وقوله تعالى: ووجدك ضالا فهدى عطف على ما يقتضيه الإنكار السابق كما أشير إليه أو على المضارع المنفي بلم داخل في حكمه كأنه قيل: أما وجدك يتيما فآوى، ووجدك غافلا عن الشرائع التي لا تهتدي إليها العقول كما في قوله تعالى: ما كنت تدري ما الكتاب وقوله سبحانه: وإن كنت من قبله لمن الغافلين فهداك إلى مناهجها في تضاعيف ما أوحي إليك من الكتاب المبين وعلمك ما لم تكن تعلم، وعلى هذا -كما قال أكثر المفسرين، وهو اختيار الواحدي- الزجاج.
وروى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم سافر مع عمه سعيد بن المسيب أبي طالب إلى الشام فبينما هو راكب ناقة ذات ليلة ظلماء وهو نائم جاءه إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فنفخ إبليس نفخة وقع منها بالحبشة ورده إلى القافلة، فما في الآية إشارة إلى ذلك على ما قيل. وقيل: إشارة إلى ما روي عن من أنه صلى الله تعالى عليه وسلم ضل وهو صغير عن جده في شعاب ابن عباس مكة فرآه أبو جهل منصرفا من أغنامه فرده لجده وهو متعلق بأستار الكعبة يتضرع إلى الله تعالى في أن يرد إليه محمدا، وذكر له أنه لما رآه أناخ الناقة وأركبه من خلفه فأبت أن تقوم فأركبه أمامه فقامت، فكانت الناقة تقول: يا أحمق، هو الإمام فكيف يقوم خلف المقتدي. وفي إرجاعه عليه الصلاة والسلام إلى أهله على يد أبي جهل وقد علم سبحانه منه أنه فرعونه يشبه إرجاع موسى عليه السلام إلى أمه على يد فرعون. وقيل: ضل عليه الصلاة والسلام مرة أخرى وطلبوه فلم يجدوه فطاف عبد المطلب بالكعبة سبعا وتضرع إلى الله تعالى فسمعوا مناديا ينادي من السماء: يا معشر الناس، لا تضجوا؛ فإن لمحمد ربا لا يخذله ولا يضيعه، وإن محمدا بوادي تهامة عند شجرة السمر، فسار عبد المطلب وورقة بن نوفل فإذا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قائم تحت شجرة يلعب بالأغصان والأوراق.
وقيل: أضلته مرضعته حليمة عند باب مكة حين فطمته وجاءت به لترده على عبد المطلب «فضالا» على هذه الروايات من ضل في طريقه إذا سلك طريقا غير موصولة لمقصده وضعف حمل الآية على ذلك بأن مثله بالنسبة إلى ما تقدم لا يعد من نعم الله تعالى على مثل نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم التي يمتن سبحانه بها عليه. وقيل: الضال الشجرة المنفردة في البيداء ليس حولها شجر، والمراد أما وجدك وحدك ليس معك أحد فهدى الناس إليك ولم يتركك منفردا. وقال قدس سره: أي وجدك متحيرا في بيان الكتاب المنزل عليك فهداك لبيانه وفيه قرب ما من الأول. وقال بعضهم: وجدك غافلا عن قدر نفسك فأطلعك على عظيم محلك. وقيل: وجدك ضالا عن معنى محض المودة فسقاك كأسا من شراب القربة والمودة فهداك به إلى معرفته عز وجل. الجنيد
وقال رضي الله تعالى عنه: كنت ضالا عن محبتي لك في الأزل فمننت عليك بمعرفتي وهو قريب من سابقه. جعفر الصادق
وقال الحريري: أي: وجدك مترددا في غوامض معاني المحبة فهداك لها وهو أيضا كذلك، وكل ذلك منزع صوفي. ورأى في منامه أن الكلام على حذف مضاف والمعنى: ووجد رهطك ضالا فهدى بك وهو كما ترى في يقظتك. أبو حيان