فلما جاءهم أي أولئك القوم، والمراد بهم هنا أهل مكة الموجودون عند البعثة وضمائر الجمع الآتية كلها راجعة إليهم. الحق من عندنا أي الأمر الحق وهو القرآن المنزل عليه عليه الصلاة والسلام قالوا تعنتا واقتراحا لولا أوتي يعنونه عليه الصلاة والسلام مثل ما أوتي موسى عليه السلام من الكتاب المنزل جملة وقوله تعالى: أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل رد عليهم وإظهار لكون ما قالوه تعنتا محضا لا طلبا لما يرشدهم إلى الحق (ومن قبل) متعلق بـ يكفروا وتعلقه بـ أوتي لا يظهر له وجه لائح إذ هو تقييد بلا فائدة لأنه معلوم أن ما أوتي موسى عليه السلام من قبل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أو من قبل هؤلاء الكفرة. نعم أمر الرد عليه على حاله أي ألم يكفروا من قبل هذا القول بما أوتي موسى عليه السلام كما كفروا بهذا الحق وقوله تعالى: قالوا استئناف مسوق لتقرير كفرهم المستفاد من الإنكار السابق وبيان كيفيته وقوله تعالى: سحران خبر لمبتدأ محذوف أي هما يعنون ما أوتي نبينا وما أوتي موسى عليهما الصلاة والسلام سحران تظاهرا أي تعاونا بتصديق كل واحد منهما الآخر وتأييده إياه، وذلك أن أهل مكة بعثوا رهطا منهم إلى رؤساء اليهود في عيد لهم فسألوهم عن شأنه عليه الصلاة والسلام فقالوا: إنا نجده في التوراة بنعته وصفته فلما رجع الرهط وأخبروهم بما قالت اليهود قالوا ذلك. وقوله تعالى: وقالوا إنا بكل أي بكل واحد من الكتابين كافرون تصريح بكفرهم بهما وتأكيد لكفرهم المفهوم من تسميتهما سحرا وذلك لغاية عتوهم وتماديهم في الكفر والطغيان وقرأ الأكثرون «ساحران» وأراد الكفرة بهما نبينا وموسى عليهما الصلاة والسلام.
وقرأ طلحة « (أظاهرا) » بهمزة الوصل وشد الظاء وكذا هي في حرف عبد الله وأصله تظاهرا فلما قلبت التاء ظاء وأدغمت سكنت فاجتلبت همزة الوصل ليبتدأ بالساكن، وقرأ والأعمش محبوب عن الحسن، ويحيى بن الحارث الذماري وأبو حيوة وأبو خلاد عن تظاهرا بالتاء وتشديد الظاء. قال اليزيدي ابن خالويه: وتشديده لحن لأنه فعل ماض وإنما يشدد في المضارع. وقال صاحب اللوامح: لا أعرف وجهه. وقال صاحب الكامل في القراءات لا معنى له.
وخرج ذلك على أنه مضارع حذفت منه النون بدون ناصب [ ص: 92 ] أو جازم، وجاء حذفها كذلك في قليل من الكلام وفي الشعر، و «ساحران» خبر لمبتدأ محذوف، وأصل الكلام أنتما ساحران تتظاهران فحذف أنتما وأدغمت التاء في الظاء وحذفت النون وروعي الخطاب ولو قرئ يظاهرا بالياء حملا على مراعاة ساحران أو على تقديرهما لكان له وجه وكأنهم خاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأرادوه أبو حيان وموسى عليهما الصلاة والسلام بأنتما على سبيل التغليب، هذا وتفسير الآية بما ذكر مما لا تكلف فيه ولعله هو الذي يستدعيه جزالة النظم الجليل ويقتضيه اقتضاء ظاهر قوله تعالى: