وإن كنتن تردن الله ورسوله إلخ، لأن سبب النزول ما سمعت.
وقال الإمام: إن التقديم إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم غير ملتفت إلى الدنيا، ولذاتها غاية الالتفات، وذكر أن في وصف السراح بالجميل إشارة إلى ذلك أيضا، ومعنى ( إن كنتن تردن الله ورسوله ) إن كنتن تردن رسول الله، وإنما ذكر الله عز وجل للإيذان بجلالة محله عليه الصلاة والسلام عنده تعالى، والدار الآخرة أي نعيمها الباقي الذي لا قدر عنده للدنيا وما فيها، فإن الله أعد أي هيأ، ويسر للمحسنات منكن بمقابلة إحسانهن أجرا لا تحصى كثرته عظيما لا تستقصى عظمته، و(من) للتبيين لأن كلهن كن محسنات.
وقيل: ويجوز فيه التبعيض على أن المحسنات المختارات لله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، واختيار الجميع لم يعلم وقت النزول، وهو على ما قال الخفاجي عليه الرحمة بعيد، وجواب ( إن ) في الظاهر ما قرن بالفاء إلا أنه قيل: الماضي فيه بمعنى المضارع الدال على الاستقبال، والتعبير به دونه لتحقق الوقوع، وقيل: الجواب محذوف نحو: تثبن، أو تنلن خيرا، وما ذكر دليله، وتجريد الشرطية الأولى عن الوعيد للمبالغة في تحقيق معنى [ ص: 183 ] التخيير والاحتراز عن شائبة الإكراه، قيل: وهو السر في تقديم التمتيع على التسريح، ووصف التسريح بالجميل.
هذا واختلف فيما وقع من حتى يقع الطلاق بنفس الاختيار أو لا، فذهب التخيير هل كان تفويض الطلاق إليهن ، الحسن ، وأكثر أهل العلم على ما في إرشاد العقل السليم، وهو الظاهر إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق، وإنما كان تخييرا لهن بين الإرادتين، على أنهن إن أردن الدنيا فارقهن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما ينبئ عنه قوله تعالى: وقتادة فتعالين أمتعكن وأسرحكن وذهب آخرون إلى أنه كان تفويضا للطلاق إليهن حتى لو أنهن اخترن أنفسهن كان ذلك طلاقا، وكذا اختلف في فتقول: اخترت نفسي، أو اختاري نفسك، فتقول: اخترت، فعن حكم التخيير بأن يقول الرجل لزوجته: اختاري، أنه يقع الطلاق الثلاث، وبه أخذ زيد بن ثابت: في المدخول بها، وفي غيرها يقبل من الزوج دعوى الواحدة، وعن مالك عمر، وابن عباس، أنه يقع واحدة رجعية وهو قول وابن مسعود عمر بن عبد العزيز، وابن أبي ليلى، وسفيان، وبه أخذ الشافعي، وأحمد.
وعن كرم الله تعالى وجهه: أنه يقع واحدة بائنة. علي
وروى ذلك ، عن الترمذي وأيضا عن ابن مسعود، رضي الله تعالى عنهما، وبذلك أخذ عمر عليه الرحمة، فإن اختارت زوجها فعن أبو حنيفة أنه تقع طلقة واحدة، وعن زيد بن ثابت: كرم الله تعالى وجهه روايتان إحداهما أنه تقع واحدة رجعية، والأخرى أنه لا يقع شيء أصلا، وعليه فقهاء الأمصار. علي
وذكر الطبرسي أن المروي عن أئمة أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأما غيره عليه الصلاة والسلام فلا يصح له ذلك. واختلف في اختصاص التخيير بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، إذا قال لها الزوج ذلك، فقيل: تملكه ما دامت في المجلس، وروي هذا عن مدة ملك الزوجة الاختيار عمر، وعثمان، رضي الله تعالى عنهم. وابن مسعود
وبه قال جابر بن عبد الله، وجابر بن زيد، وعطاء، ، ومجاهد والشعبي، والنخعي، ومالك، وسفيان، والأوزاعي، وأبو حنيفة، والشافعي، وأبو ثور، وقيل: تملكه في المجلس، وفي غيره، وهو قول الزهري، وقتادة، وأبي عبيدة، وابن نصر، وحكاه صاحب المغني عن كرم الله تعالى وجهه. علي
وفي بلاغات محمد بن الحسن أنه كرم الله تعالى وجهه قائل بالاقتصار على المجلس كقول الجماعة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وتمام الكلام في هذه المسألة، وما لكل من هذه الأقوال، وما عليه يطلب من كتب الفروع كشروح الهداية، وما يتعلق بها بيد أني أقول: كون ما في الآية هو المسألة المذكورة في الفروع التي وقع الاختلاف فيها مما لا يكاد يتسنى، وتأويل الخفاجي استدلال من استدل بها في هذا المقام بما لا يخلو عن كلام عند ذوي الأفهام.
هذا وذكر الإمام في الكلام على تفسير هذه الآية عدة مسائل: الأولى أن عليه عليه الصلاة والسلام بلا شك، لأنه إبلاغ الرسالة، وأما معنى فكذلك على القول بأن الأمر للوجوب. التخيير منه صلى الله تعالى عليه وسلم قولا كان واجبا
الثانية أنه لو أردن كلهن أو إحداهن الدنيا، فالظاهر نظرا إلى منصب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه يجب عليه التمتيع والتسريح، لأن الخلف في الوعد منه عليه الصلاة والسلام غير جائز. الثالثة أن الظاهر أنه وإلا لا يكون التخيير ممكنا من التمتع بزينة الدنيا. الرابعة أن الظاهر أن من اختارت الله تعالى ورسوله [ ص: 184 ] صلى الله تعالى عليه وسلم يحرم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نظرا إلى منصبه الشريف طلاقها، والله تعالى أعلم. لا تحرم المختارة بعد البينونة على غيره عليه الصلاة والسلام،