وقرئ "مطلعون" بالتخفيف "فأطلع" مخففا فعلا ماضيا و "فأطلع" مخففا مضارعا منصوبا. وقرأ أبو البرهسم وعمار بن أبي عمار فيما ذكره خلف عنه "مطلعون" بتخفيف الطاء وكسر النون "فأطلع" ماضيا مبنيا للمفعول، ورد هذه القراءة وغيره لجمعها بين نون الجمع وياء المتكلم، والوجه مطلعي كما أبو حاتم ووجهها أبو الفتح على تنزيل اسم الفاعل منزلة المضارع، فيقال عنده ضاربونه مثلا كما يقال يضربونه وعليه قوله: قال - عليه الصلاة والسلام - "أومخرجي هم"
هم الآمرون الخير والفاعلونه إذا ما خشوا من محدث الدهر معظما
وأنشد قول الشاعر: الطبري
وما أدري وظني كل ظن أمسلمني إلى قومي شراحي
ومثله قول الآخر:
فهل فتى من سراة الحي يحملني وليس حاملني إلا ابن حمال
وهذه النون - عند جمع - نون الوقاية ألحقت مع الوصف حملا له على الفعل وليست مثل النون في القراءة وفي البيت وإن كان إلحاق كل للحمل. وقال بعضهم: إنها نون التنوين وحركت لالتقاء الساكنين، ورد بأنه سمع إلحاقها مع "أل" كقوله: "وليس الموافيني"، ومع أفعل التفضيل كما وقع في الحديث "غير الدجال أخوفني عليكم".
ويعلم من هذا عدم اختصاص إلحاقها بالشعر، نعم! هو في غيره قليل، وضعف بعضهم ما وجه به أبو الفتح، وقال: إن ذلك لا يقع إلا في الشعر. وخرجت أيضا على أنها من وضع المتصل موضع المنفصل، وأريد بذلك أن الأصل مطلعون إياي، ثم جعل المنفصل متصلا فقيل: مطلعوني، ثم حذفت الياء واكتفي عنها بالكسرة، كما في قوله تعالى فكيف كان نكير ، ومثله يقال في "الفاعلونه" في البيت السابق، ورد ذلك بأن ما ذكر ليس من محال المنفصل حتى يدعى أن المتصل وقع موقعه، وادعى أولوية تخريج أبو حيان أبي الفتح، والبيت - قيل - مصنوع لا يصح الاستشهاد [ ص: 93 ] به، وقيل: إن الهاء هاء السكت حركت للضرورة، وهو فرار من ضرورة لأخرى، إذ تحريكها وإثباتها في الوصل غير جائز، وللنحاة في مسألة إثبات النون مع إضافة الوصف إلى الضمير كلام طويل، حاصله أن نحو:"ضاربك وضارباك وضاربوك" ذهب إلى أن الضمير فيه في محل جر بالإضافة ولذا حذف التنوين ونون التثنية والجمع، وذهب سيبويه الأخفش وهشام إلى أن الضمير في محل نصب وحذفها للتخفيف حتى وردتا ثابتتين كما في "الفاعلونه" و "أمسلمني" فالنون عندهما في الأخير ونحوه تنوين حرك لالتقاء الساكنين وقد سمعت ما فيه، وحديث الحمل على الفعل على العلات أحسن ما قيل في التوجيه، هذا وطلع واطلع بالتشديد وأطلع بالتخفيف بمعنى واحد والكل لازم ويجيء الاطلاع متعديا يقال أطلعه على كذا فاطلع، و "مطلعون" في قراءة بمعنى "مطلعون" بالتشديد ونائب فاعل اطلع ضمير القائل والفاعل هم المخاطبون، وإطلاعهم إياه باعتبار التسبب، كأنه لما أراد الاطلاع وأحب أن لا يستبد به - أدبا - عرض عليهم أن يطلعوا، فرغبوا واطلعوا، فكان ذلك وسيلة إلى اطلاعه، فكأنهم هم الذين أطلعوه؛ ففاء (فاطلع) فصيحة، والعطف على مقدر، والمعنى على القراءة التي بعدها: هل أنتم مطلعون حتى أطلع أنا أيضا فاطلعوا واطلع هو بعد ذلك فرآه في سواء الجحيم، ولا بد من تقدير (اطلع) بعد ذلك؛ ليصلح ترتب (فرآه) على ما قبله، و أبي عمرو هل أنتم مطلعون عليه بمعنى الأمر تأدبا ومبالغة، وعلى القراءة الثانية وهي قراءة التخفيف في الكلمتين والثانية فعل ماض - المعنى كما في قراءة الجمهور، وكذا على القراءة التي بعدها، وعن قراءة أبي البرهسم ومن معه هل أنتم مطلعي فأطلعوه فرآه إلخ، وإطلاعهم إياه - إذا كان الخطاب للجلساء بطريق التسبب - كأنه طلب أن يطلعوا ليوافقهم فيطلع، وهو إذا كان الخطاب للملائكة - عليهم السلام - على ما يتبادر إلى الذهن، وعن صاحب اللوامح أن طلع واطلع اطلاعا بمعنى أقبل وجاء والقائم مقام الفاعل على قراءة أطلع مبنيا للمفعول ضمير المصدر أو جار ومجرور محذوفان أي أطلع به لأن أطلع لازم كأقبل وقد علمت أن أطلع يجيء متعديا كأطلعت زيدا. ورد الاحتمال الثاني بأن نائب الفاعل لا يجوز حذفه كالفاعل، فتأمل جميع ما ذكرنا ولا تغفل! أبو حيان