فستبصر ويبصرون بأييكم المفتون أي المجنون كما أخرجه عن ابن جرير ابن عباس عن وابن المنذر ابن جبير عن وعبد بن حميد مجاهد ، وأطلق على المجنون لأنه فتن أي محن بالجنون، وقيل لأن العرب يزعمون أن الجنون من تخبيل الجن وهم الفتان للفتاك منهم والباء مزيدة في المبتدأ وجوز ذلك أو الفتنة فالمفتون مصدر كالمعقول والمجلود أي الجنون كما أخرجه سيبويه عن عبد بن حميد الحسن وأبي الجوزاء وهو بناء على أن المصدر يكون على وزن المفعول كما جوزه بعضهم والباء عليه للملابسة أو بأي الفريقين منكم الجنون أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين أي في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم وهو تعريض بأبي جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهما . .
والباء على هذا بمعنى في وقدر بأي الفريقين منكم دفعا لما قيل من أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجماعة قريش ولا يصح أن يقال لجماعة وواحد في أيكم زيد، وأيد الاعتراض بأن قوله تعالى فستبصر ويبصرون خطاب له عليه الصلاة والسلام خاصة وجواب التأييد أن الخطاب بظاهره خص برسول الله صلى الله عليه وسلم ليجري الكلام على نهج السوابق ولا يتنافر لكنه ليس كالسوابق في الاختصاص حقيقة لدخول الأمة فيه أيضا فيصح تقدير بأي الفريقين، وادعى صاحب الكشف أن هذا أوجه الأوجه لإفادته التعريض وسلامته عن استعمال النادر يعني زيادة الباء في المبتدأ، وكون المصدر على زنة المفعول وإليه ذهب ، ويؤيده قراءة الفراء في «أيكم» وأيا ما كان فالظاهر أن ابن أبي عبلة بأييكم المفتون معمول لما قبله على سبيل التنازع، والمراد فستعلم [ ص: 26 ] ويعلمون ذلك يوم القيامة حين يتبين الحق من الباطل، وروي ذلك عن وقيل ابن عباس فستبصر ويبصرون في الدنيا بظهور عاقبة الأمر بغلبة الإسلام واستيلائك عليهم بالقتل والنهب وصيرورتك مهيبا معظما في قلوب العالمين، وكونهم أذلة صاغرين ويشمل هذا ما كان يوم بدر . .
وعن أن ذلك وعيد بعذاب يوم مقاتل بدر وقال أبو عثمان المازني : إن الكلام قد تم عند قوله تعالى ويبصرون ثم استأنف قوله سبحانه بأييكم المفتون على أنه استفهام يراد به الترداد بين أمرين معلوم نفي الحكم عن أحدهم وتعيين وجوده للآخر وهو كما ترى .