واستمع أمر بالاستماع ، والظاهر أنه أريد به حقيقته ، والمستمع له محذوف تقديره واستمع لما أخبر به من أهوال يوم القيامة ، وبين ذلك بقوله تعالى : يوم يناد المناد إلى آخره ، وسلك هذا لما في الإبهام ثم التفسير من التهويل والتعظيم لشأن المخبر به ، وانتصب ( يوم ) بما دل عليه ذلك يوم الخروج أي يوم ينادي المنادي يخرجون من القبور ، وقيل : المفعول محذوف تقديره نداء المنادي ، وقيل : تقديره نداء الكافرين بالويل والثبور ( ويوم ) ظرف لذلك المحذوف ، وقيل : لا يحتاج ذلك إلى مفعول والمعنى كن مستمعا ولا تكن غافلا ، وقيل : معنى استمع انتظر ، والخطاب لكل [ ص: 194 ] سامع ، وقيل : للرسول عليه الصلاة والسلام ( ويوم ) منتصب على أنه مفعول به لاستمع أي انتظر يوم ينادي المنادي فإن فيه تبين صحة ما قلته كما تقول لمن تعده بورود فتح : استمع كذا وكذا . والمنادي على ما في بعض الآثار جبريل عليه السلام ينفخ إسرافيل في الصور وينادي جبريل يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والشعور المتقطعة إن الله يأمرك أن تجتمعي لفصل الحساب . وأخرج ، ابن عساكر والواسطي في فضائل بيت المقدس عن يزيد بن جابر أن إسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور فيقول : يا أيتها العظام النخرة إلى آخره فيكون المراد بالمنادي هو عليه السلام . وفي الحواشي الشهابية الأول هو الأصح من مكان قريب هو صخرة بيت المقدس على ما روي عن يزيد بن جابر وكعب وبريدة وابن عباس ، وهي على ما روي عن وقتادة كعب أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا .
وفي الكشاف أنها أقرب إليها باثني عشر ميلا وهي وسط الأرض ، وأنت تعلم أن مثل هذا لا يقبل إلا بوحي ، ثم إن كونها وسط الأرض مما تأباه القواعد في معرفة العروض والأطوال ، ومن هنا قيل : المراد قريب ممن يناديهم فقيل : ينادي من تحت أقدامهم ، وقيل : من منابت شعورهم فيسمع من كل شعرة يا أيتها العظام النخرة إلخ ، ومن الناس من قال : المراد بقربه كون النداء منه لا يخفى على أحد بل يستوي في سماعه كل أحد ، والنداء في كل ذلك على حقيقته ، وجوز أن يكون في الإعادة نظير كن في الابتداء على المشهور فهو تمثيل لإحياء الموتى بمجرد الإرادة ولا نداء ولا صوت حقيقة ، ثم إن ما ذكرناه من أن المنادي ملك وأنه ينادي بما سمعت هو المأثور ، وجوز أن يكون نداؤه بقوله للنفس : ارجعي إلى ربك لتدخلن مكانك من الجنة أو النار أو هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار ، وأن يكون المنادي هو الله تعالى ينادي احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أو ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مع قوله تعالى : ادخلوها بسلام أو خذوه فغلوه أو أين شركائي أو غير ذلك ، وأن يكون غيره تعالى وغير الملك من المكلفين ينادي يا مالك ليقض علينا ربك أو أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله أو غير ذلك ، والمعول عليه ما تقدم