ما كان على النبي من حرج أي ما صح وما استقام في الحكمة أن يكون له حرج فيما فرض الله له أي قسم له صلى الله عليه وسلم وقدر، من قولهم: فرض له في الديوان كذا، ومنه فروض العساكر لما يقطعه السلطان لهم ويرسم به، وقال : أي فيما أحل له، وقال قتادة : فيما خصه به من صحة [ ص: 27 ] النكاح بلا صداق، وقال الحسن : من الزيادة على الأربع. الضحاك
سنة الله أي سن الله تعالى ذلك سنة، فهو مصدر منصوب بفعل مقدر من لفظه، والجملة مؤكدة لما قبلها من نفي الحرج، وذهب إلى أنه اسم موضوع موضع المصدر كقولهم: تربا وجندلا أي رغما وهوانا وخيبة، وكأنه لم تثبت عنده مصدريته، وقيل: منصوب بتقدير (الزم) ونحوه. الزمخشري
قال : ويجوز أن يكون نصبا على الإغراء كأنه قيل: فعليه سنة الله، وتعقبه ابن عطية بأنه ليس بجيد لأن عامل الاسم في الإغراء لا يجوز حذفه، وأيضا تقدير فعليه سنة الله بضمير الغائب لا يجوز إذ لا يغرى غائب، وقولهم: عليه رجلا ليسني مؤول وهو مع ذلك نادر، واعترض بأن قوله: لأن عامل الاسم في الإغراء لا يجوز حذفه، ممنوع، وهو خلاف ما يفهم من كتب النحو وبأن ما ذكره في أمر إغراء الغائب أبو حيان ، لكن يمكن توجيهه هاهنا كما لا يخفى، ثم قيل: إن ظاهر كلام مسلم يشعر بأن النصب بتقدير الزم قسيم للنصب على الإغراء وليس كذلك بل هو قسم منه، اه فتدبر. ابن عطية
في الذين خلوا أي مضوا من قبل أي من قبلك من الأنبياء عليه الصلاة والسلام حيث لم يحرج جل شأنه عليهم في الإقدام على ما أحل لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره وقد كانت تحتهم المهائر والسراري وكانت لداود عليه السلام مائة امرأة وثلاثمائة سرية ولسليمان عليه السلام ثلاثمائة امرأة وسبعمائة سرية.
وأخرج عن ابن سعد أنه كان له عليه السلام ألف امرأة، والظاهر أنه عنى بالمرأة ما يقابل السرية، ويحتمل أنه أراد بها الأعم فيوافق ما قبله. محمد بن كعب القرظي
يروى أن اليهود قاتلهم الله تعالى عابوه وحاشاه من العيب صلى الله عليه وسلم بكثرة النكاح وكثرة الأزواج فرد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه: سنة الله الآية.
وقيل: إنه جل وعلا أشار بذلك إلى ما وقع لداود عليه السلام من تزوجه امرأة أوريا. وأخرج ذلك ابن المنذر عن والطبراني ، واسم تلك المرأة عنده ابن جريج أليسية وهذا مما لا يلتفت إليه، والقصة عند المحققين لا أصل لها.
وكان أمر الله قدرا مقدورا أي عن قدر أو ذا قدر ووصفه بمقدور نحو وصف الظل بالظليل والليل بالأليل في قولهم ظل ظليل وليل أليل في قصد التأكيد، والمراد بالقدر عند جمع المعنى المشهور للقضاء وهو الإرادة الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه، وجوز كونه بالمعنى المشهور له وهو إيجاد الأشياء على قدر مخصوص وكمية معينة من وجوه المصلحة وغيرها، والمعنى الأول أظهر، والقضاء والقدر يستعمل كل منهما بمعنى الآخر وفسر الأمر بنحو ما فسر به فيما سبق. وجوز أن يراد به الأمر الذي هو واحد الأوامر من غير تأويل ويراد أن اتباع أمر الله تعالى المنزل على أنبيائه عليهم السلام والعمل بموجبه لازم مقضي في نفسه أو هو كالمقضي في لزوم اتباعه، ولا يخفى تكلفه، وظاهر كلام الإمام اختيار أن الأمر واحد الأمور، وفرق بين القضاء والقدر بما لم نقف عليه لغيره فقال ما حاصله: القضاء ما يكون مقصودا له تعالى في الأصل، والقدر ما يكون تابعا، والخير كله بقضاء وما في العالم من الضرر بقدر كالزنا والقتل، ثم بنى على ذلك لطيفة وهو أنه لما قال سبحانه: زوجناكها ذيله ب (أمرا مفعولا) لكونه مقصودا أصليا وخيرا مقضيا، ولما قال جل شأنه: سنة الله في الذين خلوا إشارة إلى قصة داود عليه السلام حيث افتتن بامرأة أوريا قال سبحانه: قدرا مقدورا لكون الافتتان شرا غير مقصود أصلي من خلق المكلف، وفيه ما فيه، والجملة اعتراض وسط بين الموصولين [ ص: 28 ] الجاريين مجرى الواحد للمسارعة إلى تقرير نفي الحرج وتحقيقه.