[ ص: 118 ] nindex.php?page=treesubj&link=30479_30563_30569_30797_34091_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167وليعلم الذين نافقوا كعبد الله بن أبي وأصحابه ، وهذا عطف على ما قبله من مثله ، وإعادة الفعل إما للاعتناء بهذه العلة ، أو لتشريف المؤمنين وتنزيههم عن الانتظام في قرن المنافقين ، وللإيذان باختلاف حال العلم بحسب التعلق بالفريقين ، فإنه متعلق بالمؤمنين على نهج تعلقه السابق ، وبالمنافقين على نهج جديد وهو السر - كما قاله
شيخ الإسلام - في إيراد الأولين بصيغة اسم الفاعل المنبئة عن الاستمرار ، والآخرين بموصول صلته فعل دال على الحدوث ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167وقيل لهم عطف على نافقوا مؤذن بأن ذلك كان نفاقا خاصا أظهروه في ذلك المقام .
وقيل : ابتداء كلام معطوف على مجموع ما قبله عطف قصة على قصة ، ووجهه أنه جل شأنه لما ذكر أحوال المؤمنين وما جرى لهم وعليهم فيما تقدم من الآيات وبين أن الدائرة إنما كانت للابتلاء وليتميز المؤمنون عن المنافقين ، وليعلم كل واحد من الفريقين أن ما قدره الله تعالى من إصابة المؤمنين كائن لا محالة أورد قصة من قصصهم مناسبة لهذا المقام مستطردة ، وجيء بالواو لأنها ملائمة لأصل الكلام ، والنفاق على هذا مطلق متعارف ، وجوز أن يكون كلاما مبتدأ على سبيل الاعتراض للتنبيه على كيفية ظهور نفاقهم أو عدم ثباتهم على الإيمان .
وعلى كل تقدير ، القائل إما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13720الأصم ، وإما
عبد الله بن عمرو بن حرام من
بني سلمة ، وإليه ذهب الأكثر ، ومقول القول قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167أو ادفعوا عنا العدو بتكثير السواد ، وهو المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقيل : إنهم خيروا بين أن يقاتلوا للآخرة أو لدفع الكفار عن أنفسهم وأموالهم أو بين الأول وبين دفع المؤمنين عن ذلك ، كأنه قيل : قاتلوا لله تعالى أو للنفاق الدافع عن أنفسكم وأموالكم ، وترك العاطف الفاء أو الواو بين (تعالوا) ، و (قاتلوا) لما أن المقصود بهما واحد وهو الثاني ، وذكر الأول توطئة له وترغيبا فيه لما فيه من الدلالة على التظاهر والتعاون ، وقيل : ترك العاطف للإشارة إلى أن كل واحد من الجملتين مقصود بنفسه ، وقيل : الأمر الثاني حال ولا يخفى بعده .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167قالوا استئناف بياني كأنه قيل فما صنعوا حين قيل لهم ذلك ؟ فقيل قالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167لو نعلم قتالا لاتبعناكم أي لو كنا نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ، ولكن لا نرى أن يكون قتال . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وغيره عن
ابن شهاب ، وقيل : أرادوا إنا لا نحسن القتال ولا نقدر عليه لأن العلم بالفعل الاختياري من لوازم القدرة عليه ، فعبر بنفيه عن نفيها ، ويحتمل أنهم جعلوا نفي علم القتال كناية عن أن ما هم فيه ليس قتالا بناء على نفي العلم بنفي المعلوم ؛ لأن القتال يستدعي التكافؤ من الجانبين مع رجاء مدافعة أو مغالبة ، ومتى لم يتحقق ذلك كان إلقاء الأنفس إلى التهلكة ، ومن الناس من جوز أن يكون المراد
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167لو نعلم قتالا في سبيل الله لاتبعناكم ، أو لو نعلم قتالا معنا لاتبعناكم ، لكن ليس للمخالف معنا مضادة ولا قصد له إلا معكم ، ولا يخفى أن هذا الكلام على جميع تقاديره يصلح وقوعه جوابا لما قيل لهم على جميع تقاديره ما عدا الأول ، وعلى الأول يصلح هذا جوابا له على جميع تقاديره ما عدا الثاني ، إذ عدم المعرفة بالقتال لا يكون عذرا في عدم تكثير السواد إلا على بعد ، ومن كلامهم :
إن لم تقاتل يا جبان فشجع .
