ثم كان عاقبة الذين أساءوا أي عملوا السيئات، ووضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالإساءة والإشعار بعلة الحكم، ( وثم ) للتراخي الحقيقي، أو للاستبعاد، والتفاوت في الرتبة السوأى أي العقوبة السوأى، وهي العقوبة بالنار، فإنها تأنيث الأسوإ كالحسنى تأنيث الأحسن، أو مصدر كالبشرى، وصف به العقوبة مبالغة كأنها نفس السوء، وهي مرفوعة على أنها اسم، وكان خبرها ( عاقبة ) . وقرأ الحرميان، «عاقبة» بالرفع على أنه اسم كان، و«السوأى» بالنصب على الخبرية، وقرأ وأبو عمرو الأعمش، «السوى» بإبدال الهمزة واوا وإدغام الواو فيها، وقرأ والحسن «السوء» بالتذكير ابن مسعود أن كذبوا بآيات الله علة للحكم المذكور أي لأن أو بأن كذبوا، وهو في الحقيقة مبين لما أشعر به وضع الموصول موضع الضمير لأنه مجمل.
وقوله تعالى: وكانوا بها يستهزئون عطف على ( كذبوا ) داخل معه في حكم العلية، وإيراد الاستهزاء بصيغة المضارع للدلالة على استمراره وتجدده، وجوز أن يكون ( السوأى ) مفعولا مطلقا (لأساؤوا) من غير لفظه، أو مفعولا به له لأن أساؤوا بمعنى اقترفوا واكتسبوا، والسوأى بمعنى الخطيئة، لأنه صفة، أو مصدره مؤول بها، وكونه صفة مصدر أساؤوا من لفظه، أي الإساءة السوأى بعيد لفظا مستدرك معنى ( وأن كذبوا ) اسم كان. وكون التكذيب عاقبتهم مع أنهم لم يخلوا عنه، إما باعتبار استمراره، أو باعتبار أنه عبارة عن الطبع، وجوز أن يكون (أن كذبوا) بدلا من ( السوأى ) الواقع اسما لكان، أو عطف بيان لها، أو خبر مبتدإ محذوف، أي هي أن كذبوا، وأن تكون ( أن ) تفسيرية بمعنى أي، والمفسر إما أساؤوا أو ( السوأى )، فإن الإساءة تكون قولية كما تكون فعلية، فإذن قبلها مضمن معنى القول دون حروفه، ويظهر ذلك التضمن بالتفسير، وإذا جاز وانطلق الملأ منهم أن امشوا [ص: 6] فهذا أجوز، فليس هذا الوجه متكلفا خلافا لأبي حيان. وجوز في قراءة الحرميين، وأبي عمرو، وأن تكون ( السوأى ) صلة الفعل، ( وأن كذبوا ) تابعا له، أو خبر مبتدإ محذوف، أو على تقدير حرف التعليل، وخبر كان محذوفا تقديره: وخيمة، ونحوه، وتعقب ذلك في البحر فقال: هو فهم أعجمي لأن الكلام مستقل في غاية الحسن بلا حذف، وقد تكلف له محذوف لا يدل عليه دليل، وأصحابنا لا يجيزون حذف خبر كان.