أي واذكر " إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه " هي على ما عليه عامة المفسرين ، وزعم بعض حفصة الشيعة أنها وليس له في ذلك شيعة ، نعم رواه عائشة عن ابن مردويه وهو شاذ ابن عباس حديثا هو قوله عليه الصلاة والسلام على ما في بعض الروايات : فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا زينب ابنة جحش » «لكني كنت أشرب عسلا عند فلما نبأت أي أخبرت .
وقرأ - أنبأت - طلحة به أي بالحديث لأنهما كانتا متصادقتين ، وتضمن الحديث نقصان حظ ضرتهما عائشة من حبيبهما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث إنه عليه الصلاة والسلام - كما في زينب وغيره - كان يمكث عندها لشرب ذلك وقد اتخذ ذلك عادة - كما يشعر به لفظ - كان فاستخفها السرور فنبأت بذلك البخاري وأظهره الله عليه أي جعل الله تعالى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ظاهرا على الحديث مطلعا عليه من قوله تعالى : ليظهره على الدين كله [التوبة : 33 ، الفتح : 28 ، الصف : 9] والكلام على ما قيل : على التجوز ، أو تقدير مضاف أي على إفشائه ، وجوز كون الضمير لمصدر نبأت وفيه تفكيك الضمائر ، أو جعل الله تعالى الحديث ظاهرا على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فهو نظير ظهر لي هذه المسألة وظهرت علي إذا كان فيه مزيد كلفة واهتمام بشأن الظاهر فلا تغفل عرف أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حفصة بعضه أي الحديث أي أعلمها وأخبرها ببعض الحديث الذي أفشته .
والمراد أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال لها : قلت كذا لبعض ما أسره إليها قيل : هو قوله لها : فلن أعود زينب ابنة جحش » «كنت شربت عسلا عند وأعرض عن بعض هو على ما قيل قوله عليه الصلاة والسلام : «وقد حلفت » فلم يخبرها به تكرما لما فيه من مزيد خجلتها حيث إنه يفيد مزيد اهتمامه صلى الله تعالى عليه وسلم بمرضاة أزواجه وهو لا يحب شيوع ذلك ، وهذا من مزيد كرمه صلى الله تعالى عليه وسلم .
وقد أخرج عن ابن مردويه كرم الله تعالى وجهه ما استقصى كريم قط ، وقال علي : ما زال التغافل من فعل الكرام ، وقال الشاعر : سفيان
ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي
وجوز أن يكون عرف بمعنى جاز أي جازاها على بعض بالعتب واللوم أو بتطليقه عليه الصلاة والسلام إياها ، وتجاوز عن بعض ، وأيد بقراءة السلمي والحسن وقتادة وطلحة والكسائي وأبي عمرو في رواية هارون عنه عرف بالتخفيف لأنه على هذه القراءة لا يحتمل معنى العلم لأن العلم تعلق به كله بدليل قوله تعالى : " أظهره الله عليه " مع أن الإعراض عن الباقي يدل على العلم فتعين أن يكون بمعنى المجازاة .
قال في التهذيب : من قرأ «عرف » بالتخفيف أراد معنى غضب وجازى عليه كما تقول للرجل يسيء إليك : والله لأعرفن لك ذلك ، واستحسنه الأزهري ، وقول القاموس : هو بمعنى الإقرار لا وجه له ها هنا ، وجعل المشدد من باب إطلاق المسبب على السبب والمخفف بالعكس ، ويجوز أن تكون العلاقة بين المجازاة والتعريف اللزوم ، وأيد المعنى الأول بقوله تعالى : الفراء فلما نبأها به قالت لتعرف هل فضحتها أم لا ؟ عائشة من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير الذي لا تخفى عليه خافية فإنه أوفق للإعلام ، وهذا على ما في البحر [ ص: 151 ]
على معنى بهذا ، وقرأ ابن المسيب - عراف بعضه - بألف بعد الراء وهي إشباع ، وقال وعكرمة ابن خالويه : ويقال : إنها لغة يمانية .