والمراد بالاتباع إما الذهاب للقتال ولم يعبروا به لأن ألسنتهم لكمال تثبط قلوبهم عنه لا تساعدهم على الإفصاح به ، وأما الذهاب مع المؤمنين مطلقا سواء كان للقتال أو للدفع وتكثير السواد وحمله على امتثال الأمر أي لو كنا نعلم قتالا لامتثلنا أمركم لا يخلو عن بعد .
[ ص: 119 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان أي هم يوم إذ قالوا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167لو نعلم إلخ أقرب للكفر منهم قبل ذلك لظهور أمارته عليهم بانخذالهم عن نصرة المؤمنين واعتذارهم لهم على وجه الدغل والاستهزاء .
والظروف كلها في المشهور عند المعربين متعلقة بأقرب ، ومن قواعدهم أنه لا يتعلق حرفا جر أو ظرفان بمعنى بمتعلق واحد إلا في ثلاث صور : إحداها أن يتعلق أحدهما به مطلقا ثم يتعلق به الآخر بعد تقييده بالأول ، وثانيتها أن يكون الثاني تابعا للأول ببدلية ونحوها ، وثالثتها أن يكون المتعلق أفعل تفضيل لتضمنه الفاضل والمفضول الذي يجعله بمنزلة تعدد المتعلق كما في المقيد والمطلق ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، كأنه قيل قربهم من الكفر يزيد على قربهم من الإيمان ، واللام الجارة في الموضعين بمعنى إلى بناء على ما قيل : إن صلة القرب تكون من وإلى لا غير ، تقول : قرب منه وإليه ، ولا تقول له ، أو على حالها بناء على ما في الدر المصون أن القرب الذي هو ضد البعد يتعدى بثلاثة أحرف : اللام وإلى ومن ، وقيل : إن (أقرب) هنا من القرب بفتح الراء وهو طلب الماء ومنه القارب لسفينته ، وليلة القرب أي الورود ، والمعنى هم أطلب للكفر ، وحينئذ يتعدى باللام اتفاقا .
وزعم بعضهم أن اللام هنا للتعليل ، والتقدير هم لأجل كفرهم يومئذ (أقرب) من الكافرين منهم من المؤمنين لأجل إيمانهم ، ولا ينبغي أن يخرج كلام الله تعالى عليه لمزيد بعده وركاكة نظمه لو صرح بما حذف فيه .
وجوز أن يقدر في الكلام مضاف وهو أهل ، واللام متعلقة بتمييز محذوف وهو نصرة ، والمعنى هم لأهل الكفر (أقرب) نصرة منهم لأهل الإيمان ، إذ كان انخذالهم ومقالهم تقوية للمشركين وتخذيلا للمؤمنين ، وهذا كما تقول : أنا لزيد أشد ضربا مني لعمرو ، وأنت تعلم أنه يمكن تعلق اللام بالتمييز عند عدم اعتبار حذف المضاف أيضا ، وادعى
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي أن في الآية دليلا على أن الآتي بكلمة التوحيد لا يكفر لأنه تعالى لم يظهر القول بتكفيرهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : إذا قال الله تعالى : (أقرب) فهو لليقين بأنهم مشركون ، ولا يخفى أن الآية كالصريح في كفرهم ، لكنهم مع هذا لا يستحقون أن يعاملوا بذلك معاملة الكفار ولعله لأمر آخر .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم جملة مستأنفة مبينة لحالهم مطلقا لا في ذلك اليوم فقط ولذا فصلت ، وقيل : حال من ضمير (أقرب) وتقييد القول بالأفواه إما بيان لأنه كلام لفظي لا نفسي ، وإما تأكيد على حد
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ولا طائر يطير بجناحيه والمراد أنهم يظهرون خلاف ما يضمرون ، وقال
شيخ الإسلام : إن ذكر الأفواه والقلوب تصوير لنفاقهم وتوضيح لمخالفة ظاهرهم لباطنهم ، وإن (ما) عبارة عن القول ، والمراد به إما نفس الكلام الظاهر في اللسان تارة ، وفي القلب أخرى ، فالمثبت والمنفي متحدان ذاتا وصفة ، وإن اختلفا مظهرا ، وإما القول الملفوظ فقط فالمنفي حينئذ منشؤه الذي لا ينفك عنه القول أصلا ، وإنما عبر عنه به إبانة لما بينهما من شدة الاتصال ، والمعنى يتفوهون بقول لا وجود له أو لمنشئه في قلوبهم أصلا من الأباطيل التي من جملتها ما حكى عنهم آنفا ، فإنهم أظهروا فيه أمرين ليس في قلوبهم شيء منهما ، أحدهما عدم العلم بالقتال ، والآخر الاتباع على تقدير العلم به ، وقد كذبوا فيهما كذبا بينا ، حيث كانوا عالمين به مصرين مع ذلك على الانخذال عازمين على الارتداد ، واختار بعضهم كون (ما) عبارة عن القول الملفوظ ، ومعنى كونه ليس في قلوبهم أنه غير معتقد لهم ولا متصور عندهم إلا كتصور زوجية الثلاثة مثلا ، والحكم عام ، ويدخل فيه حكم ما تفوهوا به من مجموع القضية الشرطية لا خصوص المقدم فقط ، ولا خصوص
