سورة التحريم
ويقال لها : سورة المتحرم وسورة لم تحرم وسورة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن - سورة النساء - والمشهور أنها مدنية ، وعن ابن الزبير أن المدني منها إلى رأس العشر ، والباقي مكي ، وآيها اثنتا عشرة آية بالاتفاق ، وهي متوخية مع التي قبلها في الافتتاح بخطاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وتلك مشتملة على طلاق النساء ، وهذه على تحريم الإماء ، وبينهما من الملابسة ما لا يخفى ، ولما كانت تلك في خصام نساء الأمة ذكر في هذه خصومة نساء المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم إعظاما لمنصبهن أن يذكرن مع سائر النسوة فأفردن بسورة خاصة ولذا ختمت بذكر زوجيه صلى الله تعالى عليه وسلم في الجنة قتادة آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران قاله الجلال السيوطي عليه الرحمة .
بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك روى البخاري وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر عن وابن مردويه عائشة ويشرب عندها عسلا فتواصيت أنا زينب بنت جحش إن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير ؟ فدخل على إحداهما فقالت ذلك له ، فقال : لا بل شربت عسلا عند وحفصة ولن أعود زينب بنت جحش » وفي رواية «أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يمكث عند فنزلت «وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا » يا أيها النبي لم تحرم إلخ ، وفي رواية : أكلت مغافير ؟ قال : لا قالت : فما هذه الريح التي أجد منك ؟ قال : سقتني سودة شربة عسل ، فقالت : جرست نحلة العرفط » حفصة فحرم العسل فنزلت ، وفي حديث رواه «قالت البخاري ومسلم وأبو داود عن والنسائي شرب العسل في بيت عائشة ، والقائلة حفصة سودة . وصفية
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني قال وابن مردويه الحافظ السيوطي : بسند صحيح عن قال : ابن عباس من العسل فدخل على سودة فقالت : إني أجد منك ريحا فدخل على عائشة فقالت : إني أجد منك ريحا فقال : أراه من شراب شربته عند حفصة والله لا أشربه » سودة فنزلت . «كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شرب من شراب عند
وأخرج النسائي وصححه والحاكم عن وابن مردويه أنس عائشة حتى جعلها على نفسه حراما فأنزل الله تعالى هذه الآية وحفصة يا أيها النبي لم تحرم إلخ ، ويوافقه ما أخرجه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كانت له أمة يطؤها فلم تزل به ، البزار بسند حسن صحيح عن والطبراني قال : نزلت ابن عباس يا أيها النبي لم تحرم الآية في سريته .
والمشهور أنها مارية وأنه عليه الصلاة والسلام وطئها في بيت في يومها فوجدت وعاتبته فقال [ ص: 147 ] حفصة
صلى الله تعالى عليه وسلم : ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها ؟ قالت : بلى فحرمها ، وفي رواية أن ذلك كان في بيت في يوم حفصة ، وفي الكشاف روي عائشة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خلا بمارية في يوم وعلمت بذلك عائشة فقال لها : اكتمي علي وقد حرمت حفصة مارية على نفسي وأبشرك أن أبا بكر يملكان بعدي أمر أمتي فأخبرت وعمر وكانتا متصادقتين عائشة .
وبالجملة الأخبار متعارضة ، وقد سمعت ما قيل فيها لكن قال الخفاجي : قال النووي في شرح : الصحيح أن الآية في قصة العسل لا في قصة مسلم مارية المروية في غير الصحيحين ، ولم تأت قصة مارية في طريق صحيح ثم قال الخفاجي نقلا عنه أيضا : الصواب أن شرب العسل كان عند رضي الله تعالى عنها ، وقال زينب الطيبي فيما نقلناه عن الكشاف : ما وجدته في الكتب المشهورة والله تعالى أعلم .
