وقوله تعالى: جنات عدن بدل اشتمال، وجوز أن يكون نصبا على المدح، وجعله عطف بيان لحسن مآب، وعدن قيل من الأعلام الغالبة غلبة تقديرية، ولزوم الإضافة فيها أو تعريفها باللام أغلبي، كما صرح به الزمخشري ابن مالك في التسهيل، وجنات عدن كمدينة طيبة، لا كإنسان زيد، فإنه قبيح، وقيل: العلم مجموع جنات عدن وهو أيضا من غير الغالب لأن المراد من الإضافة التي تعوضها العلم بالغلبة إضافة تفيده تعريفا، وعلى القولين هو معين فيصلح للبيان، لكن تعقب ذلك بأن للنحويين في عطف البيان مذهبين، أحدهما أن ذلك لا يكون إلا في المعارف فلا يكون عطف البيان إلا تابعا لمعرفة، وهو مذهب البصريين، والثاني أنه يجوز أن يكون في النكرات، فيكون عطف البيان تابعا لنكرة كما تكون المعرفة فيه تابعة لمعرفة، وهذا مذهب الكوفيين، وتبعهم أبو حيان الفارسي، وأما تخالفهما في التنكير والتعريف، فلم يذهب إليه أحد سوى كما قد صرح به الزمخشري ابن مالك في التسهيل، فهو بناء للأمر على مذهبه.
وذهب آخرون أن عدنا مصدر عدن بمكان كذا استقر، ومنه المعدن لمستقر الجواهر ولا علمية ولا نقل هناك، ومعنى جنات عدن جنات استقرار وثبات، فإن كان عطف بيان فهو على مذهب الكوفيين والفارسي.
ومن الغريب ما أخرجه ، عن ابن جرير قال: سألت ابن عباس كعبا عن قوله تعالى: جنات عدن فقال: جنات [ ص: 213 ] كروم وأعناب بالسريانية، وفي تفسير أنه بالرومية، وقوله تعالى: ابن جرير مفتحة لهم الأبواب إما صفة لجنات عدن، وإليه ذهب وتبعه ابن إسحاق ، أو حال من ضميرها المستتر في خبر إن، والعامل فيه الاستقرار المقدر أو نفس الظرف، لتضمنه معناه، ونيابته عنه، وإليه ذهب ابن عطية ومختصرو كلامه، أو حال من ضميرها المحذوف مع العامل لدلالة المعنى عليه، والتقدير يريد خلوها مفتحة، وإليه ذهب الحوفي، و"الأبواب " نائب فاعل الزمخشري، مفتحة عند الجمهور، والرابط العائد على الجنات محذوف تقديره الأبواب منها، واكتفى الكوفيون عن ذلك بأل لقيامها مقام الضمير، فكأنه قيل: مفتحة لهم أبوابها، وذهب أبو علي إلى أن نائب فاعل مفتحة ضمير الجنات، والأبواب بدل منه بدل اشتمال كما هو ظاهر كلام ، ولا يصح أن يكون بدل بعض من كل، لأن أبواب الجنات ليست بعضا من الجنات على ما قال الزمخشري . وقرأ أبو حيان ، زيد بن علي وعبد الله بن رفيع، وأبو حيوة "جنات عدن مفتحة" برفعهما على أنهما خبران لمحذوف، أي هو أي المآب جنات عدن مفتحة لهم أبوابه، أو هو جنات عدن هي مفتحة لهم أبوابها، أو على أنهما مبتدأ وخبر.
ووجه ارتباط الجملة بما قبلها أنها مفسرة لحسن المآب لأن محصلها جنات أبوابها فتحت إكراما لهم، أو هي معترضة.