[ ص: 120 ] التالي فقط ، ولا الأمران معا دون الهيئة الاجتماعية المعتبرة في القضية ، ولعل ما ذكره
الشيخ أولى .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167والله أعلم بما يكتمون زيادة تحقيق لكفرهم ونفاقهم ببيان اشتغال قلوبهم بما يخالف أقوالهم من فنون الشر والفساد إثر بيان خلوهم عما يوافقها ، والمراد أعلم من المؤمنين لأنه تعالى يعلمه مفصلا بعلم واجب ، والمؤمنون يعلمونه مجملا بأمارات ، ويجوز أن تكون الجملة الحالية للتنبيه على أنهم لا ينفعهم النفاق ، وأن المراد أعلم منهم لأن الله تعالى يعلم نتيجة أسرارهم وآمالهم .
[ ص: 118 ] nindex.php?page=treesubj&link=30479_30563_30569_30797_34091_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ ، وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ مِثْلِهِ ، وَإِعَادَةُ الْفِعْلِ إِمَّا لِلِاعْتِنَاءِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ ، أَوْ لِتَشْرِيفِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَنْزِيهِهِمْ عَنِ الِانْتِظَامِ فِي قَرْنِ الْمُنَافِقِينَ ، وَلِلْإِيذَانِ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْعِلْمِ بِحَسَبِ التَّعَلُّقِ بِالْفَرِيقَيْنِ ، فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُؤْمِنِينَ عَلَى نَهْجِ تَعَلُّقِهِ السَّابِقِ ، وَبِالْمُنَافِقِينَ عَلَى نَهْجٍ جَدِيدٍ وَهُوَ السِّرُّ - كَمَا قَالَهُ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ - فِي إِيرَادِ الْأَوَّلِينَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ الْمُنْبِئَةِ عَنِ الِاسْتِمْرَارِ ، وَالْآخِرِينَ بِمَوْصُولٍ صِلَتُهُ فِعْلٌ دَالٌّ عَلَى الْحُدُوثِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167وَقِيلَ لَهُمْ عَطْفٌ عَلَى نَافَقُوا مُؤْذِنٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ نِفَاقًا خَاصًّا أَظْهَرُوهُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ .
وَقِيلَ : ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَجْمُوعِ مَا قَبْلَهُ عَطْفَ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ لَمَّا ذَكَرَ أَحْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا جَرَى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ وَبَيَّنَ أَنَّ الدَّائِرَةَ إِنَّمَا كَانَتْ لِلِابْتِلَاءِ وَلِيَتَمَيَّزَ الْمُؤْمِنُونَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ ، وَلِيَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إِصَابَةِ الْمُؤْمِنِينَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ أَوْرَدَ قِصَّةً مِنْ قَصَصِهِمْ مُنَاسِبَةً لِهَذَا الْمَقَامِ مُسْتَطْرَدَةً ، وَجِيءَ بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا مُلَائِمَةٌ لِأَصْلِ الْكَلَامِ ، وَالنِّفَاقُ عَلَى هَذَا مُطْلَقٌ مُتَعَارَفٌ ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُبْتَدَأً عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِرَاضِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى كَيْفِيَّةِ ظُهُورِ نِفَاقِهِمْ أَوْ عَدَمِ ثَبَاتِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ .
