وانطلق الملأ منهم أي وانطلق الأشراف من قريش من مجلس أبي طالب بعد ما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهدوا تصلبه في الدين، ويئسوا مما كانوا يرجونه منه - عليه الصلاة والسلام - بواسطة عمه، وكان منهم أبو جهل، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب بن عبد يغوث، وعقبة بن أبي معيط.
[ ص: 167 ] وأخرج ، عن ابن أبي حاتم أبي مجلز قال: قال رجل يوم بدر : ما هم إلا النساء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هم الملأ، وتلا: وانطلق الملأ منهم
أن امشوا الظاهر أنه أمر بالمشي بمعنى نقل الأقدام عن ذلك المجلس، وأن مفسرة فقيل في الكلام محذوف وقع حالا من الملإ، أي انطلق الملأ يتحاورون، والتفسير لذلك المحذوف وهو متضمن معنى القول دون لفظه، وقيل: لا حاجة إلى اعتبار الحذف، فإن الانطلاق عن مجلس التقاول يستلزم عادة تفاوض المنطلقين، وتحاورهم بما جرى فيه، وتضمن المفسر لمعنى القول أعم من كونه بطريق الدلالة وغيرها كالمقارنة، ومثل ذلك كاف فيه، وقيل: الانطلاق هنا الاندفاع في القول، فهو متضمن لمعنى القول بطريق الدلالة، وإطلاق الانطلاق على ذلك، الظاهر أنه مجاز مشهور نزل منزلة الحقيقة، وجوز أن يكون التجوز في الإسناد، وأصله انطلقت ألسنتهم، والمعنى: شرعوا في التكلم بهذا القول، وقال بعضهم: المراد (بامشوا) سيروا على طريقتكم، وداوموا على سيرتكم، وقيل: هو من مشت المرأة إذا كثرت ولادتها، ومنه الماشية، وسميت بذلك لأنها من شأنها كثرة الولادة، أو تفاؤلا بذلك، والمراد لازم معناه، أي أكثروا واجتمعوا، وقيل: هو دعاء بكثرة الماشية افتتحوا به كلامهم للتعظيم، كما يقال: اسلم أيها الأمير، واختاروه من بين الأدعية لعظم شأن الماشية عندهم. وتعقب بأنه خطأ، لأن فعله مزيد، يقال: أمشى إذا كثرت ماشيته، فكان يلزم قطع همزته، والقراءة بخلافه مع أن إرادة هذا المعنى هنا في غاية البعد، وأيا ما كان، فالبعض قال للبعض ذلك، وقيل: قال الأشراف لأتباعهم وعوامهم، وقرئ "امشوا" بغير (أن) على إضمار القول دون إضمارها، أي قائلين: امشوا، واصبروا على آلهتكم أي اثبتوا على عبادتها متحملين لما تسمعونه في حقها من القدح.
وقرأ : "وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا"، فجملة "يمشون" حالية أو مستأنفة، والكلام في "أن اصبروا" كما في "أن امشوا"، سواء تعلق بانطلق، أو بما يليه، ابن مسعود إن هذا لشيء يراد تعليل للأمر بالصبر، أو لوجوب الامتثال به، والإشارة إلى ما وقع وشاهدوه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتصلبه في أمر التوحيد، ونفي ألوهية آلهتهم أي إن هذا لشيء عظيم يراد من جهته صلى الله عليه وسلم إمضاؤه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه، ولا عاطف يثنيه، لا قول يقال من طرف اللسان، أو أمر يرجى فيه المسامحة بشفاعة إنسان، فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله إلى إرادتكم، واصبروا على عبادة آلهتكم، وقيل: إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر، يراد بنا، فلا حيلة إلا تجرع مرارة الصبر، وقيل: إن هذا الذي يدعيه من أمر التوحيد أو يقصده من الرئاسة والترفع على العرب والعجم لشيء يتمنى، أو يريده كل أحد، ولكن لا يكون لكل ما يتمناه أو يريده فاصبروا، وقيل: إن هذا أي دينكم يطلب لينتزع منكم، ويطرح، أو يراد إبطاله، وقيل: الإشارة إلى الصبر المفهوم من اصبروا أي إن الصبر لشيء مطلوب لأنه محمود العاقبة.
وقال : هذه كلمة تذكر للتهديد والتخويف، والمعنى: أنه ليس غرضه من هذا القول تقرير الدين، وإنما غرضه أن يستولي علينا، فيحكم في أموالنا، وأولادنا بما يريد، فتأمل. القفال