الأول: أنها ما لحق صاحبها عليها بخصوصها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة، وإليه ذهب بعض الشافعية.
والثاني: أنها كل معصية أوجبت الحد، وبه قال وغيره. البغوي
والثالث: أنها كل ما نص الكتاب على تحريمه، أو وجب في جنسه حد.
والرابع: أنها كل جريرة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، ورقة الديانة، وبه قال الإمام.
والخامس: أنها ما أوجب الحد، أو توجه إليه الوعيد، وبه قال في فتاويه. الماوردي
والسادس: أنها كل محرم لعينه، منهي عنه لمعنى في نفسه، وحكي ذلك بتفصيل مذكور في محله عن الحليمي.
والسابع: أنها كل فعل نص الكتاب على تحريمه بلفظ التحريم.
وقال الصحيح أن الكبيرة ليس لها حد يعرفها العباد به، وإلا لاقتحم الناس الصغائر واستباحوها، ولكن الله تعالى أخفى ذلك عن العباد؛ ليجتهدوا في اجتناب المنهي عنه؛ رجاء أن تجتنب الكبائر. الواحدي:
ونظير ذلك وساعة الإجابة، انتهى. إخفاء الصلاة الوسطى وليلة القدر،
وقال شيخ الإسلام البارزي: التحقيق أن الكبيرة كل ذنب قرن به وعيد أو حد أو لعن بنص كتاب أو سنة، أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن، أو أكثر من مفسدته، أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها بذلك، كما لو قتل معصوما فظهر أنه مستحق لدمه، أو وطئ امرأة ظانا أنه زان بها فإذا هي زوجته أو أمته.
وقال بعضهم: كل ما ذكر من الحدود إنما قصدوا به التقريب فقط، وإلا فهي ليست بحدود جامعة، وكيف يمكن ضبط ما لا مطمع في ضبطه؟! وذهب جماعة إلى ضبطها بالعد من غير ضبطها بحد، فعن وغيره أنها ما ذكره الله تعالى من أول هذه السورة إلى هنا، وقيل: هي سبع، ويستدل له بخبر الصحيحين: ابن عباس الشرك بالله تعالى، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله تعالى إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» السبع الموبقات: وفي رواية لهما: «اجتنبوا [ ص: 18 ] «واليمين الغموس»، البخاري: بدلها: «وقول الزور» ومسلم والجواب أن ذلك محمول على أنه - صلى الله تعالى عليه وسلم - ذكره قصدا لبيان المحتاج منها وقت الذكر، لا لحصره الكبائر فيه. «الكبائر: الإشراك بالله تعالى، والسحر، وعقوق الوالدين، وقتل النفس» زاد
وممن صرح بأن الكبائر سبع - كرم الله تعالى وجهه – علي وعطاء، وقيل: تسع؛ لما أخرجه وعبيد بن عمير، علي بن الجعد، عن ابن عمر، بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا». أنه قال حين سئل عن الكبائر: سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول: «هن تسع: الإشراك بالله تعالى، وقذف المحصنة، وقتل النفس المؤمنة، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، والإلحاد
ونقل عن أنها ثلاث، وعنه أيضا أنها عشرة، وقيل: أربع عشرة، وقيل: خمس عشرة، وقيل: أربع، وروى ابن مسعود عن عبد الرزاق، أنه قيل له: هل الكبائر سبع؟ فقال: هي إلى السبعين أقرب، وروى ابن عباس أنه قال له: هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار، وأنكر جماعة من الأئمة أن في الذنوب صغيرة، وقالوا: بل سائر المعاصي كبائر، منهم الأستاذ ابن جبير أبو إسحاق الإسفراييني، والقاضي أبو بكر الباقلاني، وإمام الحرمين في الإرشاد، وابن القشيري في المرشد، بل حكاه ابن فورك عن الأشاعرة، واختاره في تفسيره، فقال: معاصي الله تعالى كلها عندنا كبائر، وإنما يقال لبعضها: صغيرة وكبيرة بالإضافة، وأول الآية بما ينبو عنه ظاهرها، وقالت المعتزلة: الذنوب على ضربين: صغائر وكبائر، وهذا ليس بصحيح، انتهى.
