إن الذين يحادون الله ورسوله أي يعادونهما ويشاقونهما لأن كلا من المتعاديين في حد وجهة غير حد الآخر وجهته كما أن كلا منهما في عدوة وشق غير عدوة الآخر وشقه ، وقيل : إطلاق ذلك على المتعاديين باعتبار استعمال الحديد لكثرة ما يقع بينهما في المحاربة بالحديد كالسيوف والنصال وغيرها والأول أظهر وفي ذكر المحادة في أثناء ذكر حدود الله تعالى دون المعاداة والمشاقة حسن موقع جاوز الحد ، وقال ناصر الدين البيضاوي : أو يضعون أو يختارون حدودا غير حدود الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ومناسبته لما قبله في غاية الظهور .
قال المولى شيخ الإسلام سعد الله جبلي : وعلى هذا ففيه وعيد عظيم للملوك وأمراء السوء الذين وضعوا أمورا خلاف ما حده الشرع وسموها اليسا والقانون ، والله تعالى المستعان على ما يصفون . . اهـ ، وقال شهاب الدين الخفاجي بعد نقله : وقد صنف العارف بالله الشيخ بهاء الدين قدس الله تعالى روحه رسالة في كفر من يقول : يعمل بالقانون والشرع إذا قابل بينهما ، وقد قال الله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم [المائدة : 3] وقد وصل الدين إلى مرتبة من الكمال لا يقبل التكميل ، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ، ولكن أين من يعقل ؟ ! . انتهى .
وليتني رأيت هذه الرسالة ووقفت على ما فيها فإن إطلاق القول بالكفر مشكل عندي فتأمل ، ثم إنه لا شبهة في أنه لا بأس بالقوانين السياسية وإذا وقعت باتفاق ذوي الآراء من أهل الحل والعقد على وجه يحسن به [ ص: 21 ]
[ ص: 22 ]
الانتظام ويصلح أمر الخاص والعام ، ومنها تعيين مراتب التأديب والزجر على معاص وجنايات لم ينص الشارع فيها على حد معين بل فوض الأمر في ذلك لرأي الإمام فليس ذلك في المحادة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في شيء بل فيه استيفاء حقه تعالى على أتم وجه لما فيه من الزجر عن المعاصي وهو أمر مهم للشارع عليه الصلاة والسلام . ويرشد إليه ما في تحفة المحتاج أن للإمام أن يستوفي التعزير إذا عفى صاحب الحق لأن الساقط بالعفو هو حق الآدمي ، والذي يستوفيه الإمام هو حق الله تعالى للمصلحة ، وفي كتاب الخراج للإمام أبي يوسف عليه الرحمة إشارة إلى ذلك أيضا ولا يعكر على ذلك ونحوه قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم [المائدة : 3] لأن المراد إكماله من حيث تضمنه ما يدل على حكمه تعالى خصوصا أو عموما ، ويرشد إلى هذا عدم النكير على أحد من المجتهدين إذا قال بشيء لم يكن منصوصا عليه بخصوصه ، ومن ذلك ما ثبت بالقياس بأقسامه ، نعم القانون الذي يكون وراء ذلك بأن كان مصادما لما نطقت به الشريعة الغراء زائغا عن سنن المحجة البيضاء فيه ما فيه كما لا يخفى على العارف النبيه ، وقد يقال في الآية على المعنى الذي ذكره : إن المراد بالموصول الواضعون لحدود الكفر وقوانينه كأئمة الكفر أو المختارون لها العاملون بها كأتباعهم ، ثم إن الآية - على ما في البحر - نزلت في كفار البيضاوي قريش كبتوا أي أخزوا كما قال ، أو غيظوا كما قال قتادة أو ردوا مخذولين - كما قال الفراء - أو أهلكوا كما قال ابن زيد أبو عبيدة . والأخفش
وعن أن تاءه بدل من الدال ، والأصل - كبدوا - أي أصابهم داء في أكبادهم وقال أبي عبيدة : لعنوا ، وقيل : الكبت الكب وهو الإلقاء على الوجه ، وفسره السدي هنا بالرد بعنف وتذليل ، وذلك إشارة عند الأكثرين إلى ما كان يوم الخندق ، وقيل : إلى ما كان يوم الراغب بدر ، وقيل : معنى كبتوا سيكبتون على طريقة قوله تعالى : أتى أمر الله [النحل : 1] وهو بشارة للمؤمنين بالنصر على الكفار وتحقق كبتهم .
كما كبت الذين من قبلهم من كفار الأمم الماضية المحادين لله عز وجل ورسله عليهم الصلاة والسلام وقد أنزلنا آيات بينات حال من واو كبتوا أي كبتوا لمحادتهم ، والحال أنا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حادالله تعالى ورسوله من قبلهم من الأمم وفيما فعلنا بهم ، وقيل : آيات تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به وللكافرين أي بتلك الآيات أو بكل ما يجب الإيمان به فتدخل فيه تلك الآيات دخولا أوليا عذاب مهين يذهب بعزهم وكبرهم