتَشَابِهَاتِ فَاللَّامُ حِينَئِذٍ لِلْجِنْسِ وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ الْإِعَادَةِ إِذْ هُوَ أَصْلٌ كَثِيرًا مَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ كَوْنُ الشَّيْءِ أُمًّا لِنَفْسِهِ أَصْلًا وَلَا أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الْإِضْمَارِ لِيُحْتَاجَ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ، وَبَعْضُ فُضَلَاءِ الْعَصْرِ الْعَاصِرِينَ حُمَيَّا الْعِلْمِ مِنْ كَرَمِ أَذْهَانِهِمِ الْكَرِيمَةِ أَحْسَنَ عَصْرٍ جَوَّزَ كَوْنَ الْإِضَافِيَّةِ لَامِيَّةً، وَ (اَلْكِتَابِ) الْمُضَافُ إِلَيْهِ هُوَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ وَمَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ أُمًّا لِنَفْسِهِ وَأَصْلًا لَهَا لَا يَضُرُّ لِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارِ فَإِنَّ أُمُومَتَهُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ بِاعْتِبَارِ رَدِّهِ إِلَيْهِ وَإِرْجَاعِهِ لَهُ وَأُمُومَتِهِ لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اِحْتِيَاجِهِ لِظُهُورِ مَعْنَاهُ إِلَى شَيْءٍ سِوَى نَفْسِهِ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ الْأُمَّ إِنْ كَانَتْ فِي كِلَا الِاعْتِبَارَيْنِ حَقِيقَةً لَزِمَ اِسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرِكِ فِي مَعْنَيَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي كِلَيْهِمَا مَجَازًا لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مَجَازِيَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةً فِي الْأَصْلِ بِاعْتِبَارِ مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ غَيْرُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ بَعْضِ عِبَارَاتِهِمْ مَجَازًا فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْمُسْتَغْنِي عَنْ غَيْرِهِ لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَلَا مَخْلَصَ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِارْتِكَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ، هَذَا وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ التَّقْسِيمُ إِلَى الْقِسْمَيْنِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنْ تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إِلَى جُزْئِيَّاتِهِ فَ (أَلْ) فِي الْكِتَابِ لِلْجِنْسِ أَوَّلًا وَآخِرًا إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْكِتَابِ فِي الْأَوَّلِ الْمَاهِيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَمَا هُوَ الْأَمْرُ الْمَعْرُوفُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّقْسِيمِ، وَفِي الثَّانِي الْمَاهِيَّةُ بِاعْتِبَارِ تَحَقُّقِهَا فِي ضِمْنِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنَ الثَّانِي أَيْضًا مَجْمُوعُ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَالْكَلَامُ فِيهِ حِينَئِذٍ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ، قِيلَ: وَقُصَارَى مَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ بَعْدَ تَحَمُّلِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ صِدْقُ الْكِتَابِ عَلَى الْأَبْعَاضِ وَهُوَ
[ ص: 82 ] مِمَّا لَا يَتَحَاشَى مِنْهُ بَلْ هُوَ غَرَضُ مَنْ فَسَّرَ الْكِتَابَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْعِنَايَةِ، فَتَدَبَّرْ.
وَذَهَبَ سَادَاتُنَا الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُحْكَمَ الْوَاضِحَ الدَّلَالَةِ الظَّاهِرَ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ، وَالْمُتَشَابِهَ الْخَفِيَّ الَّذِي لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ عَقْلًا وَلَا نَقْلًا وَهُوَ مَا اِسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ كَقِيَامِ السَّاعَةِ وَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ; وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ الْفَرَائِضِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْمُتَشَابِهُ الْقِصَصِ وَالْأَمْثَالِ، أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ
عَلِيِّ اِبْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْمُحْكَمَاتُ نَاسِخُهُ وَحَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَحُدُودُهُ وَفَرَائِضُهُ، وَالْمُتَشَابِهَاتُ مَا يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ، وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14907الْفِرْيَابِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ قَالَ الْمُحْكَمَاتُ مَا فِيهِ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مُتَشَابِهٌ، وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16531عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضَّحَّاكِ قَالَ الْمُحْكَمَاتُ مَا لَمْ يُنْسَخْ وَالْمُتَشَابِهَاتُ مَا قَدْ نُسِخَ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15151الْمَاوَرْدِيُّ: nindex.php?page=treesubj&link=28911الْمُحْكَمُ مَا كَانَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، وَالْمُتَشَابِهُ بِخِلَافِهِ كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَاخْتِصَاصِ الصِّيَامِ بِرَمَضَانَ دُونَ شَعْبَانَ، وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ أَلْفَاظُهُ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا يُقَابِلُهُ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ هُنَا وَإِلَّا فَقَدَ يُطْلَقُ الْمُحْكَمُ بِمَعْنَى الْمُتْقَنِ النَّظْمِ، وَالْمُتَشَابِهُ عَلَى مَا يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْبَلَاغَةِ، وَهُمَا بِهَذَا الْمَعْنَى يُطْلَقَانِ عَلَى جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَعَلَى ذَلِكَ خَرَجَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=1الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أَيْ عُدُولٌ عَنِ الْحَقِّ وَمَيْلٌ عَنْهُ إِلَى الْأَهْوَاءِ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: ((اَلزَّيْغُ الْمَيْلُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ إِلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ)) وَزَاغَ وَزَالَ وَمَالَ مُتَقَارِبَةٌ لَكِنْ زَاغَ لَا يُقَالُ إِلَّا فِيمَا كَانَ عَنْ حَقٍّ إِلَى بَاطِلٍ وَمَصْدَرُهُ زَيْغٌ وَزَيْغُوغَةٌ وَزَيَغَانٌ وَزُيُوغٌ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْصُولِ نَصَارَى
نَجْرَانَ أَوِ الْيَهُودُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: مُنْكِرُو الْبَعْثِ، وَقِيلَ: الْمُنَافِقُونَ، وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=481أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمُ
الْخَوَارِجُ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ الْعُمُومُ لِسَائِرِ مَنْ زَاغَ عَنِ الْحَقِّ فَلْيُحْمَلْ مَا ذُكِرَ عَلَى بَيَانِ بَعْضِ مَا صَدَّقَ عَلَيْهِ الْعَامُّ دُونَ التَّخْصِيصِ، وَفِي جَعْلِ قُلُوبِهِمْ مَقَرًّا لِلزَّيْغِ مُبَالَغَةٌ فِي عُدُولِهِمْ عَنْ سُنَنِ الرَّشَادِ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى الشَّرِّ وَالْفَسَادِ. وَزَيْغٌ مُبْتَدَأٌ أَوْ فَاعِلٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ أَيْ يَتَعَلَّقُونَ بِذَلِكَ وَحْدَهُ بِأَنْ لَا يَنْظُرُوا إِلَى مَا يُطَابِقُهُ مِنَ الْمُحْكَمِ وَيَرُدُّوهُ إِلَيْهِ وَهُوَ إِمَّا بِأَخْذِ ظَاهِرِهِ غَيْرِ الْمُرَادِ لَهُ تَعَالَى أَوْ أَخْذِ أَحَدِ بُطُونِهِ الْبَاطِلَةِ، وَحِينَئِذٍ يَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَيُظْهِرُونَ التَّنَاقُضَ بَيْنَ مَعَانِيهِ إِلْحَادًا مِنْهُمْ وَكُفْرًا وَيَحْمِلُونَ لَفْظَهُ عَلَى أَحَدِ مُحْتَمِلَاتِهِ الَّتِي تُوَافِقُ أَغْرَاضَهُمُ الْفَاسِدَةَ فِي ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ أَيْ طَلَبَ أَنْ يَفْتِنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ عَنْ دِينِهِمْ بِالتَّشْكِيكِ وَالتَّلْبِيسِ وَمُنَاقَضَةِ الْمُحْكَمِ بِالْمُتَشَابِهِ كَمَا نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15472الْوَاقِدِيِّ، وَطَلَبَ أَنْ يُؤَوِّلُوهُ حَسْبَمَا يَشْتَهُونَ، فَالْإِضَافَةُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7تَأْوِيلِهِ لِلْعَهْدِ أَيْ بِتَأْوِيلٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا لَمْ يُوَافِقِ الْمُحْكَمَ بَلْ مَا كَانَ مُوَافِقًا لِلتَّشَهِّي.