وربما ادعى في بعض المواضع اتفاق الأصحاب على ما ذكره، واعتمد ذلك التقي السبكي، وقال القاضي عبد الوهاب: لا يمكن أن يقال في معصية: إنها صغيرة، إلا على معنى أنها تصغر عند اجتناب الكبائر، ويوافق هذا القول ما رواه عن الطبراني، - لكنه منقطع - أنه ذكر عنده الكبائر فقال: «كل ما نهى الله تعالى عنه فهو كبيرة»، وفي رواية: «كل ما عصي الله تعالى فيه فهو كبيرة» قاله العلامة ابن عباس ابن حجر، وذكر أن جمهور العلماء على الانقسام، وأنه لا خلاف بين الفريقين في المعنى، وإنما الخلاف في التسمية، والإطلاق لإجماع الكل على أن المعاصي ما يقدح في العدالة، ومنها ما لا يقدح فيها، وإنما الأولون فروا من التسمية، فكرهوا تسمية معصية الله تعالى صغيرة؛ نظرا إلى عظمة الله تعالى وشدة عقابه، وإجلالا له عز وجل عن تسمية معصيته صغيرة؛ لأنها إلى باهر عظمته تعالى كبيرة، وأي كبيرة، ولم ينظر الجمهور إلى ذلك؛ لأنه معلوم، بل قسموها إلى قسمين كما يقتضيه صرائح الآيات والأخبار، لا سيما هذه الآية، وكون المعنى إن تجتنبوا كبائر ما نهيتم عنه في هذه السورة من المناكح الحرام، وأكل الأموال، وغير ذلك مما تقدم نكفر عنكم ما كان من ارتكابها فيما سلف، ونظير ذلك من التنزيل: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف بعيد غاية البعد، ولذلك قال حجة الإسلام لا يليق إنكار الفرق بين الصغائر والكبائر، وقد عرفتا من مدارك الشرع، نعم، قد يقال لذنب واحد: كبير وصغير باعتبارين؛ لأن الذنوب تتفاوت في ذلك باعتبار الأشخاص والأحوال، ومن هنا قال الشاعر: الغزالي:
لا يحقر الرجل الرفيع دقيقة في السهو فيها للوضيع معاذر فكبائر الرجل الصغير صغائر
وصغائر الرجل الكبير كبائر
ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهوا حكمت بردتي
وأشار إلى التفاوت من قال: حسنات الأبرار سيئات المقربين، هذا، وقد استشكلت هذه الآية مع ما في [ ص: 19 ] حديث من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: مسلم ووجهه أن الصلوات إذا كفرت لم يبق ما يكفره غيرها، فلم يتحقق مضمون الآية، وأجيب عنه بأجوبة أصحها - على ما قاله «الصلوات الخمس مكفرة لما بينها ما اجتنبت الكبائر» إن الآية والحديث بمعنى واحد؛ لأن قوله - صلى الله تعالى عليه وسلم – فيه: الشهاب-: إلخ دال على بيان الآية؛ لأنه إذا لم يصل ارتكب كبيرة، وأي كبيرة، فتدبر. «ما اجتنبت»
وندخلكم مدخلا الجمهور على ضم الميم، وقرأ أبو جعفر بفتحها، وهو على الضم إما مصدر، ومفعول (ندخلكم) محذوف، أي: ندخلكم الجنة إدخالا، أو مكان منصوب على الظرف عند ونافع وعلى أنه مفعول به عند سيبويه، وهكذا كل مكان مختص بعد دخل فيه الخلاف، وعلى الفتح قيل: منصوب بمقدر أي: (ندخلكم) فتدخلون مدخلا، ونصبه كما مر، وجوز كونه كقوله تعالى: الأخفش، أنبتكم من الأرض نباتا ورجح حمله على المكان لوصفه بقوله سبحانه وتعالى: كريما أي: حسنا، وقد جاء في القرآن العظيم وصف المكان به، فقد قال سبحانه: ومقام كريم .