وجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من ضمير ( يبين ) أو من ضمير ( لكم ) أي: ( يبين لكم ) حال كونه على فترة، أو حال كونكم على فترة، و( من الرسل ) صفة ( فترة ) و( من ) ابتدائية، أي فترة كائنة من الرسل، مبتدأة من جهتهم، والفترة فعلة من ( فتر ) عن عمله يفتر فتورا إذا سكن، والأصل فيها الانقطاع عما كان عليه من الجد في العمل، وهي عند جميع المفسرين انقطاع ما بين الرسولين.
واختلفوا في مدتها بين نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - وعيسى - عليه السلام - فقال : كان بينهما - عليهما الصلاة والسلام - خمسمائة سنة وستون سنة، وقال قتادة : خمسمائة وأربعون سنة، وقال الكلبي خمسمائة سنة، وقال ابن جريج: : أربعمائة سنة وبضع وثلاثون سنة. الضحاك
وأخرج ، عن ابن عساكر - رضي الله تعالى عنه - أنها ستمائة سنة، وقيل كان بين نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأخيه سلمان عيسى - عليه السلام - ثلاثة أنبياء هم المشار إليهم بقوله تعالى: أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث وقيل: بينهما - عليهما الصلاة والسلام – أربعة، الثلاثة المشار إليهم وواحد من [ ص: 104 ] العرب من بني عبس ، وهو خالد بن سنان - عليه السلام - الذي قال فيه صلى الله تعالى عليه وسلم : « ». ذلك نبي ضيعه قومه
ولا يخفى أن الثلاثة الذين أشارت إليهم الآية رسل عيسى - عليه السلام - ونسبة إرسالهم إليه تعالى بناء على أنه كان بأمره - عز وجل - وسيأتي - إن شاء الله تعالى - تحقيق ذلك، وأما خالد بن سنان العبسي فقد تردد فيه في محاضراته، وبعضهم لم يثبته، وبعضهم قال: إنه كان قبل الراغب عيسى - عليهما الصلاة السلام - لأنه ورد في حديث: « عيسى » صلى الله تعالى عليه وسلم. لا نبي بيني وبين
لكن في التواريخ إثباته، وله قصة في كتب الآثار مفصلة، وذكر أن بنته أتت النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وآمنت به، ونقش الشيخ الأكبر - قدس سره - له فصا في كتابه فصوص الحكم، وصحح أنه - عليه السلام - من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وأنه قبل الشهاب عيسى - عليهما الصلاة والسلام - وعلى هذا فالمراد ببنته الجائية إلى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم إن صح الخبر - بنته بالواسطة لا البنت الصلبية؛ إذ بقاؤها إلى ذلك الوقت مع عدم ذكر أحد أنها من المعمرين بعيد جدا.
وكان بين موسى وعيسى - عليهما الصلاة والسلام - ألف وسبعمائة سنة في المشهور، لكن لم يفتر فيها الوحي، فعن - رضي الله تعالى عنهما - أن الله تعالى بعث فيها ألف نبي من بني إسرائيل، سوى من بعث من غيرهم. ابن عباس
أن تقولوا تعليل لمجيء الرسول بالبيان، أي: كراهة أن تقولوا، كما قدره البصريون ، أو لئلا تقولوا كما يقدر الكوفيون ، معتذرين من تفريطكم في أحكام الدين يوم القيامة ما جاءنا من بشير ولا نذير وقد انطمست آثار الشريعة السابقة، وانقطعت أخبارها، وزيادة ( من ) في الفاعل للمبالغة في نفي المجيء، وتنكير ( بشير ) و( نذير ) على ما قال شيخ الإسلام: للتقليل، وتعقيب ( قد جاءكم ) إلخ، بهذا يقتضي أن المقدر أو المنوي فيما سبق هو الشرائع والأحكام، لا كيفما كانت، بل مشفوعة بذكر الوعد والوعيد، والفاء في قوله تعالى: فقد جاءكم بشير ونذير تفصح عن محذوف ما بعدها علة له، والتقدير هنا: لا تعتذروا فقد جاءكم، وتسمى الفاء الفصيحة، وتختلف عبارة المقدر قبلها فتارة يكون أمرا أو نهيا، وتارة يكون شرطا كما في قوله تعالى: فهذا يوم البعث وقول الشاعر:
فقد جئنا خراسانا
وتارة معطوفا عليه، كما في قوله تعالى: فانفجرت وقد يصار إلى تقدير القول كما في الفرقان في قوله تعالى: فقد كذبوكم وإن شئت قدرت هنا أيضا فقلنا: لا تعتذروا فقد إلخ، وقد صرح بعض علماء العربية أن حقيقة هذه الفاء أنها تتعلق بشرط محذوف، ولا ينافي ذلك إضمار القول؛ لأنه إذا ظهر المحذوف لم يكن بد من إضمار ليرتبط بالسابق، فيقال في البيت مثلا: وقلنا أو فقلنا: إن صح ما ذكرتم فقد جئنا خراسانا، وكذلك ما نحن فيه، فقلنا: لا تعتذروا فقد جاءكم، ثم إنه في المعنى جواب شرط مقدر، سواء صرح بتقديره أم لا؛ لأن الكلام إذا اشتمل على مترتبين أحدهما على الآخر ترتب العلية كان في معنى الشرط والجزاء، فلا تنافي بين التقادير والتقادير المختلفة، ولو سلم التنافي فهما وجهان، ذكروا أحدهما في موضع والآخر في آخر، كما حققه في الكشف، وقد مرت الإشارة من بعيد إلى أمر هذه الفاء، فتذكر. وتنوين ( بشير ) و( ونذير ) للتفخيم.
والله على كل شيء قدير فيقدر على إرسال الرسل تترى، وعلى الإرسال بعد الفترة.