وَالتَّأْوِيلُ التَّفْسِيرُ كَمَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ: ((إِنَّهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَصْلِ وَمِنْهُ الْمَوْئِلُ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ وَذَلِكَ هُوَ رَدُّ الشَّيْءِ إِلَى الْغَايَةِ الْمُرَادَةِ مِنْهُ عِلْمًا كَانَ أَوْ فِعْلًا، وَمِنَ الْأَوَّلِ مَا ذُكِرَ هُنَا، وَمِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ:
وَلِلنَّوَى قَبْلَ يَوْمِ الْبَيْنِ تَأْوِيلُ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ أَيْ بَيَانُهُ الَّذِي هُوَ غَايَتُهُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا قِيلَ: أَحْسَنُ تَرْجَمَةً وَمَعْنًى، وَقِيلَ: أَحْسَنُ ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ)) اِنْتَهَى.
وَجُوِّزَ فِي هَاتَيْنِ الطَّلِبَتَيْنِ أَنْ تَكُونَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْزِيعِ بِأَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ طَلِبَةَ بَعْضٍ، وَابْتِغَاءَ التَّأْوِيلِ
[ ص: 83 ] حَسَبَ التَّشَهِّي طَلِبَةَ آخَرِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاتِّبَاعُ لِمَجْمُوعِ الطَّلِبَتَيْنِ وَهُوَ الْخَلِيقُ بِالْمُعَانِدِ لِأَنَّهُ لِقُوَّةِ عِنَادِهِ وَمَزِيدِ فَسَادِهِ يَتَشَبَّثُ بِهِمَا مَعًا وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ بِحَالِ الْجَاهِلِ لِأَنَّهُ مُتَحَيِّرٌ تَارَةً يَتْبِعُ ظَاهِرَهُ وَتَارَةً يُؤَوِّلُهُ بِمَا يَشْتَهِيهِ لِكَوْنِهِ فِي قَبْضَةِ هَوَاهُ يَتْبَعُهُ كُلَّمَا دَعَاهُ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ حَمَلَ الْفِتْنَةَ عَلَى الْمَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ سَمَّاهُ فِتْنَةً فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مُدَّعًى وَدَلِيلًا، وَفِي تَعْلِيلِ الِاتِّبَاعِ بِابْتِغَاءِ تَأْوِيلِهِ دُونَ نَفْسِ (تَأْوِيلِهِ) وَتَجْرِيدِ التَّأْوِيلِ عَنِ الْوَصْفِ بِالصِّحَّةِ وَالْحَقِّيَّةِ إِيذَانٌ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي عِيرٍ وَلَا نَفِيرٍ وَلَا قُبَيْلٍ وَلَا دُبَيْرٍ، وَأَنَّ مَا يَتَّبِعُونَهُ لَيْسَ بِتَأْوِيلٍ أَصْلًا لَا أَنَّهُ تَأْوِيلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ قَدْ يُعْذَرُ صَاحِبُهُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ (يَتَّبِعُونَ) بِاعْتِبَارِ الْعِلَّةِ الْأَخِيرَةِ أَيْ يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ لِابْتِغَاءِ تَأْوِيلِهِ، وَالْحَالُ أَنَّ التَّأْوِيلَ الْمُطَابِقَ لِلْوَاقِعِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ التَّعْبِيرُ بِالْعِلْمِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَخْصُوصٌ بِهِ سُبْحَانَهُ وَبِمَنْ وَفَّقَهُ عَزَّ شَأْنُهُ مِنْ عِبَادِهِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ أَيِ الَّذِينَ ثَبَتُوا وَتَمَكَّنُوا فِيهِ وَلَمْ يَتَزَلْزَلُوا فِي مَزَالِّ الْأَقْدَامِ وَمَدَاحِضِ الْأَفْهَامِ دُونَهُمْ حَيْثُ إِنَّهُمْ بِمَعْزِلٍ عَنْ تِلْكَ الرُّتْبَةِ هَذَا مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ فِي تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ، وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=13359اِبْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَزْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=939306 " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ فَقَالَ: مَنْ صَدَقَ حَدِيثُهُ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَعَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ فَذَلِكَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ " وَلَعَلَّ ذَلِكَ بَيَانُ عَلَامَتِهِمْ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُقْتَبَسُ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ أَهْلَهُ هُمُ الْمَمْدُوحُونَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ اِسْتِئْنَافٌ مُوَضِّحٌ لِحَالِ الرَّاسِخِينَ وَلِهَذَا فُصِّلَ، وَالنُّحَاةُ يُقَدِّرُونَ لَهُ مُبْتَدَأً دَائِمًا أَيْ هُمْ يَقُولُونَ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ وَلَمْ يُعْرَفْ وَجْهُ اِلْتِزَامِهِمْ لِذَلِكَ فَلْيُنْظَرْ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الرَّاسِخِينَ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُتَشَابِهِ وَعَدَمُ التَّعْرِيضِ لِإِيمَانِهِمْ بِالْمُحْكِمِ لِظُهُورِهِ وَإِنْ رَجَعَ إِلَى الْكِتَابِ فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا لِأَنَّ مَآلَهُ كُلٌّ مِنْ أَجْزَاءِ الْكِتَابِ أَوْ جُزْئِيَّاتِهِ وَذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنِ الْأَمْرَيْنِ، ثُمَّ هَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ لَمْ يَخُصَّ الرَّاسِخِينَ لَكِنَّ فِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِيمَانِ بِهِ أَنْ لَا يُسْلَكَ فِيهِ طَرِيقٌ لَا يَلِيقُ مِنْ تَأْوِيلِهِ عَلَى مَا مَرَّ فَكَأَنَّ غَيْرَهُمْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا مِنْ تَمَامِ مَقُولِهِمْ مُؤِكِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَمُقَرِّرٌ لَهُ، أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ وَمِنَ الْمُحْكَمِ أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مُتَشَابِهِهِ وَمُحْكَمِهِ مُنْزَلٌ مِنْ عِنْدِهِ تَعَالَى لَا مُخَالَفَةَ بَيْنِهِمَا، وَفِي التَّعْبِيرِ بِالرَّبِّ إِشَارَةٌ إِلَى سِرِّ إِنْزَالِ الْمُتَشَابِهِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ لِمَا أَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى التَّرْبِيَةِ وَالنَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَالْإِيصَالِ إِلَى مَعَارِجِ الْكَمَالِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا، وَقَدْ قَالُوا: إِنَّمَا أُنْزِلَ الْمُتَشَابِهُ لِذَلِكَ لِيَظْهَرَ فَضْلُ الْعُلَمَاءِ وَيَزْدَادَ حِرْصُهُمْ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي تَدَبُّرِهِ وَتَحْصِيلِ الْعُلُومِ الَّتِي نِيطَ بِهَا اِسْتِنْبَاطُ مَا أُرِيدَ بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ الْحَقِيقِيَّةِ فَيَنَالُوا بِذَلِكَ وَبِإِتْعَابِ الْقَرَائِحِ وَاسْتِخْرَاجِ الْمَقَاصِدِ الرَّائِقَةِ وَالْمَعَانِي اللَّائِقَةِ الْمَدَارِجِ الْعَالِيَةِ وَيَعْرُجُوا بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُحْكَمِ إِلَى رَفْرَفِ الْإِيقَانِ وَعَرْشِ الِاطْمِئْنَانِ وَيَفُوزُوا بِالْمَشَاهِدِ السَّامِيَةِ وَحِينَئِذٍ يَنْكَشِفُ لَهُمُ الْحِجَابُ وَيَطِيبُ لَهُمُ الْمَقَامُ فِي رِيَاضِ الصَّوَابِ، وَذَلِكَ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالْإِرْشَادِ أَقْصَى غَايَةٍ وَنِهَايَةٍ فِي رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ لَيْسَ وَرَاءَهَا نِهَايَةٌ.