والمغافير : بفتح الميم والغين المعجمة وبياء بعد الفاء - على ما صوبه القاضي عياض - جمع مغفور بضم الميم شيء له رائحة كريهة ينضحه العرفط وهو شجر أو نبات له ورق عريض ، وعن المطلع أن العرفط هو الصمغ ، والمغفور شوك له نور يأكل منه النحل يظهر العرفط عليه ، وكان صلى الله تعالى عليه وسلم يحب الطيب جدا ويكره الرائحة الكريهة للطافة نفسه الشريفة ولأن الملك يأتيه وهو يكرهها فشق عليه صلى الله تعالى عليه وسلم ما قيل فجرى ما جرى ، وفي ندائه صلى الله تعالى عليه وسلم- بيا أيها النبي - في مفتتح العتاب من حسن التلطف به والتنويه بشأنه عليه الصلاة والسلام ما لا يخفى ، ونظير ذلك قوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم [التوبة : 43] والمراد بالتحريم الامتناع . وبما أحل الله العسل على ما صححه النووي رحمه الله تعالى ، أو وطء سريته على ما في بعض الروايات ، ووجه التعبير - بما - على هذين التفسيرين ظاهر .
وفسر بعضهم ما بمارية والتعبير عنها - بما - على ما هو الشائع في التعبير بها عن ملك اليمين ، والنكتة فيه لا تخفى ، وقوله تعالى : تبتغي مرضات أزواجك حال من فاعل تحرم ، واختاره فيكون هو محل العتاب على ما قيل ، وكأن وجهه أن الكلام الذي فيه قيد المقصود فيه القيد إثباتا أو نفيا ، أو يكون التقييد على نحو «أضعافا مضاعفة » على أن التحريم في نفسه محل عتب والباعث عليه كذلك كما في الكشف ، أو استئناف نحوي أو بياني ، وهو الأولى ، ووجهه أن الاستفهام ليس على الحقيقة بل هو معاتبة على أن التحريم لم يكن عن باعث مرضي فاتجه أن يسأل ما ينكر منه وقد فعله غيري من الأنبياء عليهم السلام ألا ترى إلى قوله تعالى : أبو حيان إلا ما حرم إسرائيل على نفسه [آل عمران : 93] فقيل : تبتغي مرضات أزواجك ومثلك من أجل أن تطلب مرضاتهن بمثل ذلك ، وجوز أن يكون تفسيرا - لتحرم - بجعل ابتغاء مرضاتهن عين التحريم مبالغة في كونه سببا له ، وفيه من تفخيم الأمر ما فيه ، والإضافة في أزواجك للجنس لا للاستغراق .
والله غفور رحيم فيه تعظيم لشأنه صلى الله تعالى عليه وسلم بأن ترك الأولى بالنسبة إلى مقامه السامي الكريم يعد كالذنب وإن لم يكن في نفسه كذلك ، وأن عتابه صلى الله تعالى عليه وسلم ليس إلا لمزيد الاعتناء به ، وقد زل ها هنا كعادته فزعم أن ما وقع من تحريم الحلال المحظور لكنه غفر له عليه الصلاة والسلام ، وقد شن الزمخشري ابن المنير في الانتصاف الغارة في التشنيع عليه فقال ما حاصله : إن ما أطلقه في حقه صلى الله تعالى عليه وسلم تقول وافتراء والنبي عليه الصلاة والسلام منه براء ، وذلك أن تحريم الحلال [ ص: 148 ]
على وجهين : الأول اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه وهو كاعتقاد ثبوت حكم التحليل في الحرام محظور يوجب الكفر فلا يمكن صدوره من المعصوم أصلا ، والثاني الامتناع من الحلال مطلقا أو مؤكدا باليمين مع اعتقاد حله وهذا مباح صرف وحلال محض ، ولو كان ترك المباح والامتناع منه غير مباح لاستحالت حقيقة الحلال ، وما وقع منه صلى الله تعالى عليه وسلم كان من هذا النوع وإنما عاتبه الله تعالى عليه رفقا به وتنويها بقدره وإجلالا لمنصبه عليه الصلاة والسلام أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه جريا على ما ألف من لطف الله تعالى به ، وتأول بعضهم كلام ، وفيه ما ينبو عن ذلك . الزمخشري
وقيل : نسبة التحريم إليه صلى الله تعالى عليه وسلم مجاز ، والمراد لم تكون سببا لتحريم الله تعالى عليك ما أحل لك بحلفك على تركه وهذا لا يحتاج إليه ، وفي وقوع الحلف خلاف ، ومن قال به احتج ببعض الأخبار ، وبظاهر