وعن رضي الله تعالى عنهما: يعلمون منافعها ومضارها، ومتى يزرعون ومتى يحصدون، وكيف يجمعون، وكيف يبنون، أي ونحو ذلك مما لا يكون لهم منه أثر في الآخرة، وروي نحوه عن ابن عباس ، قتادة وعكرمة.
وأخرج ابن المنذر، ، عن وابن أبي حاتم أنه قال في الآية: بلغ من حذق أحدهم بأمر دنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن يصلي، وقال الحسن الكرماني: كل ما يعلم بأوائل الروية فهو الظاهر، وما يعلم بدليل العقل، فهو الباطن، وقيل: هو هنا التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها، وتعقب بأنهما ليسا مما علموه منها، بل من أفعالهم المرتبة على علمهم، وعن أن الظاهر هو ما علموه من قبل الكهنة، مما تسترقه الشياطين، وليس بشيء كما لا يخفى، وأيا ما كان، فالظاهر أن المراد بالظاهر مقابل الباطن، وتنويه للتحقير والتخسيس، أي يعلمون ظاهرا حقيرا خسيسا، وقيل: هو بمعنى الزائل الذاهب كما في قول ابن جبير الهذلي:
[ ص: 22 ]
وعيرها الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
أي يعلمون أمرا زائلا لا بقاء له، ولا عاقبة من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة التي هي الغاية القصوى والمطلب الأسنى هم غافلون لا تخطر ببالهم، فكيف يتفكرون فيها، وفيما يؤدي إلى معرفتها من الدنيا وأحوالها، والجملة معطوفة على ( يعلمون ) وإيرادها اسمية للدلالة على استمرار غفلتهم ودوامها، ( وهم ) الثانية تكرير للأولى، وتأكيد لفظي لها دافع للتجوز وعدم الشمول، والفصل بمعمول الخبر وإن كان خلاف الظاهر، لكن حسنه وقوع الفصل في التلفظ، والاعتناء بالآخرة، أو هو مبتدأ ( وغافلون ) خبره، والجملة خبر ( هم ) الأولى، وجملة ( يعلمون ) إلخ، بدل من جملة ( لا يعلمون ) على ما ذهب إليه صاحب الكشاف، فإن الجاهل الذي لا يعلم أن الله لا يخلف وعده أو لا يعلم شؤونه تعالى السابقة، ولا يتفكر في ذلك هو الذي قصر نظره على ظاهر الحياة الدنيا، والمصحح للبدلية اتحاد ما صدقا عليه، والنكتة المرجحة له جعل علمهم والجهل سواء، بحسب الظاهر، وجملة وهم عن الآخرة إلخ، مناد على تمكن غفلتهم عن الآخرة المحققة لمقتضى الجملة السابقة تقريرا لجهالتهم وتشبيها لهم بالبهائم المقصور إدراكها على ظواهر الدنيا الخسيسة دون أحوالها التي هي من مبادئ العلم بأمور الآخرة. واختار العلامة الطيبي أن جملة ( يعلمون ) إلخ، استئنافية لبيان موجب جهلهم بأن وعد الله تعالى حق، وأن لله سبحانه الأمر من قبل، ومن بعد، وأنه جل شأنه ينصر المؤمنين على الكافرين ولعله الأظهر.