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ [ 7 ] عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7يَقُولُونَ سِيقَ مِنْ جِهَتِهِ تَعَالَى مَدْحًا لِلرَّاسِخِينَ بِجَوْدَةِ الذِّهْنِ وَحُسْنِ النَّظَرِ لِمَا أَنَّهُمْ قَدْ تَجَرَّدَتْ عُقُولُهُمْ عَمَّا يَغْشَاهَا مِنَ الرُّكُونِ إِلَى الْأَهْوَاءِ الزَّائِغَةِ الْمُكَدِّرَةِ لَهَا وَاسْتَعَدُّوا إِلَى الِاهْتِدَاءِ إِلَى مَعَالِمِ الْحَقِّ وَالْعُرُوجِ إِلَى مَعَارِجِ الصِّدْقِ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى ذَلِكَ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ
[ ص: 84 ] الضَّمِيرِ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى (اَلرَّاسِخُونَ) وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَسَائِرُ مَنْ فَسَّرَ الْمُتَشَابِهَ بِمَا لَمْ يَتَّضِحْ مَعْنَاهُ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7إِلا اللَّهُ وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمُتَشَابِهَ مَا اِسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ، فَالرَّاسِخُونَ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7يَقُولُونَ خَبَرٌ عَنْهُ، وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِوُجُوهٍ: أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدُ بَيَانُ حَظِّ الرَّاسِخِينَ مُقَابِلًا لِبَيَانِ حَظِّ الزَّائِغِينَ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ فَيَقُولُونَ، وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي قَيْدِ الرُّسُوخِ بَلْ هَذَا حُكْمُ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ، وَأَمَّا ثَالِثًا: فَلِأَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ حِينَئِذٍ الْكِتَابُ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ (وَمِنْهُ مُتَشَابِهَاتٌ) لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ مُتَّضِحَ الْمَعْنَى وَيَهْتَدِي الْعُلَمَاءُ إِلَى تَأْوِيلِهِ وَرَدِّهِ إِلَى الْمُحْكَمِ لَا يَكُونُ مُحْكَمًا وَلَا مُتَشَابِهًا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا، وَأَمَّا رَابِعًا: فَلِأَنَّ الْمُحْكَمَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ أُمَّ الْكِتَابِ بِمَعْنَى رُجُوعِ الْمُتَشَابِهِ إِلَيْهِ إِذْ لَا رُجُوعَ إِلَيْهِ فِيمَا اِسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ كَعَدَدِ الزَّبَانِيَةِ مَثَلًا، وَأَمَّا خَامِسًا: فَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=942721أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ " وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيلُ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى لَمَا كَانَ لِلدُّعَاءِ مَعْنًى، وَأَمَّا سَادِسًا: فَلِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: أَنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، وَأَمَّا سَابِعًا: فَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَدَحَ الرَّاسِخِينَ بِالتَّذَكُّرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّ لَهُمُ الْحَظَّ الْأَوْفَرَ مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، وَأَمَّا ثَامِنًا: فَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يُخَاطِبَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ أَمَّا لِلتَّفْصِيلِ فَلَا بُدَّ فِي مُقَابَلَةِ الْحُكْمِ عَلَى الزَّائِغِينَ مِنْ حُكْمٍ عَلَى الرَّاسِخِينَ لِيَتَحَقَّقَ التَّفْصِيلُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُذِفَتْ أَمَّا وَالْفَاءُ، وَبِأَنَّ الْآيَةَ مِنْ قَبِيلِ الْجَمْعِ وَالتَّقْسِيمِ وَالتَّفْرِيقِ، فَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالتَّقْسِيمُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ وَالتَّفْرِيقُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ الخ فَلَا بُدَّ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ مِنْ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالْمُحْكَمِ وَهُوَ أَنَّ الرَّاسِخِينَ يَتْبَعُونَهُ وَيُرْجِعُونَ الْمُتَشَابِهَ إِلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الخ مُجَابٌ عَنْهُ بِأَنَّ كَوْنَ أَمَّا لِلتَّفْصِيلِ أَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ ذِكْرُ الْمُقَابِلِ فِي اللَّفْظِ بِلَازِمٍ. ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ بِأَنَّ الْآيَةَ مِنْ قَبِيلِ الْجَمْعِ وَالتَّقْسِيمِ وَالتَّفْرِيقِ فَذِكْرُ الْمُقَابِلِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ أَوِ الْحَالِ، أَعْنِي: (يَقُولُونَ) الخ كَافٍ فِي ذَلِكَ، وَرُجِّحَ الثَّانِي بِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ خُصُوصًا أَهْلَ السُّنَّةِ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِلَّا شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَكْثَرِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
اِبْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ وَيَدُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْجَمَاعَةِ.
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِمْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ:
الْأَوَّلُ: مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16360عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي «تَفْسِيرِهِ»
nindex.php?page=showalam&ids=14070وَالْحَاكِمُ فِي «مُسْتَدْرَكِهِ» عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلِاسْتِئْنَافِ لِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ بِهَا الْقِرَاءَةُ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهَا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ فَيُقَدَّمُ كَلَامُهُ عَلَى مَنْ دُونِهِ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=14888الْفَرَّاءُ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَيْضًا وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَأَخْرَجَ
اِبْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي «اَلْمَصَاحِفِ» مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ قَالَ فِي قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=10اِبْنِ مَسْعُودٍ وَإِنْ تَأْوِيلُهُ إِلَّا عِنْدَ اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ .
الثَّانِي: مَا أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ فِي «اَلْكَبِيرِ» عَنْ
أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=930743 " لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا ثَلَاثَ خِلَالٍ أَنْ يَكْثُرَ لَهُمُ الْمَالُ فَيَتَحَاسَدُوا فَيَقْتَتِلُوا، وَأَنْ يُفْتَحَ لَهُمُ الْكِتَابُ فَيَأْخُذُهُ الْمُؤْمِنُ يَبْتَغِي تَأْوِيلَهُ وَمَا يَبْتَغِي تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى ".
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: مَا أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=13507اِبْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَسُولِ اللَّهِ
[ ص: 85 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
" إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ لِيُكَذِّبَ بَعْضُهُ بَعْضًا فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ وَمَا تَشَابَهَ فَآمِنُوا بِهِ ".
الرَّابِعُ: مَا أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10اِبْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=3503239 " الْكِتَابُ الْأَوَّلُ يَنْزِلُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَنُزِّلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةٍ: زَاجِرٍ وَآمِرٍ وَحَلَّالٍ وَحَرَامٍ وَمُحْكَمٍ وَمُتَشَابِهٍ وَأَمْثَالٍ، فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ وَافْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ وَانْتَهُوا عَمَّا نُهِيتُمْ عَنْهُ وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا "، وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=13933الْبَيْهَقِيُّ فِي «اَلشُّعَبِ» نَحْوَهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ.
الْخَامِسُ: مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935اِبْنُ جَرِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا :
" أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ حَلَالٍ وَحَرَامٍ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ، وَتَفْسِيرٌ تُفَسِّرُهُ الْعُلَمَاءُ، وَمُتَشَابِهٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنِ اِدَّعَى عِلْمَهُ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كَاذِبٌ ". إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُتَشَابِهَ مِمَّا لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنْ كُلًّا مِنَ الْوَقْفِ وَالْوَصْلِ جَائِزٌ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا وَجْهٌ وَجِيهٌ وَبَيَّنَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ عِنْدَ اِعْتِبَارِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: مُحْكَمٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمُتَشَابِهٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمُحْكَمٌ مِنْ وَجْهٍ مُتَشَابِهٌ مِنْ وَجْهٍ، فَالْمُتَشَابِهُ فِي الْجُمْلَةِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: مُتَشَابِهٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَقَطْ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، وَمِنْ جِهَتِهِمَا مَعًا، فَالْأَوَّلُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْغَرَابَةِ نَحْوَ الْأَبِ وَيَزُفُّونَ، أَوِ الِاشْتِرَاكِ كَالْيَدِ وَالْعَيْنِ، وَثَانِيهِمَا يَرْجِعُ إِلَى جُمْلَةِ الْكَلَامِ الْمُرَكَّبِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ لِاخْتِصَارِ الْكَلَامِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ ، وَضَرْبٌ لِبَسْطِهِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ: لَيْسَ مِثْلَهُ شَيْءٌ كَانَ أَظْهَرَ لِلسَّامِعِ، وَضَرْبٌ لِنَظْمِ الْكَلَامِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2قَيِّمًا إِذْ تَقْدِيرُهُ أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، وَالْمُتَشَابِهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَوْصَافُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْصَافُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَا تَتَصَوَّرُ لَنَا إِذْ لَا يَحْصُلُ فِي نُفُوسِنَا صُورَةُ مَا لَمْ نُحِسَّهُ أَوْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، وَالْمُتَشَابِهُ مِنْ جِهَتِهِمَا خَمْسَةُ أَضْرُبٍ:
الْأَوَّلُ: مِنْ جِهَةِ الْكَمِّيَّةِ كَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ . وَالثَّانِي: مِنْ جِهَةِ الْكَيْفِيَّةِ كَالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فِي نَحْوِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=3فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ . وَالثَّالِثُ: مِنْ جِهَةِ الزَّمَانِ كَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=102اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ . وَالرَّابِعُ: مِنْ جِهَةِ الْمَكَانِ وَالْأُمُورِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=189وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=37إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ عَادَتَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ هَذِهِ. وَالْخَامِسُ: مِنْ جِهَةِ الشُّرُوطِ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا الْفِعْلُ وَيَفْسُدُ كَشَرْطِ الصَّلَاةِ وَالنِّكَاحِ.
ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إِذَا تُصُوِّرَتْ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ الْمُتَشَابِهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ التَّقَاسِيمِ; ثُمَّ جَمِيعُ الْمُتَشَابِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ لَا سَبِيلَ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهِ كَوَقْتِ السَّاعَةِ وَخُرُوجِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقِسْمٌ لِلْإِنْسَانِ سَبِيلٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ كَالْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ وَالْأَحْكَامِ الْغَلِقَةِ، وَضَرْبٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ بَعْضُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ وَيَخْفَى عَلَى مَنْ دُونَهُمْ، وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=15020 " اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ " وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا ظَهَرَ لَكَ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ الْوَقْفِ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7إِلا اللَّهُ وَالْوَقْفِ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162الرَّاسِخُونَ .
وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ: الْحَقُّ أَنَّهُ إِنْ أُرِيدَ بِالْمُتَشَابِهِ مَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ لِلْمَخْلُوقِ فَالْحَقُّ الْوَقْفُ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7إِلا اللَّهُ وَإِنْ أُرِيدَ مَا لَا يَتَّضِحُ بِحَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْمُجْمَلَ وَنَحْوَهُ فَالْحَقُّ الْعَطْفُ وَيَجُوزُ الْوَقْفُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ جَمِيعَهُ أَوْ لَا يَعْلَمُهُ بِالْكُنْهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا إِذَا فُسِّرَ بِمَا دَلَّ الْقَاطِعُ أَيِ النَّصُّ النَّقْلِيُّ أَوِ الدَّلِيلُ الْجَازِمُ الْعَقْلِيُّ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَلَمْ يَقُمْ
[ ص: 86 ] دَلِيلٌ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ فَفِيهِ مَذْهَبَانِ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّزُ الْخَوْضَ فِيهِ وَتَأْوِيلَهُ بِمَا يَرْجِعُ إِلَى الْجَادَّةِ فِي مَثَلِهِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ الْوَقْفُ وَعَدَمُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ الْخَوْضَ فِيهِ فَيَمْتَنِعُ تَأْوِيلُهُ وَيَجِبُ الْوَقْفُ عِنْدَهُ.
