فذوقوا لترتيب الأمر بالذوق على ما يعرب عنه ما قيل من نفي الرجع إلى الدنيا، أو على قوله تعالى: ولكن حق القول مني إلخ، ولعل هذا أسرع تبادرا، وجعلها بعضهم واقعة في جواب شرط مقدر، أي إذا يئستم من الرجوع أو إذا حق القول فذوقوا، وجوز كونها تفصيلية، والأمر للتهديد والتوبيخ، والباء في قوله سبحانه: بما نسيتم لقاء يومكم هذا للسببية، (وما) مصدرية، وهذا صفة (يوم) جيء به للتهويل، وجوز كونه مفعول ( ذوقوا )، وهو إشارة إلى ما هم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغم، وعلى الأول يكون مفعول ( ذوقوا ) محذوفا، والوصفية أظهر أي: فذوقوا بسبب نسيانكم لقاء هذا اليوم الهائل [ ص: 130 ] وترككم التفكر فيه، والتزود له بالكلية، وهذا تصريح بسبب العذاب من قبلهم، فلا ينافي أن يكون له سبب آخر حقيقيا كان أو غيره، والتوبيخ به من بين الأسباب لظهوره، وكونه صادرا منهم لا يسعهم إنكاره، والمراد بنسيانهم ذلك تركهم التفكر فيه، والتزود له، كما أشرنا إليه، وهو بهذا المعنى اختياري يوبخ عليه، ولا يكاد يصح إرادة المعنى الحقيقي، وإن صح التوبيخ عليه باعتبار تعمد سببه من الانهماك في اتباع الشهوات، ومثله في كونه مجازا النسيان في قوله تعالى: إنا نسيناكم أي تركناكم في العذاب ترك المنسي بالمرة، وجعل بعضهم هذا من باب المشاكلة، ولم يعتبر كون الأول مجازا مانعا منها قيل: والقرينة على قصد المشاكلة فيه، أنه قصد جزاؤهم من جنس العمل، فهو على حد: وجزاء سيئة سيئة مثلها [الشورى: 40]، وقوله تعالى: وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون تكرير للتأكيد والتشديد، وتعيين المفعول المبهم للذوق والإشعار بأن سببه ليس مجرد ما ذكر من النسيان، بل به أسباب أخر من فنون الكفر والمعاصي التي كانوا مستمرين عليها في الدنيا، ولما كان فيه زيادة على الأول حصلت به مغايرته له استحق العطف عليه، ولم ينظم الكل في سلك واحد للتنبيه على استقلال كل من النسيان، وما ذكر في استيجاب العذاب، وفي إبهام المذوق أولا وبيانه ثانيا بتكرير الأمر، وتوسيط الاستئناف المنبئ عن كمال السخط بينهما من الدلالة على غاية التشديد في الانتقام منهم ما لا يخفى.