إنا أخلصناهم بخالصة تعليل لما وصفوا به، والباء للسببية، (وخالصة) اسم فاعل وتنوينها للتفخيم، وقوله تعالى: ذكرى الدار بيان لها بعد إبهامها للتفخيم، وجوز أن يكون خبرا عن ضميرها المقدر، أي هي ذكرى الدار، وأيا ما كان فذكرى مصدر مضاف لمفعوله، وتعريف الدار للعهد، أي الدار الآخرة، وفيه إشعار بأنها الدار في الحقيقة، وإنما الدنيا مجاز، أي جعلناهم خالصين لنا بسبب خصلة خالصة جليلة الشأن لا شوب فيها، هي تذكرهم دائما الدار الآخرة، فإن خلوصهم في الطاعة بسبب تذكرهم إياها، وذلك لأن مطمح أنظارهم ومطرح أفكارهم في كل ما يأتون ويذرون جوار الله - عز وجل - والفوز بلقائه، ولا يتسنى ذلك إلا في الآخرة.
وقيل: أخلصناهم بتوفيقهم لها، واللطف بهم في اختيارها، والباء كما في الوجه الأول للسببية، والكلام نحو قولك:
أكرمته بالعلم، أي بسبب أنه عالم أكرمته، أو أكرمته بسبب أنك جعلته عالما، وقد يتخيل في الثاني أنه صلة، ويعضد الوجه الأول قراءة الأعمش، "بخالصتهم" . وطلحة
وأخرج ، عن ابن المنذر أن ذكرى الدار تذكيرهم الناس الآخرة، وترغيبهم إياهم فيها، وتزهيدهم إياهم فيها على وجه خالص من الحظوظ النفسانية، كما هو شأن الأنبياء عليهم السلام، وقيل: المراد بالدار الدار الدنيا، وبذكراها الثناء الجميل، ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم. وحكي ذلك عن الضحاك الجبائي. وأبي مسلم، وذكره احتمالا، وحاصل الآية عليه كما قال ابن عطية الطبرسي : إنا خصصناهم بالذكر الجميل في الأعقاب.
وقرأ ، أبو جعفر وشيبة ، ، والأعرج ، ونافع وهشام بإضافة "خالصة" إلى "ذكرى" للبيان أي بما خلص من [ ص: 211 ] ذكرى الدار على معنى أنهم لا يشوبون ذكراها بهم آخر أصلا، أو على غير ذلك من المعاني، وجوز على هذه القراءة أن تكون "خالصة" مصدرا كالعاقبة، والكاذبة مضافا إلى الفاعل، أي أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار. وظاهر كلام أبي حيان أن احتمال المصدرية ممكن في القراءة الأولى أيضا، لكنه قال: الأظهر أن تكون اسم فاعل