وَالذَّاهِبُونَ إِلَى الْوَقْفِ مِنَ السَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ أَجَابُوا عَمَّا ذَكَرَهُ غَيْرُهُمْ فِي تَرْجِيحِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنَ الْوُجُوهِ:
فَعَنِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّهُ أُرِيدَ بَيَانُ حَظِّ الرَّاسِخِينَ مُقَابِلًا لِبَيَانِ حَظِّ الزَّائِغِينَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ مُبَالِغَةً فِي الِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِ الرَّاسِخِينَ حَيْثُ لَمْ يَسْلُكْ بِهِمْ سَبِيلَ الْمُعَادَلَةِ اللَّفْظِيَّةِ لِهَؤُلَاءِ الزَّائِغِينَ وَصِينُوا عَنْ أَنْ يُذْكَرُوا مَعَهُمْ كَمَا يُذْكَرُ الْمُتَقَابِلَانِ فِي الْأَغْلَبِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=257اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَالطَّاغُوتُ أَوْلِيَاءُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَلَا الَّذِينَ آمَنُوا وَلِيُّهُمُ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ تَعَالَى وَرِعَايَةً لِلِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّ فَائِدَةَ قَيْدِ الرُّسُوخِ الْمُبَالَغَةُ فِي قَصْرِ عِلْمِ تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمُوهُ هُمْ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ فَغَيْرُهُمْ أَوْلَى بِعَدَمِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَبْقَ عَالِمٌ بِهِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
وَعَنِ الثَّالِثِ: بِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ الْقَوْلَ بَعْدَ الْحَصْرِ، وَفِي «اَلْإِتْقَانِ» أَنَّ بَعْضًا قَالَ: إِنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فِي الشَّيْئَيْنِ إِذْ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ طُرُقِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَشْكَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُحْكَمَ لَا تَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى الْبَيَانِ، وَالْمُتَشَابِهَ لَا يُرْجَى بَيَانُهُ فَمَا هَذَا الَّذِي يُبَيِّنُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وَعَنِ الرَّابِعِ: بِالْتِزَامِ أَنَّ إِضَافَةَ أَمٍّ إِلَى (اَلْكِتَابِ) عَلَى مَعْنَى فِي، وَالْمُحْكَمُ أَمٌّ فِي (اَلْكِتَابِ) وَلَكِنْ لَا لِلْمُتَشَابِهِ الَّذِي اِسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ بَلْ هُوَ أَمٌّ وَأَصْلٌ فِي فَهْمِ الْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَوُجُوبِ مَعْرِفَتِهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لَامِيَّةٌ يَلْتَزِمُ الْأُمُومَةَ لِلْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِهِ وَهُوَ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ لِأَنَّ مُتَّضِحَ الدَّلَالَةِ كَثِيرًا مَا يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي خَفِيِّهَا مِمَّا لَمْ يَصِلْ إِلَى حَدِّ الِاسْتِئْثَارِ.
وَعَنِ الْخَامِسِ: بِأَنَّ التَّأْوِيلَ الَّذِي دَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى تَأْوِيلِ مَا اُخْتُصَّ عِلْمُهُ بِهِ تَعَالَى بَلْ يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى تَفْسِيرِ مَا يَخْفَى تَفْسِيرُهُ مِنَ الْقِسْمِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ كَمَا ذَكَرَهُ.
وَعَنِ السَّادِسِ: بِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ» مُعَارَضَةً بِمَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهَا بِدَرَجَاتٍ فَتَسْقُطُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ اِعْتِبَارِهَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَا مِمَّنْ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ أَيِ الْمُتَشَابِهَ فِي الْجُمْلَةِ حَسْبَمَا دَعَا لِي بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مُتَشَابِهٌ لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ.
وَعَنِ السَّابِعِ: بِأَنَّ مَدْحَ الرَّاسِخِينَ بِالتَّذَكُّرِ لَيْسَ لِأَنَّ لَهُمْ حَظًّا فِي مَعْرِفَتِهِ بَلْ لِأَنَّهُمُ اِتَّعَظُوا فَخَالَفُوا هَوَاهُمْ وَوَقَفُوا عِنْدَ مَا حَدَّ لَهُمْ مَوْلَاهُمْ وَلَمْ يَسْلُكُوا مَسْلَكَ الزَّائِغِينَ وَلَمْ يَخُوضُوا مَعَ الْخَائِضِينَ، وَيُمْكِنْ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُرَادَ بِالتَّذَكُّرِ الِانْتِفَاعُ مَجَازًا أَيْ إِنَّ الرَّاسِخِينَ هُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ حَيْثُ يُؤْمِنُونَ بِهِ لِخُلُوصِ عُقُولِهِمْ عَنْ غِشَاوَةِ الْهَوَى كَمَا أَنَّهُمْ آمَنُوا بِالْغَيْبِ وَهَذَا بِخِلَافِ الزَّائِغِينَ حَيْثُ صَارَ الْمُتَشَابِهُ ضَرَرًا عَلَيْهِمْ وَوَبَالًا لَهُمْ إِذْ ضَلُّوا فِيهِ كَثِيرًا وَأَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ مِنْ قَبْلُ فِيمَا ضَرَبَهُ مِنَ الْمَثَلِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ .
