وجوز أن تكون حالية، أو خبرا ثانيا للمبتدإ، والتجافي البعد والارتفاع والجنوب جمع جنب الشقوق، وذكر [ ص: 131 ] أن أصل الجنب الجارحة، ثم يستعار في الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال، ( والمضاجع ) جمع المضجع أماكن الاتكاء للنوم، أي تتنحى وترتفع جنوبهم عن مواضع النوم، وهذا كناية عن تركهم النوم، ومثله قول الراغب يصف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: عبد الله بن رواحة
نبي تجافى جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
والمشهور أن المراد بذلك التجافي وهو قول القيام لصلاة النوافل بالليل، ، الحسن ، ومجاهد ومالك، وغيرهم. وفي الأخبار الصحيحة ما يشهد له، والأوزاعي،
أخرج أحمد، ، وصححه، والترمذي ، والنسائي وابن ماجه، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم وصححه، والحاكم، وابن مردويه، في شعب الإيمان، عن والبيهقي قال: معاذ بن جبل تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ (يعملون)» الحديث. «كنت مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه، ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه يسير على من يسره الله تعالى عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ:
وقال أبو الدرداء، ، وقتادة هو أن يصلي الرجل العشاء والصبح في جماعة، وعن والضحاك: ، الحسن هو أن لا ينام الرجل حتى يصلي العشاء، أخرج وعطاء: وصححه، الترمذي ، وغيرهما عن وابن جرير قال: إن هذه الآية أنس تتجافى جنوبهم عن المضاجع نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة، وفي رواية أخرى عنه أنه قال فيها: نزلت فينا معاشر الأنصار، كنا نصلي المغرب، فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وقيل: هو أن يصلي الرجل المغرب، ويصلي بعدها إلى العشاء، فقد أخرج في زوائد الزهد، عبد الله بن أحمد وابن عدي، عن وابن مردويه قال: مالك بن دينار سألت عن هذه الآية: أنس بن مالك تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال: كان قوم من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من المهاجرين الأولين يصلون المغرب، ويصلون بعدها إلى عشاء الآخرة، فنزلت هذه الآية فيهم، وقال ، قتادة هو أن يصلي الرجل ما بين المغرب والعشاء، واستدل له بما أخرجه وعكرمة: محمد بن نصر، عن عبد الله بن عيسى قال: كان ناس من الأنصار يصلون ما بين المغرب والعشاء فنزلت فيهم: تتجافى جنوبهم عن المضاجع .
وأخرج ، عن ابن جرير رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: تتجافى جنوبهم لذكر الله تعالى كلما استيقظوا ذكروا الله عز وجل، إما في الصلاة، وإما في قيام، أو قعود، أو على جنوبهم، لا يزالون يذكرون الله تعالى، وروى نحوه هو ابن عباس ومحمد بن نصر، عن ، والجمهور عولوا على ما هو المشهور، وفي الضحاك ما لا يحصى من الأخبار، وأفضله على ما نص عليه غير واحد ما كان في الأسحار. فضل التهجد
( يدعون ربهم ) حال من ضمير ( جنوبهم )، وقد أضيف إليه ما هو جزء، وجوز على احتمال كون جملة تتجافى إلخ حالية أن تكون حالا ثانية مما جعلت تلك حالا منه، وعلى احتمال كونها خبرا ثانيا للمبتدإ، أن تكون خبرا ثالثا، وجوز كونها مستأنفة، والظاهر أن المراد بدعائهم ربهم سبحانه المعنى المتبادر، وقيل: المراد به الصلاة، خوفا أي خائفين من سخطه تعالى، وعذابه عز وجل وعدم قبول عبادتهم، وطمعا [ ص: 132 ] في رحمته تبارك وتعالى، فالمصدران حالان من ضمير ( يدعون )، وجوز أن يكونا مصدرين لمقدر، أي يخافون خوفا ويطمعون طمعا، وتكون الجملة حينئذ حالا، وأن يكونا مفعولا له، ولا يخفى أن الآية على الحالية أمدح.
ومما رزقناهم إياه من المال ينفقون في وجوه الخير.