وفرق بعض الناس بين هذه الألفاظ، والصواب أنها لغات بمعنى من قولهم: أنصبني الأمر إذا شق علي، انتهى.
[ ص: 206 ] والتنوين للتفخيم، وكذا في قوله تعالى: وعذاب وأراد به الألم، وهو المراد بالضر في قوله: أني مسني الضر .
وقيل: النصب والضر في الجسد، والعذاب في الأهل والمال، وهذا حكاية لكلامه - عليه السلام - الذي نادى به ربه - عز وجل - بعبارته، وإلا لقيل: إنه مسه إلخ، بالغيبة، وإسناد المس إلى الشيطان، قيل: على ظاهره، وذلك أنه عليه اللعنة سمع ثناء الملائكة - عليهم السلام - على أيوب - عليه السلام - فحسده، وسأل الله تعالى أن يسلطه على جسده وماله وولده ففعل - عز وجل - ابتلاء له، والقصة مشهورة.
وفي بعض الآثار أن الماس له شيطان يقال له: مسوط، وأنكر ذلك فقال: لا يجوز أن يسلط الله تعالى الشيطان على أنبياء - عليهم السلام - ليقضي من إتعابهم وتعذيبهم وطره، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحا، إلا وقد نكبه، وأهلكه، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب، وجعل إسناد المس إليه هنا مجازا، فقال: لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سببا فيما مسه الله تعالى من النصب والعذاب، نسبه إليه، وقد راعى - عليه السلام - الأدب في ذلك، حيث لم ينسبه إلى الله سبحانه في دعائه مع أنه - جل وعلا - فاعله، ولا يقدر عليه إلا هو، وهذه الوسوسة قيل: وسوسته إليه - عليه السلام - أن يسأل الله تعالى البلاء ليمتحن ويجرب صبره على ما يصيبه، كما قال الزمخشري شرف الدين عمر ابن الفارض:
وبما شئت في هواك اختبرني فاختياري ما كان فيه رضاكا
وسؤاله البلاء دون العافية ذنب بالنسبة لمقامه عليه لا حقيقة، والمقصود من ندائه بذلك الاعتراف بالذنب.
وقيل: إن رجلا استغاثه على ظالم فوسوس إليه الشيطان بترك إغاثته، فلم يغثه، فمسه الله تعالى بسبب ذلك بما مسه.
وقيل: كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه، ولم يغزه وسوسة من الشيطان، فعاتبه الله تعالى بالبلاء، وقيل: وسوس إليه، فأعجب بكثرة ماله وولده، فابتلاه الله تعالى لذلك، وكل هذه الأقوال عندي متضمنة ما لا يليق بمنصب الأنبياء عليهم السلام. وذهب جمع إلى أن النصب والعذاب ليسا ما كانا له من المرض، والألم، أو المرض، وذهاب الأهل، والمال، بل أمران عرضا له، وهو مريض فاقد الأهل والمال، فقيل: هما ما كانا له من وسوسة الشيطان إليه في مرضه من عظم البلاء والقنوط من الرحمة، والإغراء على الجزع، كان الشيطان يوسوس إليه بذلك وهو يجاهده في دفع ذلك حتى تعب وتألم على ما هو فيه من البلاء، فنادى ربه يستصرفه عنه، ويستعينه عليه: أني مسني الشيطان بنصب وعذاب وقيل: كانا من وسوسة الشيطان إلى غيره، فقيل: إن الشيطان تعرض لامرأته بصورة طبيب فقالت له: إن ها هنا مبتلى، فهل لك أن تداويه؟ فقال: نعم بشرط أن يقول: إذا شفيته: أنت شفيتني، فمالت لذلك، وعرضت كلامه لأيوب - عليه السلام - فعرف أنه الشيطان، وكان عليه ذلك أشد مما هو فيه، " فنادى ربه أني مسني "إلخ، وقيل: إن الشيطان طلب منها أن تذبح لغير الله تعالى إذا عالجه، وبرأ فمالت لذلك، فعظم عليه - عليه السلام - الأمر، فنادى، وقيل: إنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين، فارتد أحدهم، فسأل عنه فقيل له: ألقى إليه الشيطان أن الله تعالى لا يبتلي الأنبياء والصالحين، فتألم من ذلك جدا، فقال ما قال، وفي رواية: مر به نفر من بني إسرائيل، فقال بعضهم لبعض: ما أصابه هذا إلا بذنب أصابه، وهذا نوع من وسوسة الشيطان، فعظم عليه ذلك، فقال ما قال، والإسناد على جميع ما ذكر باعتبار الوسوسة، وقيل: غير ذلك، والله تعالى أعلم.