وَعَنِ الثَّامِنِ: بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي أَنْ يُخَاطِبَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِابْتِلَاءِ كَمَا اِبْتَلَى سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ بِتَكَالِيفَ كَثِيرَةٍ وَعِبَادَاتٍ وَفِيرَةٍ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ حَقِيقَةَ السِّرِّ فِيهَا، وَالسِّرُّ فِي هَذَا الِابْتِلَاءِ قَصُّ جَنَاحِ الْعَقْلِ وَكَسْرُ سُورَةِ الْفِكْرِ وَإِذْهَابُ عُجْبِ طَاوُسِ النَّفْسِ لِيَتَوَجَّهَ الْقَلْبُ بِشَرَاشِرِهِ تُجَاهَ كَعْبَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَيَخْضَعُ تَحْتَ سُرَادِقَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَيَعْتَرِفُ بِالْقُصُورِ وَيُقِرُّ بِالْعَجْزِ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَا فِي هَاتِيكَ الْقُصُورِ وَفِي
[ ص: 87 ] ذَلِكَ غَايَةُ التَّرْبِيَةِ وَنِهَايَةُ الْمَصْلَحَةِ هَذَا إِذَا أُرِيدَ بِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ طَرِيقِ الْفِكْرِ، وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ مَا لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْإِجْمَالِ أَوِ التَّفْصِيلِ بِالْوَحْيِ أَوْ بِالْإِلْهَامِ لِنَبِيٍّ أَوْ لِوَلِيٍّ فَوُجُودُ مِثْلِ هَذَا الْمُخَاطَبِ بِهِ فِي الْقُرْآنِ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ، وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِكَوْنِ الْمُتَشَابِهُ مِمَّا اِسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ لَا يَمْنَعُ تَعْلِيمَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاسِطَةِ الْوَحْيِ مَثَلًا وَلَا إِلْقَاءَهُ فِي رُوعِ الْوَلِيِّ الْكَامِلِ مُفَصَّلًا لَكِنْ لَا يَصِلُ إِلَى دَرَجَةِ الْإِحَاطَةِ كَعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفَصَّلًا فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُجْمَلًا، وَمَنْعُ هَذَا وَذَاكَ مِمَّا لَا يَكَادُ يَقُولُ بِهِ مَنْ يَعْرِفُ رُتْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُتْبَةَ أَوْلِيَاءِ أُمَّتِهِ الْكَامِلِينَ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ مِنَ الْإِحَاطَةِ وَمِنْ مَعْرِفَتِهِ عَلَى سَبِيلِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ وَهُوَ الطَّرِيقُ الْمُعْتَادُ وَالسَّبِيلُ الْمَسْلُوكُ فِي مَعْرِفَةِ الْمُشْكِلَاتِ وَاسْتِحْصَالِ النَّظَرِيَّاتِ وَلِتَبَادُرِ هَذَا الْمَعْنَى مَنْ يَعْلَمُ إِذَا أُسْنِدَ إِلَى الرَّاسِخِينَ مَنَعَ إِسْنَادَهُ إِلَيْهِمْ، وَمَتَى أُرِيدُ مِنْهُ الْعِلْمُ لَا مِنْ طَرِيقِ الْفِكْرِ صَحَّ الْإِسْنَادُ وَجَازَ الْعَطْفُ وَلَكِنْ دُونَ تَوَهُّمِ هَذِهِ الْإِرَادَةِ مِنْ ظَاهِرِ الْكَلَامِ خَرْطَ الْقَتَادِ، فَلِهَذَا شَاعَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْعَطْفِ وَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ أَسَلْمَ.
وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الشَّعْرَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا عَلِيٌّ الْخَوَّاصُ قُدِّسَ سِرُّهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَعُهُ عَلَى مَعَانِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ فَخَرَّجَ مِنْهَا مِائَتَيْ أَلْفِ عَلَمٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ عَلَمٍ وَتِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ عَلَمًا، وَكَانَ يَقُولُ: لَا يُسَمَّى عَالِمًا أَيْ عِنْدِ أَهْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مَنْ عَرَفَ كُلَّ لَفْظٍ جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ، وَقَالَ فِي «اَلْكَشْفِ» فِي نَحْوِ (ق) ، (ص) ، (حم) ، (طس) : لَعَلَّ إِدْرَاكَ مَا تَحْتَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ كَإِدْرَاكِنَا لِلْأَوَّلِيَّاتِ وَلَا يُسْتَبْعَدُ، فَفَيْضُ الْبَارِي عَمَّ نَوَالُهُ غَيْرُ مَحْصُورٍ; وَاسْتِعْدَادُ الْإِنْسَانِ الْكَامِلِ عَنِ الْقَبُولِ غَيْرُ مَحْسُورٍ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ إِجْمَالًا بِأَنَّ وَرَاءَ مُدْرَكَاتِ الْفِكْرَةِ وَمَبَادِيهَا طَوْرًا أَوْ أَطْوَارًا حَظُّ الْعَقْلِ مِنْهَا حَظُّ الْحِسِّ مِنَ الْمَعْقُولَاتِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَخَلِّصٍ عَنْ مَضِيقِ التَّعْطِيلِ أَوِ التَّشْبِيهِ وَإِنْ لَمْ يَتَدَارَكْ حَالَهُ بَقِيَ بَعْدَ كَشْفِ الْغِطَاءِ فِي هَذَا التِّيهِ، وَلِتَتَحَقَّقَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٌ وَأَنَّ الْإِحَاطَةَ عَلَى الْحَقَائِقِ الْإِلَهِيَّةِ كَمَا هِيَ مُسْتَحِيلَةٌ إِلَّا لِلْبَارِي جَلَّ ذِكْرُهُ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعَارِفِ وَإِنْ وَصَلَ إِلَى أَعْلَى الْمَرَاتِبِ أَنْ يَبْقَى لَهُ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ غَيْبًا وَهُوَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي يَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِيهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا فَهَذَا مَا يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ كَيْ لَا يُلْحِدَ.
