وقوله تعالى: التي لم يخلق مثلها في البلاد صفة أخرى لها؛ أي: لم يخلق مثلهم في عظم الأجرام والقوة في بلاد الدنيا، وقد سمعت ما نقل عن الكواشي آنفا وما ذكر فيه من أنه كان أحدهم إلخ. جاء في حديث مرفوع أخرجه ابن أبي حاتم عن وابن مردويه المقدام بن معد يكرب. وقيل: إرم اسم مدينة لهم، قال هي محمد بن كعب: الإسكندرية. وقال ابن المسيب والمقبري: هي دمشق، وقيل: اسم أرضهم، وهي بين عمان وحضرموت، وهي أرض رمال وأحقاف، فقد قال سبحانه وتعالى: واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وبهذا اعترض القول بأن مدينتهم الإسكندرية، والقول بأنها دمشق حيث إنهما ليستا من بلاد الأحقاف والرمال إلا أن يقال ما هنا عاد الأولى، وما في آية الأحقاف عاد الآخرة، ويلتزم عدم اتحاد منازلهما. وعلى القول بكونه اسم مدينتهم أو اسم أرضهم فهو بتقدير مضاف لتصحيح التبعية؛ أي: أهل إرم. وقيل: يقدر مضاف في جانب المتبوع؛ أي: بمدينة أو بأرض عاد إرم، وهو كما ترى. ومنع الصرف على الوجهين لما سمعت، والأكثرون على أنها اسم مدينة عظيمة في أرض اليمن والوصفان لها، والمراد ذات البناء الرفيع أو ذات الأساطين التي لم يخلق مثلها سعة وحسن بيوت وبساتين في بلاد الدنيا، ويروى أنه كان لعاد ابنان: شداد وشديد، فملكا وقهرا، ثم مات شديد وخلص الأمر لشداد فملك الدنيا ودانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنة فقال: أبني مثلها؛ فبنى إرم في بعض صحارى عدن في ثلاثمائة سنة، وكان عمره تسعمائة سنة، وهي مدينة عظيمة قصورها من الذهب والفضة وأساطينها من الزبرجد والياقوت، وفيها أصناف الأشجار والأنهار المطردة. ولما تم بناؤها سار إليها بأهل مملكته، فلما كان منها مسيرة يوم وليلة بعث الله تعالى عليهم صيحة من السماء فهلكوا. وعن عبد الله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له فوقع عليها فحمل ما قدر عليه مما ثم، وبلغ خبره فاستحضره فقص عليه فبعث إلى معاوية كعب فسأله، فقال: هي إرم ذات العماد وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خال وعلى عقبه خال، يخرج في طلب إبل له، ثم التفت فأبصر ابن قلابة، فقال: هذا والله ذلك الرجل. وخبر شداد المذكور أخوه في الضعف بل لم تصح روايته كما ذكره الحافظ ابن حجر فهو موضوع كخبر ابن قلابة.
وروي عن أن إرم مصدر أرم يأرم إذا هلك، فإرم بمعنى هلاك، منصوب على نحو نصب المصدر التشبيهي، مضاف إلى «ذات». و «التي» صفة ل مجاهد ذات العماد مرادا بها المدينة و «كيف فعل» في [ ص: 124 ] قوة: «كيف أهلك» فكأنه قيل: ألم تر كيف أهلك ربك عادا كهلاك ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وهو قول غريب غير قريب. وقرأ «بعاد إرم» بإضافة عاد إلى إرم فجاز أن يكون إرم جدا والوصفان لعاد، وأن يكون مدينة والوصفان لازم، وجوز أن يكون الحسن: لعاد. وقرأ «بعاد أرم» بالإضافة أيضا إلا أن أرم بفتح الهمزة وكسر الراء، قيل: وهي لغة في المدينة لا غير. وعن ابن الزبير: أنه قرأ: «بعاد» مصروفا وغير مصروف «أرم» بفتح الهمزة وسكون الراء للتخفيف، وأصله أرم كفخذ. وقرئ: «إرم ذات» بإضافة إرم إلى ذات، فقيل: الإرم عليه العلم والمعنى بعاد أعلام ذات العماد وهي مدينتهم. الضحاك
و «التي» صفة ل ذات العماد على الأظهر. وعن أنه قرأ: «أرم» بالتشديد فعلا ماضيا، ذات بالنصب على المفعول به؛ أي: جعل الله تعالى ذات العماد رميما، ويكون أرم على ما في البحر بدلا من فعل أو تبيينا له، والمراد بذات العماد عليه إما عاد نفسها ويكون فيه وضع المظهر موضع المضمر. والنكتة فيه ظاهرة، وإما مدينتهم ويكون جعلها رميما؛ أي: إهلاكها كناية عن جعلهم كذلك. وقرأ ابن عباس «لم يخلق» مبنيا للفاعل وهو ضميره عز وجل مثلها بالنصب على المفعولية، وعنه أيضا: «لم نخلق» بنون العظمة. ابن الزبير: