وأكثر أهل اللغة على أنه لم يسمع من العرب وأنه عامي صرف وإن كان من باب المجاز الواسع.
قال ابن السيد في المقتضب البراءة في الأصل مصدر برئ براءة، وأما البراءة المستعملة في صناعة الكتاب فتسميتها بذلك إما على أنها من برئ من دينه إذا أداه وبرئت من الأمر إذا تخليت منه فكأن المطلوب منه أمر تبرأ إلى الطالب أو تخلى، وقيل: أصله أن الجاني كان إذا جنى وعفا عنه الملك كتب له كتاب أمان مما خافه فكان يقال: كتب السلطان لفلان براءة ثم عمم ذلك فيما كتب من أولي الأمر وأمثالهم اهـ.
وذكروا في أخبارا كثيرة، منها ما أخرجه فضل هذه الليلة ابن ماجه في شعب الإيمان عن والبيهقي كرم الله وجهه قال: (قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم علي وما أخرجه إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر) . الترمذي . وابن أبي شيبة . والبيهقي . وابن ماجه قالت: (فقدت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذات ليلة فخرجت أطلبه فإذا هو بالبقيع رافعا رأسه إلى السماء فقال يا عائشة : أكنت تخافين أن يحيف الله تعالى عليك ورسوله؟ قلت: ما بي من ذلك ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) عائشة وما أخرجه عن في المسند عن أحمد بن حنبل أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر بعضهم فيها صلاة مخصوصة وأنها تعدل عشرين حجة مبرورة وصيام عشرين سنة مقبولا، وروى في ذلك حديثا طويلا عن (يطلع الله تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن وقاتل نفس) كرم الله تعالى وجهه، وقد أخرجه علي ثم قال: يشبه أن يكون هذا الحديث موضوعا وهو منكر وفي رواته مجهولون وأطال الوعاظ الكلام في هذه الليلة وذكر فضائلها وخواصها، وذكروا عدة أخبار في أن الآجال تنسخ فيها. وفي الدر المنثور طرف غير يسير من ذلك وسنذكر بعضا منه إن شاء الله تعالى. وفي البحر قال البيهقي الحافظ أبو بكر بن العربي: لا يصح فيها شيء ولا نسخ الآجال فيها ولا يخلو من مجازفة والله تعالى أعلم. والمراد بإنزاله في تلك الليلة إنزاله فيها جملة إلى السماء الدنيا من اللوح فالإنزال المنجم في ثلاث وعشرين سنة أو أقل كان من السماء الدنيا وروي هذا عن وغيره، وذكر أن المحل الذي أنزل فيه من تلك السماء البيت المعمور وهو مسامت ابن جرير للكعبة بحيث لو نزل لنزل عليها.
وأخرج سعيد بن منصور عن أنه قال: نزل القرآن جملة على إبراهيم النخعي جبريل عليه السلام وكان جبريل عليه السلام يجيء به بعد إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقال غير واحد: المراد ابتداء إنزاله في تلك الليلة على التجوز في الطرف أو النسبة واستشكل ذلك بأن [ ص: 112 ] ابتداء السنة المحرم أو شهر ربيع الأول لأنه ولد فيه صلى الله تعالى عليه وسلم ومنه اعتبر التاريخ في حياته عليه الصلاة والسلام إلى خلافة رضي الله تعالى عنه وهو الأصح، وقد كان الوحي إليه صلى الله تعالى عليه وسلم على رأس الأربعين سنة من مدة عمره عليه الصلاة والسلام على المشهور من عدة أقوال فكيف يكون ابتداء الإنزال في ليلة القدر من شهر رمضان أو في ليلة البراءة من شعبان. عمر
وأجيب بأن كان مناما في شهر ربيع الأول ولم يكن بإنزال شيء من القرآن والوحي يقظة مع الإنزال كان في يوم الإثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان، وقيل لسبع منه، وقيل لأربع وعشرين ليلة منه، وأنت تعلم كثرة اختلاف الأقوال في هذا المقام فمن يقول بابتداء إنزاله في شهر يلتزم منها ما لا يأباه. ابتداء الوحي
واختلف في أول ما نزل منه، ففي صحيح أنه مسلم يا أيها المدثر وتعقبه النووي في شرحه فقال: إنه ضعيف بل باطل والصواب أن أول ما نزل على الإطلاق اقرأ باسم ربك كما صرح به في حديث ، وأما عائشة يا أيها المدثر فكان نزولها بعد فترة الوحي كما صرح به في رواية عن الزهري أبي سلمة . عن . جابر
وأما قول من قال من المفسرين أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يذكر اهـ والكلام في ذلك مستوفى في الإتقان فليرجع إليه من أراده.
ووصف الليلة بالبركة لما أن إنزال القرآن مستتبع للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها أو لما فيها من تنزل الملائكة والرحمة وإجابة الدعوة وفضيلة العبادة أو لما فيها من ذلك وتقدير الأرزاق وفصل الأقضية كالآجال وغيرها وإعطاء تمام الشفاعة له عليه الصلاة والسلام، وهذا بناء على أنها ليلة البراءة، فقد روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطي الثلث منها ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطي الثلثين ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطي الجميع إلا من شرد على الله تعالى شراد البعير، وأيا ما كان فقد قيل: إن التعليل إنما يحتاج إليه بناء على القول بما اختاره العز بن عبد السلام من أن الأمكنة والأزمنة كلها متساوية في حد ذاتها لا يفضل بعضها بعضا إلا بما يقع فيها من الأعمال ونحوها، وزاد بعضهم أو يحل لتدخل البقعة التي ضمته صلى الله تعالى عليه وسلم فإنها أفضل البقاع الأرضية والسماوية حتى قيل وبه أقول إنها أفضل من العرش.
والحق أنه لا يبعد أن يخص الله سبحانه بعضها بمزيد تشريف حتى يصير ذلك داعيا إلى إقدام المكلف على الأعمال فيها أو لحكمة أخرى، وجملة إنا أنزلناه جواب القسم، وفي ذلك مبالغة نحو ما في قوله:
وثناياك إنها إغريض
.وقوله تعالى: إنا كنا منذرين استئناف يبين المقتضي للإنزال،