ثُمَّ اِعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ جَعَلَ الصِّفَاتِ النَّقْلِيَّةَ مِنَ الِاسْتِوَاءِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالنُّزُولِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالضَّحِكِ وَالتَّعَجُّبِ وَأَمْثَالِهَا مِنَ الْمُتَشَابِهِ، وَمَذْهَبُ السَّلَفِ وَالْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَعْيَانِهِمْ كَمَا أَبَانَتْ عَنْ حَالِهِ " الْإِبَانَةُ " أَنَّهَا صِفَاتٌ ثَابِتَةٌ وَرَاءَ الْعَقْلِ مَا كُلِّفْنَا إِلَّا اِعْتِقَادَ ثُبُوتِهَا مَعَ اِعْتِقَادِ عَدَمِ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ لِئَلَّا يُضَادَّ النَّقْلُ الْعَقْلَ، وَذَهَبَ الْخَلَفُ إِلَى تَأْوِيلِهَا وَتَعْيِينِ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا فَيَقُولُونَ: الِاسْتِوَاءُ مَثَلًا بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ وَالْغَلَبَةِ، وَذَلِكَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ بَعْضِ الصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ وَرَاءَهَا صِفَةٌ حَتَّى اِدَّعَى السُّكُوتِيُّ وَلَيْتَهُ سَكَتَ أَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ مُحَالٌ وَكُلُّ مَا لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ مُحَالٌ لَا يَكُونُ وَاجِبًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَّصِفُ إِلَّا بِوَاجِبٍ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14579الشَّعْرَانِيُّ فِي «اَلدُّرَرِ الْمَنْثُورَةِ» أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ أَسْلَمُ وَأَحْكَمُ إِذِ الْمُؤَوِّلُ اِنْتَقَلَ عَنْ شَرْحِ الِاسْتِوَاءِ الْجُسْمَانِيِّ عَلَى الْعَرْشِ الْمَكَانِيِّ بِالتَّنْزِيهِ عَنْهُ إِلَى التَّشْبِيهِ السُّلْطَانِيِّ الْحَادِثِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْمَكَانِ فَهُوَ اِنْتِقَالٌ عَنِ التَّشْبِيهِ بِمُحْدَثٍ مَا إِلَى التَّشْبِيهِ بِمُحْدَثٍ آخَرَ فَمَا بَلَغَ عَقْلُهُ فِي التَّنْزِيهِ مَبْلَغَ الشَّرْعِ فِيهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ اِسْتَشْهَدَ فِي التَّنْزِيهِ الْعَقْلِيِّ فِي الِاسْتِوَاءِ بِقَوْلِ شَاعِرٍ:
[ ص: 88 ] قَدِ اِسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَدَمٍ مُهْرَاقُ
وَأَيْنَ اِسْتِوَاءُ بِشْرٍ عَلَى الْعِرَاقِ مِنَ اِسْتِوَاءِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْعَرْشِ، وَنِهَايَةُ الْأَمْرِ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ اِسْتِيلَاءٌ يَلِيقُ بِشَأْنِ الرَّحْمَنِ جَلَّ شَأْنُهُ فَلْيَقُلْ مَنْ أَوَّلَ الْأَمْرَ قَبْلَ تَحَمُّلِ مُؤْنَةِ هَذَا التَّأْوِيلِ اِسْتِوَاءٌ يَلِيقُ بِشَأْنِ مَنْ عَزَّ شَأْنُهُ وَتَعَالَى عَنْ إِدْرَاكِ الْعُقُولِ سُلْطَانُهُ، وَهَذَا أَلْيَقُ بِالْأَدَبِ وَأَوْفَقُ بِكَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ وَعَلَيْهِ دَرَجَ صَدْرُ الْأُمَّةِ وَسَادَاتُهَا وَإِيَّاهَا اِخْتَارَ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَادَاتُهَا وَإِلَيْهَا دَعَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ حَتَّى قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَمَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ
اللَّكَائِيُّ: اِتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالصِّفَاتِ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، وَوُرِدَ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ
صُبَيْغٌ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ
صُبَيْغٌ فَأَخَذَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ عُرْجُونًا مِنْ تِلْكَ الْعَرَاجِينِ فَضَرَبَهُ حَتَّى أَدْمَى رَأْسَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ فَضَرَبَهُ بِالْجَرِيدِ حَتَّى تَرَكَ ظَهْرَهُ دُبُرَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرِئَ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرِئَ فَدَعَا بِهِ لِيَعُودَ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قِتْلَتِي فَاقْتُلْنِي قَتْلًا جَمِيلًا، فَأَذِنَ لَهُ إِلَى أَرْضِهِ وَكَتَبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ لَا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
لَا يُقَالُ إِنْ تُرِكَتْ أَمْثَالُ هَذِهِ الْمُتَشَابِهَاتِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا دَلَّتْ عَلَى التَّجْسِيمِ، وَإِنْ لَمْ تُرَدْ ظَوَاهِرُهَا فَقَدْ أُوِّلَتْ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ عَلَى مَا قَالُوا: إِخْرَاجُ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ، لِأَنَّا نَقُولُ: نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِي وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّأْوِيلَ إِخْرَاجُ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ مُطْلَقًا بَلْ إِخْرَاجُهُ إِلَى مَعْنًى مُعَيَّنٍ مَعْلُومٍ كَمَا يُقَالُ الِاسْتِوَاءُ مَثَلًا بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى أَنَّ لِلتَّأْوِيلِ مَعْنَيَيْنِ مَشْهُورَيْنِ لَا يُصَدَّقُ شَيْءٌ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ الظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِلْمُرَادِ، أَحَدُهُمَا: تَرْجَمَةُ الشَّيْءِ وَتَفْسِيرُهُ الْمُوَضِّحُ لَهُ، وَثَانِيهِمَا: بَيَانُ حَقِيقَتِهِ وَإِبْرَازُهَا إِمَّا بِالْعِلْمِ أَوْ بِالْعَقْلِ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: بَعْدَ التَّنْزِيهِ لَا أَدْرِي مِنْ هَذِهِ الْمُتَشَابِهَاتِ سِوَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَأَرَادَ مِنْهَا مَعْنًى لَائِقًا بِجَلَالِهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَلَا أَعْرِفُ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَمْ يُقَلْ فِي حَقِّهِ أَنَّهُ تَرْجَمَ وَأَوْضَحَ وَلَا بَيَّنَ الْحَقِيقَةَ وَأَبْرَزَ الْمُرَادَ حَتَّى يُقَالَ إِنَّهُ أَوَّلَ، وَمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي مَأْخَذِ التَّأْوِيلِ لَمْ يَشُكَّ فِي صِحَّةِ مَا قُلْنَا.
نَعَمْ ذَهَبَتْ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى إِبْقَاءِ نَحْوِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى ظَوَاهِرِهَا إِلَّا أَنَّهُمْ يَنْفُونَ لَوَازِمَهَا الْمُنْقَدِحَةَ لِلذِّهْنِ الْمُوجِبَةَ لِنِسْبَةِ النَّقْصِ إِلَيْهِ عَزَّ شَأْنُهُ وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا هِيَ لَوَازِمُ لَا يَصِحُّ اِنْفِكَاكُهَا عَنْ مَلْزُومَاتِهَا فِي صِفَاتِنَا الْحَادِثَةِ، وَأَمَّا فِي صِفَاتِ مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَلَيْسَتْ بِلَوَازِمَ فِي الْحَقِيقَةِ لِيَكُونَ الْقَوْلُ بِانْفِكَاكِهَا سَفْسَطَةً، وَأَيْنَ التُّرَابُ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَكَأَنَّهُمْ إِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ قَوْلَ الْآخَرِينَ مِنَ السَّلَفِ تَأْوِيلٌ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لَا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُمْ وَجَدُوا بَعْضَ الْآثَارِ يُشْعِرُ بِذَلِكَ مِثْلَ مَا حَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=17131مُقَاتِلٌ nindex.php?page=showalam&ids=15097وَالْكَلْبِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11اِبْنِ عَبَّاسٍ فِي " اسْتَوَى " أَنَّهُ بِمَعْنَى اِسْتَقَرَّ، وَمَا أَخْرَجَهُ
أَبُو الْقَاسِمِ مِنْ طَرِيقِ
قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى أَنَّهَا قَالَتِ: الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ وَالْإِقْرَارُ بِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْجُحُودِ بِهِ كُفْرٌ.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ مَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْ سَادَاتِنَا الصُّوفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْمُتَشَابِهَاتِ تُجْرَى عَلَى ظَوَاهِرِهَا مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّنْزِيهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ حَيْثُ إِنَّ وُجُودَ الْحَقِّ تَعَالَى شَأْنُهُ لَا تُقَيِّدُهُ الْأَكْوَانُ وَإِنْ تَجَلَّى فِيمَا شَاءَ مِنْهَا إِذْ لَهُ كَمَالُ الْإِطْلَاقِ حَتَّى عَنْ قَيْدِ الْإِطْلَاقِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ إِجْرَاءَ الْمُتَشَابِهَاتِ عَلَى ظَاهِرِهَا مَعَ التَّنْزِيهِ اللَّائِقِ بِجَلَالِ ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ طَوْرٌ مِمَّا وَرَاءَ طَوْرِ الْعَقْلِ وَبَحْرٌ لَا يَسْبَحُ فِيهِ إِلَّا مَنْ فَازَ بِقُرْبِ النَّوَافِلِ.
