ولو دخلت أي البيوت كما هو الظاهر عليهم أي على هؤلاء القائلين، وأسند الدخول إلى بيوتهم، وأوقع عليهم لما أن المراد فرض دخولها، وهم فيها لا فرض دخولها مطلقا كما هو المفهوم لو لم يذكر الجار والمجرور ولا فرض الدخول عليهم مطلقا كما هو المفهوم، لو أسند الجار والمجرور وفاعل الدخول الداخل من أهل الفساد من كان، أي لو دخل كل من أراد الدخول من أهل الدعارة والفساد بيوتهم، وهم فيها، من أقطارها جمع قطر بمعنى الناحية والجانب، ويقال: قتر بالتاء لغة فيه، أي من جميع جوانبها، وذلك بأن تكون مختلة بالكلية، وهذا داخل في المفروض، فلا يخالف قوله تعالى: ( وما هي بعورة ثم سئلوا ) أي طلب منهم من جهة طائفة أخرى عند تلك النازلة والرجفة الهائلة الفتنة أي القتال كما قال الضحاك لآتوها أي لأعطوها أولئك السائلين، كأنه شبه الفتنة والمطلوب اتباعهم فيها بأمر نفيس يطلب منهم بذله ونزل إطاعتهم واتباعهم بمنزلة بذل ما سألوه وإعطائه، وقرأ نافع، «لأتوها» بالقصر أي لفعلوها، وابن كثير وما تلبثوا بها أي بالفتنة، والباء للتعدية أي ما لبثوها وما أخروها، إلا يسيرا أي إلا تلبثا يسيرا، أو إلا زمانا يسيرا، وهو مقدار ما يأخذون فيه سلاحهم على ما قيل، وقيل: مقدار ما يجيبون السؤال فيه، وكلاهما عندي من باب التمثيل، والمراد أنهم لو سألهم غيرك القتال وهم في أشد حال وأعظم بلبال لأسرعوا جدا فضلا عن التعلل باختلال البيوت مع سلامتها، كما فعلوا الآن. والحاصل أن طلبهم الإذن في الرجوع ليس لاختلال بيوتهم بل لنفاقهم وكراهتهم نصرتك، وقال : المعنى: ولو دخلت ابن عطية المدينة من أقطارها واشتد الحرب الحقيقي ثم سئلوا الفتنة والحرب لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم لطاروا إليها، ولم يتلبثوا في بيوتهم لحفظها إلا يسيرا، قيل: قدر ما يأخذون سلاحهم انتهى، فضمير ( دخلت ) عنده عائد على المدينة، وباء ( بها ) للظرفية كما هو ظاهر كلامه، وجوز أن تكون سببية، والمعنى على تقدير مضاف، أي ولم يتلبثوا بسبب حفظها، وقيل: يجوز أن تكون للملابسة أيضا، والضمير على كل تقدير للبيوت، وفيه تفكيك الضمائر.
وعن ، الحسن ، ومجاهد ( الفتنة ) الشرك، وفي معناه ما قيل: هي الردة والرجوع إلى إظهار الكفر، وجعل بعضهم ضميري ( دخلت، وبها ) وقتادة للمدينة، وزعم أن المعنى: ولو دخلت المدينة عليهم من جميع جوانبها، ثم سئلوا الرجوع إلى إظهار الكفر والشرك لفعلوا، وما لبثوا بالمدينة بعد إظهار كفرهم إلا يسيرا، فإن الله تعالى يهلكهم أو يخرجهم بالمؤمنين، وقيل: ضمير ( دخلت ) للبيوت أو للمدينة، وضمير ( بها ) للفتنة، بمعنى الشرك، والباء للتعدية، والمعنى: ولو دخلت عليهم ثم سئلوا الشرك لأشركوا، وما أخروه إلا يسيرا، وقريب منه قول أي لو دخلت عليهم ثم سئلوا الشرك لأعطوه طيبة به أنفسهم، وما تحبسوا به إلا يسيرا، وجوز أن تكون الباء [ ص: 162 ] لغير ذلك، وقيل: فاعل الدخول أولئك العساكر المتحزبة، والوجوه المحتملة في الآية كثيرة كما لا يخفى على من له أدنى تأمل. وما ذكرناه أولا هو الأظهر فيما أرى. وقرأ قتادة «سولوا» بواو ساكنة بعد السين المضمومة قالوا: وهي من سال يسال كخاف يخاف، لغة في سأل المهموز العين، وحكى الحسن أبو زيد هما يتساولان، وقال : ويجوز أن يكون أصلها الهمز لأنه يجوز أن يكون (سولوا) على قول من يقول في ضرب مبنيا للمفعول ضرب، ثم سهل الهمزة بإبدالها واوا على قول من قال في بؤس بوس، بإبدال الهمزة واوا لضم ما قبلها. وقرأ أبو حيان عبد الوارث عن أبي عمرو، «سيلوا» بكسر السين من غير همز نحو قيل، وقرأ والأعمش «سويلوا» بواو ساكنة بعد السين المضمومة، وياء مكسورة بدلا من الهمزة. مجاهد