وقوله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله جملة حالية مفيدة لغاية قبح ما فعلوا والمراد بالأمر مطلق التكليف ومتعلقه محذوف واللام للتعليل، والكلام في تعليل أفعاله تعالى شهير والاستثناء مفرغ من أعم العلل؛ أي: والحال أنهم ما كلفوا في كتابهم بما كلفوا به لشيء من الأشياء إلا لأجل عبادة الله تعالى.
وقال الفراء: العرب تجعل اللام موضع «أن» في الأمر كأمرنا لنسلم، وكذا في الإرادة ك يريد الله ليبين لكم فهي هنا بمعنى أن؛ أي: إلا بأن يعبدوا الله، وأيد بقراءة عبد الله: «إلا أن يعبدوا» فيكون عبادة الله تعالى هي المأمور بها والأمر على ظاهره، والأول هو الأظهر وعليه قال علم الهدى أبو منصور الماتريدي: هذه الآية علم منها معنى قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي إلا لأمرهم بالعبادة، فيعلم المطيع من العاصي، وهو كما قال كلام حسن دقيق. الشهاب
مخلصين له الدين أي جاعلين دينهم خالصا له تعالى فلا يشركون به عز وجل فالدين مفعول لمخلصين، وجوز أن يكون نصبا على إسقاط الخافض، ومفعول مخلصين محذوف؛ أي جاعلين أنفسهم خالصة له تعالى في الدين. وقرأ «مخلصين» بفتح اللام وحينئذ يتعين هذا الوجه في الدين ولا يتسنى الأول. نعم جوز أن يكون نصبا على المصدر والعامل الحسن: ليعبدوا أي: ليدينوا الله تعالى بالعبادة الدين. حنفاء أي: مائلين عن جميع العقائد الزائغة إلى الإسلام وفيه من تأكيد الإخلاص ما فيه، فالحنف الميل إلى الاستقامة وسمي مائل الرجل إلى الاعوجاج أحنف للتفاؤل أو مجاز مرسل بمرتبتين. وعن تفسير حنفاء هنا ب « حجاجا». وعن ابن عباس بمختتنين محرمين لنكاح الأم والمحارم قتادة وعن أبي قلابة بمؤمنين بجميع الرسل عليهم السلام. وعن بمتبعين دين مجاهد إبراهيم عليه السلام، وعن بمستقبلين القبلة بالصلاة، وعن بعض: بجامعين كل الدين وحال الأقوال لا يخفى. الربيع بن أنس
ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة إن أريد بهما ما في شريعتهم من الصلاة والزكاة فالأمر بهما ظاهر، وإن أريد ما في شريعتنا فمعنى أمرهم بهما في كتابهم أن أمرهم باتباع شريعتنا أمر لهم بجميع أحكامها التي هما من جملتها.
وذلك إشارة إلى ما ذكر من عبادة الله تعالى بالإخلاص وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وما فيه من البعد للإشعار بعلو رتبته وبعد منزلته في الشرف. دين القيمة أي الكتب القيمة [ ص: 205 ] فأل للعهد إشارة إلى ما تقدم في قوله تعالى: فيها كتب قيمة وإليه ذهب محمد بن الأشعث الطالقاني. وقال أي الأمة القيمة أي المستقيمة. وقال غير واحد: أي الملة القيمة والتغاير الاعتباري بين الدين والملة يصحح الإضافة، وبعضهم لم يقدر موصوفا، ويجعل الزجاج: القيمة بمعنى الملة وقيل: أي الحجج القيمة. وقرأ عبد الله رضي الله تعالى عنه: «الدين القيمة» فقيل: التأنيث على تأويل الدين بالملة، وقيل: الهاء للمبالغة.