وأخرج عن ابن مردويه ابن عباس عن وابن أبي حاتم أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أسر إلى مجاهد تحريم حفصة مارية وأن أبا بكر يليان الناس بعده فأسرت ذلك إلى وعمر فعرف بعضه وهو أمر عائشة مارية وأعرض عن بعض وهو أن أبا بكر يليان بعده مخافة أن يفشو ، وقيل : بالعكس ، وقد جاء إسرار أمر الخلافة في عدة أخبار فقد أخرج وعمر ابن عدي وأبو نعيم في فضائل ، الصديق من طريق عن وابن مردويه كرم الله تعالى وجهه علي قالا : وابن عباس إن إمارة أبي بكر لفي كتاب الله وعمر وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا قال : «أبوك وأبو لحفصة واليا الناس بعدي فإياك أن تخبري أحدا » عائشة .
وأخرج في فضائل الصحابة عن أبو نعيم أنه قال : في الآية أسر صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الضحاك أن الخليفة من بعده حفصة ومن بعد أبو بكر أبي بكر ، وأخرج عمر عن ابن أبي حاتم نحوه ، وفي مجمع البيان ميمون بن مهران للطبرسي من أجل الشيعة عن قال : لما حرم عليه الصلاة والسلام الزجاج مارية القبطية أخبر أنه يملك من بعده أبو بكر فعرفها بعض ما أفشت من الخبر وأعرض عن بعض أن وعمر أبا بكر يملكان من بعدي ، وقريب من ذلك ما رواه وعمر العياشي بالإسناد عن عبد الله بن عطاء المكي عن أبي جعفر الباقر رضي الله تعالى عنه إلا أنه زاد في ذلك أن كل واحدة منهما حدثت أباها بذلك فعاتبهما في أمر مارية وما أفشتا عليه من ذلك ، وأعرض أن يعاتبهما في الأمر الآخر . انتهى .
وإذا سلم الشيعة صحة هذا لزمهم أن يقولوا بصحة خلافة الشيخين لظهوره فيها كما لا يخفى ، ثم إن تفسير الآية على هذه الأخبار أظهر من تفسيرها على حديث العسل لكن حديثه أصح ، والجمع بين الأخبار مما لا يكاد يتأتى .
وقصارى ما يمكن أن يقال : يحتمل أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قد شرب عسلا عند كما هو عادته ، وجاء إلى زينب فقالت له ما قالت فحرم العسل ، واتفق له عليه الصلاة والسلام قبيل ذلك أو بعيده أن وطئ جاريته حفصة مارية في بيتها في يومها على فراشها فوجدت فحرم صلى الله تعالى عليه وسلم مارية ، وقال ما قال تطييبا لخاطرها واستكتمها ذلك فكان منها ما كان ، ونزلت الآية بعد القصتين فاقتصر بعض الرواة على إحداهما . والبعض الآخر على نقل الأخرى ، وقال كل : فأنزل الله تعالى لحفصة يا أيها النبي إلخ ، وهو كلام صادق إذ ليس فيه دعوى كل حصر علة النزول فيما نقله فإن صح هذا هان أمر الاختلاف وإلا فاطلب لك غيره ، والله تعالى أعلم .
واستدل بالآية على أنه لا بأس بإسرار بعض الحديث إلى من يركن إليه من زوجة أو صديق ، وأنه يلزمه كتمه ، وفيها على ما قيل : دلالة على أنه يحسن والتلطف في العتب والإعراض عن استقصاء الذنب ، وقد روي حسن العشرة مع الزوجات أن - وكان من النقباء -كانت له جارية فاتهمته زوجته ليلة ، فقال قولا بالتعريض ، فقالت : إن كنت لم تقربها فاقرأ القرآن فأنشد : عبد الله بن رواحة
شهدت فلم أكذب بأن محمدا رسول الذي فوق السماوات من عل
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما له عمل في دينه متقبل
وأن التي بالجزع من بطن نخلة ومن دانها كل عن الخير معزل
[ ص: 152 ]
فقالت : زدني ، فأنشد :
وفينا رسول الله يتلو كتابه كما لاح معروف من الصبح ساطع
أتى بالهدى بعد العمى فنفوسنا به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا رقدت بالكافرين المضاجع
فقالت : زدني ، فأنشد :
شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا
وأن محمدا يدعو بحق وأن الله مولى المؤمنينا
وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا
ويحمله ملائكة شداد ملائكة الإله مسومينا
فقالت : أما إذ قرأت القرآن فقد صدقتك ، وفي رواية أنها قالت - وقد كانت رأته على ما تكره - إذن صدق الله وكذب بصري ، فأخبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فتبسم ، وقال : «خيركم خيركم لنسائه »