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ، الْقَائِلُ إِمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13720الْأَصَمُّ ، وَإِمَّا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ مِنْ
بَنِي سَلِمَةَ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ ، وَمَقُولُ الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167أَوِ ادْفَعُوا عَنَّا الْعَدُوَّ بِتَكْثِيرِ السَّوَادِ ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقِيلَ : إِنَّهُمْ خُيِّرُوا بَيْنَ أَنْ يُقَاتِلُوا لِلْآخِرَةِ أَوْ لِدَفْعِ الْكُفَّارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ أَوْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ دَفْعِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : قَاتِلُوا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنِّفَاقِ الدَّافِعِ عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَتُرِكَ الْعَاطِفُ الْفَاءُ أَوِ الْوَاوُ بَيْنَ (تَعَالَوْا) ، وَ (قَاتِلُوا) لِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الثَّانِي ، وَذُكِرَ الْأَوَّلُ تَوْطِئَةً لَهُ وَتَرْغِيبًا فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّظَاهُرِ وَالتَّعَاوُنِ ، وَقِيلَ : تُرِكَ الْعَاطِفُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ مَقْصُودٌ بِنَفْسِهِ ، وَقِيلَ : الْأَمْرُ الثَّانِي حَالٌ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167قَالُوا اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ كَأَنَّهُ قِيلَ فَمَا صَنَعُوا حِينَ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ ؟ فَقِيلَ قَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ أَيْ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ مَا أَسْلَمْنَاكُمْ ، وَلَكِنْ لَا نَرَى أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ . أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ ، وَقِيلَ : أَرَادُوا إِنَّا لَا نُحْسِنُ الْقِتَالَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ لَوَازِمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، فَعَبَّرَ بِنَفْيِهِ عَنْ نَفْيِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا نَفْيَ عِلْمِ الْقِتَالِ كِنَايَةً عَنْ أَنَّ مَا هُمْ فِيهِ لَيْسَ قِتَالًا بِنَاءً عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِنَفْيِ الْمَعْلُومِ ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ يَسْتَدْعِي التَّكَافُؤَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَعَ رَجَاءِ مُدَافَعَةٍ أَوْ مُغَالَبَةٍ ، وَمَتَى لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ كَانَ إِلْقَاءُ الْأَنْفُسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَاتَّبَعْنَاكُمْ ، أَوْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا مَعَنَا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ، لَكِنْ لَيْسَ لِلْمُخَالِفِ مَعَنَا مُضَادَّةٌ وَلَا قَصْدٌ لَهُ إِلَّا مَعَكُمْ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى جَمِيعِ تَقَادِيرِهِ يَصْلُحُ وُقُوعُهُ جَوَابًا لِمَا قِيلَ لَهُمْ عَلَى جَمِيعِ تَقَادِيرِهِ مَا عَدَا الْأَوَّلِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَصْلُحُ هَذَا جَوَابًا لَهُ عَلَى جَمِيعِ تَقَادِيرِهِ مَا عَدَا الثَّانِي ، إِذْ عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ بِالْقِتَالِ لَا يَكُونُ عُذْرًا فِي عَدَمِ تَكْثِيرِ السَّوَادِ إِلَّا عَلَى بُعْدٍ ، وَمِنْ كَلَامِهِمْ :
إِنْ لَمْ تُقَاتِلْ يَا جَبَانُ فَشَجِّعْ .
وَالْمُرَادُ بِالِاتِّبَاعِ إِمَّا الذَّهَابُ لِلْقِتَالِ وَلَمْ يُعَبِّرُوا بِهِ لِأَنَّ أَلْسِنَتَهُمْ لِكَمَالِ تَثَبُّطِ قُلُوبِهِمْ عَنْهُ لَا تُسَاعِدُهُمْ عَلَى الْإِفْصَاحِ بِهِ ، وَأَمَّا الذَّهَابُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِلْقِتَالِ أَوْ لِلدَّفْعِ وَتَكْثِيرِ السَّوَادِ وَحَمْلُهُ عَلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ أَيْ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ قِتَالًا لَامْتَثَلْنَا أَمْرَكُمْ لَا يَخْلُو عَنْ بُعْدٍ .
