عالم الغيب بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو سبحانه عالم الغيب وجوز كونه بدلا من أبو حيان ربي وغيره أيضا كونه بيانا له ويأبى الوجهين الفاء في قوله تعالى فلا يظهر على غيبه أحدا إذ يكون النظم حينئذ أم يجعل له عالم الغيب أمدا فلا يظهر على غيبه أحدا وفيه من الإخلال ما لا يخفى، وإضافة ( عالم ) إلى ( الغيب ) محصنة لقصد الثبات فيه فيفد تعريف الطرفين التخصيص وتعريف الغيب للاستغراق وفي الرضي أن اسم الجنس أعني الذي يقع على القليل والكثير بلفظ الواحد إذا استعمل ولم تقم قرينة تخصصه ببعض ما يصدق عليه فهو في الظاهر لاستغراق الجنس أخذا [ ص: 96 ] من استقراء كلامهم فمعنى التراب يابس والماء بارد كل ما فيه هاتان الماهيتان حاله كذا فلو قلت في قولهم النوم ينقض الطهارة النوم مع الجلوس لا ينقضها لكان مناقضا لذلك اللفظ انتهى .
وهو يؤيد إرادة ذلك هنا لأن الغيب كالماء يقع على القليل والكثير بلفظ واحد ولا يضر في ذلك جمعه على غيوب كما لا يضر فيه جمع الماء على المياه وكذا المراد بغيبه جميع غيبه وقد نص عليه عزمي زاده معللا له بكون اسم الجنس المضاف بمنزلة المعرف باللام سيما إذا كان في الأصل مصدرا وعزى إلى شرح المقاصد ما يقتضيه .
وربما يقال يفهم ذلك أيضا من اعتبار كون الإضافة للعهد وأن المعهود هو الغيب المستغرق أو من اعتبارها للاختصاص وأن الغيب المختص به تعالى بمعنى المختص علمه سبحانه به هو كل غيب واعتناء بشأن الاختصاص جيء بالمظهر موضع المضمر والجملة استئناف لدفع توهم نقص من نفى الدارية والفاء لترتيب عدم الإظهار على تفرده تعالى بعلم الغيب والمراد بالإظهار المنفي الاطلاع الكامل الذي تنكشف به جلية الحال على أتم وجه كما يرشد إليه حرف الاستعلاء فكأنه قيل ما علي إذا قلت ما أدري قرب ذلك الموعد الغيب ولا بعده فالله سبحانه وتعالى عالم كل غيب وحده فلا يطلع على ذلك المختص علمه به تعالى اطلاعا كاملا أحدا من خلقه ليكون أليق بالتفرد وأبعد عن توهم مساواة علم خلقه لعلمه سبحانه وإنما يطلع جل وعلا إذا أطلع من شاء على بعضه مما تقتضيه الحكمة التي هي مدار سائر أفعاله عز وجل وما نفيت عني العلم به مما لم يطلعني الله تعالى عليه لما أن الاطلاع عليه مما لا تقتضيه الحكمة التشريعية التي يدور عليها فلك الرسالة بل هو مخل بها وإن شئت فاعتبر الجملة واقعة موقع التعليل لنفي الدراية السابقة .