أي أنيبوا من أجل أن تقول ، وذهب بعض النحاة إلى أن التقدير لئلا تقول وتنكير ( نفس ) للتكثير بقرينة المقام كما في قول الأعشى :
ورب بقيع لو هتفت بجوه أتاني كريم ينفض الرأس مغضبا
فإنه أراد أفواجا من الكرام ينصرونه لا كريما واحدا ، وجوز أن يكون للتبعيض لأن القائل بعض الأنفس واستظهره ، قيل : ويكفي ذلك في الوعيد لأن كل نفس يحتمل أن تكون تلك ، وجوز أيضا [ ص: 17 ] أن يكون للتعظيم أي نفس متميزة من الأنفس إما بلجاج في الكفر شديد أو بعذاب عظيم ، وليس بذاك أبو حيان يا حسرتا بالألف بدل ياء الإضافة ، والمعنى كما قال يا حسرتي احضري فهذا وقتك . وقرأ سيبويه في الوقف «يا حسرتاه » بهاء السكت . وقرأ ابن كثير «يا حسرتي » بياء الإضافة ، وعنه «يا حسرتاي » بالألف والياء التحتية مفتوحة أو ساكنة جمعا بين العوض والمعوض كذا قيل ، ولا يخفى أن مثل هذا غير جائز اللهم إلا شاذا استعمالا وقياسا ، فالأوجه أن يكون ثنى الحسرة مبالغة على نحو لبيك وسعديك وأقام بين ظهريهم وظهرانيهم على لغة أبو جعفر بلحارث بن كعب من إبقاء المثنى على الألف في الأحوال كلها ، واختار ذلك صاحب الكشف ، وجوز أبو الفضل الرازي أيضا في كتابه اللوامح أن تكون التثنية على ظاهرها على تلك اللغة والمراد حسرة فوت الجنة وحسرة دخول النار ، واعتبار التكثير أولى لكثرة حسراتهم يوم القيامة على ما فرطت أي بسبب تفريطي - فعلى - تعليلية وما مصدرية كما في قوله تعالى : ولتكبروا الله على ما هداكم [البقرة : 185] والتفريط التقصير في جنب الله أي جانبه ، قال : أصل الجنب الجارحة ثم يستعار للناحية والجهة التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك نحو اليمين والشمال ، والمراد هنا الجهة مجازا ، والكلام على حذف مضاف أي في جنب طاعة الله أو في حقه تعالى أي ما يحق له سبحانه ويلزم وهو طاعته عز وجل وعلى ذلك قول الراغب سابق البربري من شعراء الحماسة :
أما تتقين الله في جنب عاشق له كبد حرى عليك تقطع
والتفريط في جهة الطاعة كناية عن التفريط في الطاعة نفسها لأن من ضيع جهة ضيع ما فيها بطريق الأولى الأبلغ لكونه بطريق برهاني ، ونظير ذلك قول زياد الأعجم :
إن السماحة والمروءة والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج
ولا مانع من أن يكون للطاعة وكذا حق الله تعالى بمعنى طاعته سبحانه جهة بالتبعية للمطيع كمكان السماحة وما معها في البيت ، ومما ذكرنا يعلم أنه لا مانع من الكناية كما توهم ، وقال الإمام : سمي الجنب جنبا لأنه جانب من جوانب الشيء ، والشيء الذي يكون من لوازم الشيء وتوابعه يكون كأنه جند من جنوده وجانب من جوانبه فلما حصلت المشابهة بين الجنب الذي هو العضو وبين ما يكون لازما للشيء وتابعا له لا جرم حسن إطلاق لفظ الجنب على الحق والأمر والطاعة . انتهى . . وجعلوا في الكلام عليه استعارة تصريحية وليس هناك مضاف مقدر ، وليس بذاك .
وقول : يريد على ما ضيعت من ثواب الله ، ابن عباس : على ما ضيعت من ذكر الله ومقاتل ومجاهد : على ما فرطت في أمر الله ، والسدي : في طاعة الله ، والحسن : في حق الله بيان لحاصل المعنى ، وقيل : الجنب مجاز عن الذات كالجانب أو المجلس يستعمل مجازا لربه ، فيكون المعنى على ما فرطت في ذات الله . وضعف بأن الجنب لا يليق إطلاقه عليه تعالى ولو مجازا ، وركاكته ظاهرة أيضا ، وقيل : هو مجاز عن القرب أي على ما فرطت في قرب الله . وضعف بأنه محتاج إلى تجوز آخر ، ويرجع الأمر في الآخرة إلى طاعة الله تعالى ونحوها . وبالجملة لا يمكن إبقاء الكلام على حقيقته لتنزهه عز وجل من الجنب بالمعنى الحقيقي . وسعيد بن جبير
ولم أقف على عد أحد من السلف إياه من الصفات السمعية ، ولا أعول على ما في المواقف ، وعلى فرض العد [ ص: 18 ] كلامهم فيها شهير وكلهم مجمعون على التنزيه وسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وفي حرف عبد الله «في ذكر الله » وحفصة وإن كنت لمن الساخرين أي المستهزئين بدين الله تعالى وأهله ، ( وأن ) هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة والجملة في محل النصب على الحال عند أي فرطت في حال سخريتي . الزمخشري
وقال في البحر : ويظهر أنها استئناف إخبار عن نفسه بما كان عليه في الدنيا لا حال ، والمقصود من ذلك الإخبار التحسر والتحزن