[ ص: 119 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ أَيْ هُمْ يَوْمَ إِذْ قَالُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167لَوْ نَعْلَمُ إِلَخْ أَقْرَبُ لِلْكُفْرِ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لِظُهُورِ أَمَارَتِهِ عَلَيْهِمْ بِانْخِذَالِهِمْ عَنْ نُصْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَاعْتِذَارِهِمْ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ الدَّغَلِ وَالِاسْتِهْزَاءِ .
وَالظُّرُوفُ كُلُّهَا فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمُعَرِّبِينَ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَقْرَبَ ، وَمِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ حَرْفَا جَرٍّ أَوْ ظَرْفَانِ بِمَعْنًى بِمُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ إِلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ : إِحْدَاهَا أَنْ يَتَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِهِ مُطْلَقًا ثُمَّ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْآخَرُ بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِالْأَوَّلِ ، وَثَانِيَتُهَا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي تَابِعًا لِلْأَوَّلِ بِبَدَلِيَّةٍ وَنَحْوِهَا ، وَثَالِثَتُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَلِّقُ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ لِتَضَمُّنِهِ الْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ الَّذِي يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ تَعَدُّدِ الْمُتَعَلِّقِ كَمَا فِي الْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ قُرْبُهُمْ مِنَ الْكُفْرِ يَزِيدُ عَلَى قُرْبِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَاللَّامُ الْجَارَّةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنَى إِلَى بِنَاءً عَلَى مَا قِيلَ : إِنَّ صِلَةَ الْقُرْبِ تَكُونُ مِنْ وَإِلَى لَا غَيْرَ ، تَقُولُ : قَرُبَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ ، وَلَا تَقُولُ لَهُ ، أَوْ عَلَى حَالِهَا بِنَاءً عَلَى مَا فِي الدُّرِّ الْمَصُونِ أَنَّ الْقُرْبَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْبُعْدِ يَتَعَدَّى بِثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ : اللَّامُ وَإِلَى وَمِنْ ، وَقِيلَ : إِنَّ (أَقْرَبَ) هُنَا مِنَ الْقَرْبِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ طَلَبُ الْمَاءِ وَمِنْهُ الْقَارِبُ لِسَفِينَتِهِ ، وَلَيْلَةُ الْقَرْبِ أَيِ الْوُرُودِ ، وَالْمَعْنَى هُمْ أَطْلُبُ لِلْكُفْرِ ، وَحِينَئِذٍ يُتَعَدَّى بِاللَّامِ اتِّفَاقًا .
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ اللَّامَ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ ، وَالتَّقْدِيرُ هُمْ لِأَجْلِ كُفْرِهِمْ يَوْمَئِذٍ (أَقْرَبُ) مِنَ الْكَافِرِينَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لِمَزِيدِ بُعْدِهِ وَرَكَاكَةِ نَظْمِهِ لَوْ صَرَّحَ بِمَا حُذِفَ فِيهِ .
وَجُوِّزَ أَنْ يُقَدَّرَ فِي الْكَلَامِ مُضَافٌ وَهُوَ أَهْلٌ ، وَاللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَمْيِيزٍ مَحْذُوفٍ وَهُوَ نُصْرَةٌ ، وَالْمَعْنَى هُمْ لِأَهْلِ الْكُفْرِ (أَقْرَبُ) نُصْرَةً مِنْهُمْ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ ، إِذْ كَانَ انْخِذَالُهُمْ وَمَقَالُهُمْ تَقْوِيَةً لِلْمُشْرِكِينَ وَتَخْذِيلًا لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ : أَنَا لِزَيْدٍ أَشَدُّ ضَرْبًا مِنِّي لِعَمْرٍو ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يُمْكِنُ تَعَلُّقُ اللَّامِ بِالتَّمْيِيزِ عِنْدَ عَدَمِ اعْتِبَارِ حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْضًا ، وَادَّعَى