وَذَكَرَ بَعْضُ أَئِمَّةِ التَّدْقِيقِ أَنَّ الْعَقْلَ سَبِيلُهُ فِي الْعِلْمِ بِالصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةِ الْمَشْهُورَةِ كَعِلْمِهِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَدَّعِي الْخَلَفُ رُجُوعَهَا إِلَيْهَا إِذَا أَحَدَّ النَّظَرَ، فَقَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ وَشَاهِدُ الْعِيَانِ عَلَى عَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ ذَاتًا وَصِفَاتٍ أَيْضًا
[ ص: 89 ] لَكِنَّ صِفَاتَهُ الْمُتَعَالِيَةَ وَأَسْمَاءَهُ الْحُسْنَى قِسْمَانِ، قَسَمٌ يُنَاسِبُ مَا عِنْدَنَا مِنَ الصِّفَاتِ نَوْعَ مُنَاسَبَةٍ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً، وَلَا يُقَالُ: فَلَا بُدَّ فِيهِ فِي أَفْهَامِنَا مَعَاشِرَ النَّاقِصِينَ مِنْ أَنْ يُسَمَّى بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَهِرَةِ عِنْدَنَا فَيُسَمَّى عَلَمًا مَثَلًا لَا دَوَاةً وَلَا قَلَمًا وَقِسْمٌ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=684373 " أَوِ اِسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ "، فَقَدْ يَذْكُرُ لَهُ أَسْمَاءً مُشَوِّقَةً لِأَنَّ مِنْهُ مَا لِلْإِنْسَانِ الْكَامِلِ مِنْهُ نَصِيبٌ بِطْرِيقِ التَّخَلُّقِ وَالتَّحَقُّقِ فَيَذْكُرُ تَارَةً الْيَدَ وَالنُّزُولَ وَالْقَدَمَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمُخَيَّلَاتِ مَعَ الْعِلْمِ الْبُرْهَانِيِّ وَالشُّهُودِ الْوِجْدَانِيِّ بِتَنَزُّهِهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ كَمَالٍ يَتَصَوَّرُهُ الْإِنْسَانُ وَيُحِيطُ بِهِ فَضْلًا عَنِ النُّقْصَانِ، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْقَسَمِ الَّذِي عَلِمَ بِالْإِجْمَالِ، وَيَتَوَجَّهُ إِذْ ذَاكَ بِكُلِّيَّتِهِ شَطْرَ كَعْبَةِ الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ فَيُفَاضُ عَلَيْهِ مِنْ يَنْبُوعِ الْكَمَالِ مَا يَسْتَأْنِسُ عِنْدَهُ وَيَنْكَشِفُ لَهُ جَلِيَّةُ الْحَالِ، وَإِذْ لَيْسَ لَهُ مُنَاسِبَةٌ بِمَا عِنْدَنَا لَا تُوجَدُ عِبَارَةٌ يُتَرْجِمُ عَنْهَا إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْخَيَالِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بُقُولُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
" مَنْ عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّ لِسَانُهُ "، وَأُخْرَى بَيَّنَ مَقْصِدَ الْكُلِّ وَمَنْ أَحَبَّهُ سُبْحَانَهُ مَا يُصَانُ عَنْ تُهْمَةِ إِدْرَاكِ الْأَغْيَارِ مِنْ نَحْوِ تِلْكَ الْفَوَاتِحِ، وَلَعَلَّ إِدْرَاكَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا كَإِدْرَاكِ الْأَوَّلِيَّاتِ إِلَّا أَنَّهُ لَا إِحَاطَةَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا أَيْضًا الْأَلْيَقُ أَنْ يُوقَفَ لِأَنَّهُ شِعَارُ مَنْ لَنَا فِيهِمُ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ مَعَ ظُهُورِ وَجْهِهِ لَكِنْ لَا تُجْعَلُ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَثَلًا إِذْ لَا يُسَلَّمُ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ الْمُتَشَابِهِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْمَجَازِ الشَّائِعِ فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ وَالْكِنَايَةِ الْبَالِغَةِ فِي الشُّهْرَةِ مَبْلَغَ الْحَقِيقَةِ أَظْهَرُ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى مَعْنَى مَجْهُولٍ، نَعَمْ لَوْ قِيلَ: إِنَّ تَصْوِيرَ الْعَظَمَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِإِدْرَاكِهَا وَأَنَّهَا أَجَلُّ مِنْ أَنْ تُحِيطَ بِهَا الْعُقُولُ، فَالْكُنْهُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ كَانَ حَسَنًا، وَجَمْعًا بَيْنَ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْخَلَفُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ كَيْلَا يَلْزَمَ اِزْدِرَاءٌ بِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ كَمَا فَعَلَ
اِبْنُ الْقَيِّمِ، حَتَّى قَالَ: لَامُ الْأَشْعَرِيَّةِ كَنُونِ الْيَهُودِيَّةِ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُتَشَابِهُ فِي الْآيَةِ بِمَا يَعُمُّ الْقِسْمَيْنِ، وَالْمُحْكَمُ (أُمٌّ) يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تَمْيِيزِ الْقِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا: فَرْعُهُ الْإِيمَانِيُّ، وَالثَّانِي: فَرْعُهُ الْإِيقَانِيُّ،
وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ تَوَسَّطَ فِي مَسْأَلَةِ التَّأْوِيلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَا قَالَهُ هَذَا الْمُدَقَّقَ أَخِيرًا مِنَ الْمُتَشَابِهِ، فَقَالَ: إِذَا كَانَ التَّأْوِيلُ قَرِيبًا مِنْ لِسَانِ
الْعَرَبِ لَمْ يُنْكَرْ أَوْ بَعِيدًا تَوَقَّفْنَا عَنْهُ وَآمَنَّا بِمَعْنَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ مَعَ التَّنْزِيهِ وَمَا كَانَ مَعْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ظَاهِرًا مَعْهُودًا مِنْ تَخَاطُبِ
الْعَرَبِ قُلْنَا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَجِبُ لَهُ فَلْيُفْهَمْ هَذَا الْمَقَامُ فَكَمْ زَلَّتْ فِيهِ أَقْوَامٌ بَعْدَ أَقْوَامٍ.