وقوله تعالى: إنما أنت منذر من يخشاها عليه تقرير لما قبل من قوله سبحانه: فيم أنت من ذكراها وتحقيق لما هو المراد منه وبيان لوظيفته عليه الصلاة والسلام في ذلك الشأن؛ فإن إنكار كونه صلى الله تعالى عليه وسلم في شيء من ذكراها مما يوهم بظاهره أن ليس له عليه الصلاة والسلام أن يذكرها بوجه من الوجوه فأزيح ذلك ببيان أن المنفي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم ذكراها لهم بتعيين وقتها حسبما كانوا يسألونه عنها، فالمعنى: إنما أنت منذر من يخشاها ويخاف أهوالها، وظيفتك الامتثال بما أمرت به من بيان اقترابها وتفصيل ما فيها من فنون الأهوال كما تحيط به لا معلم بتعيين وقتها الذي لم يفوض إليك فما لهم يسألونك عما لم تبعث له ولم يفوض إليك أمره، وعلى الوجه الثاني هو تقرير لقوله تعالى: أنت من ذكراها ببيان أن إرساله عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء عليهم السلام منذر بمجيء الساعة كما ينطق به قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين إن كادت لتسبقني».
والظاهر على الأول أن القصر من قصر الموصوف على الصفة، والمعنى: ما أنت إلا منذر لا معلم بالوقت مبين له. وإنما ذكر صلة المنذر إظهارا لكونها ذات مدخل في القصر لكون الكلام في القصر على منذر خاص ونفي إعلام خاص يقابله، وكونه من قصر الصفة على الموصوف بناء على ما يتبادر إلى الفهم من كلام السكاكي أن المعنى إنما أنت منذر الخاشي دون من لا يخشى؛ أي: ما أنت منذر إلا من يخشى دون غيره، مناسب للمقام على أنه [ ص: 38 ] قيل عليه: إن من يخشى «من» صلة «منذر» ليس من متعلق «إنما» في شيء، ليجعل الجزء الأخير المقصور عليه الإنذار وهذا إن صح استلزم عدم صحة ما قرر لكن في صحته مقال؛ إذ يستلزم أيضا أن لا يصح: إنما هو غلام زيد لا عمرو وإنما هو ضارب عمرا لا زيدا مع شهرة استعمال ذلك من غير نكير فتأمل.
والظاهر على الثاني أن «إنما» لمجرد التأكيد زيادة في الاعتناء بشأن الخبر وليست للحصر؛ إذ لا يتعلق به غرض عليه بحسب الظاهر على ما قيل.