nindex.php?page=showalam&ids=15466الْوَاحِدِيُّ أَنَّ فِي الْآيَةِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْآتِيَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ لَا يُكَفَّرُ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُظْهِرِ الْقَوْلَ بِتَكْفِيرِهِمْ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ : إِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (أَقْرَبُ) فَهُوَ لِلْيَقِينِ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْآيَةَ كَالصَّرِيحِ فِي كُفْرِهِمْ ، لَكِنَّهُمْ مَعَ هَذَا لَا يَسْتَحِقُّونَ أَنْ يُعَامَلُوا بِذَلِكَ مُعَامَلَةَ الْكُفَّارِ وَلَعَلَّهُ لِأَمْرٍ آخَرَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِحَالِهِمْ مُطْلَقًا لَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَطْ وَلِذَا فُصِّلَتْ ، وَقِيلَ : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ (أَقْرَبُ) وَتَقْيِيدُ الْقَوْلِ بِالْأَفْوَاهِ إِمَّا بَيَانٌ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَفْظِيٌّ لَا نَفْسِيٌّ ، وَإِمَّا تَأْكِيدٌ عَلَى حَدِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُظْهِرُونَ خِلَافَ مَا يُضْمِرُونَ ، وَقَالَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ : إِنَّ ذِكْرَ الْأَفْوَاهِ وَالْقُلُوبِ تَصْوِيرٌ لِنِفَاقِهِمْ وَتَوْضِيحٌ لِمُخَالَفَةِ ظَاهِرِهِمْ لِبَاطِنِهِمْ ، وَإِنَّ (مَا) عِبَارَةٌ عَنِ الْقَوْلِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ إِمَّا نَفْسُ الْكَلَامِ الظَّاهِرِ فِي اللِّسَانِ تَارَةً ، وَفِي الْقَلْبِ أُخْرَى ، فَالْمُثْبَتُ وَالْمَنْفِيُّ مُتَّحِدَانِ ذَاتًا وَصِفَةً ، وَإِنِ اخْتَلَفَا مَظْهَرًا ، وَإِمَّا الْقَوْلُ الْمَلْفُوظُ فَقَطْ فَالْمَنْفِيُّ حِينَئِذٍ مَنْشَؤُهُ الَّذِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْقَوْلُ أَصْلًا ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِهِ إِبَانَةً لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ شَدَّةِ الِاتِّصَالِ ، وَالْمَعْنَى يَتَفَوَّهُونَ بِقَوْلٍ لَا وُجُودَ لَهُ أَوْ لِمَنْشَئِهِ فِي قُلُوبِهِمْ أَصْلًا مِنَ الْأَبَاطِيلِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا مَا حَكَى عَنْهُمْ آنِفًا ، فَإِنَّهُمْ أَظْهَرُوا فِيهِ أَمْرَيْنِ لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ شَيْءٌ مِنْهُمَا ، أَحَدُهُمَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْقِتَالِ ، وَالْآخَرُ الِاتِّبَاعُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِلْمِ بِهِ ، وَقَدْ كَذَبُوا فِيهِمَا كَذِبًا بَيِّنًا ، حَيْثُ كَانُوا عَالِمِينَ بِهِ مُصِرِّينَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الِانْخِذَالِ عَازِمِينَ عَلَى الِارْتِدَادِ ، وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ (مَا) عِبَارَةً عَنِ الْقَوْلِ الْمَلْفُوظِ ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقَدٍ لَهُمْ وَلَا مُتَصَوَّرٍ عِنْدَهُمْ إِلَّا كَتَصَوُّرِ زَوْجِيَّةِ الثَّلَاثَةِ مَثَلًا ، وَالْحُكْمُ عَامٌّ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ حُكْمُ مَا تَفَوَّهُوا بِهِ مِنْ مَجْمُوعِ الْقَضِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ لَا خُصُوصَ الْمُقَدَّمِ فَقَطْ ، وَلَا خُصُوصَ
[ ص: 120 ] التَّالِي فَقَطْ ، وَلَا الْأَمْرَانِ مَعًا دُونَ الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْقَضِيَّةِ ، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ
الشَّيْخُ أَوْلَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لِكُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ بِبَيَانِ اشْتِغَالِ قُلُوبِهِمْ بِمَا يُخَالِفُ أَقْوَالَهُمْ مِنْ فُنُونِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ إِثْرَ بَيَانِ خُلُّوِهِمْ عَمَّا يُوَافِقُهَا ، وَالْمُرَادُ أَعْلَمُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُهُ مُفَصَّلًا بِعِلْمٍ وَاجِبٍ ، وَالْمُؤْمِنُونَ يَعْلَمُونَهُ مُجْمَلًا بِأَمَارَاتٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُهُمُ النِّفَاقُ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ نَتِيجَةَ أَسْرَارِهِمْ وَآمَالِهِمْ .