من أجل ذلك أي ما ذكر في تضاعيف القصة و( من ) ابتدائية متعلقة بقوله تعالى: ( كتبنا ) أي قضينا، وقيل: بـ( النادمين ) وهو ظاهر ما روي عن ، و( كتبنا ) استئناف، واستبعده نافع وغيره. أبو البقاء
و( الأجل ) بفتح الهمزة وقد تكسر، وقرئ به لكن بنقل الكسرة إلى النون، كما قرئ بنقل الفتحة إليها في الأصل الجناية يقال: أجل عليهم شرا إذا جنى عليهم جناية، وفي معناه جر عليهم جريرة، ثم استعمل في تعليل الجنايات، ثم اتسع فيه فاستعمل لكل سبب، أي من ذلك ابتداء الكتب، ومنه نشأ، لا من غيره.
على بني إسرائيل وتخصيصهم بالذكر لما أن الحسد كان منشأ ذلك الفساد، وهو غالب عليهم.
وقيل إنما ذكروا دون الناس؛ لأن التوراة أول كتاب نزل فيه تعظيم القتل، ومع ذلك كانوا أشد طغيانا فيه وتماديا، حتى قتلوا الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - فكأنه قيل: بسبب هذه العظيمة كتبنا في التوراة تعظيم القتل، وشددنا عليهم، وهم بعد ذلك لا يبالون.
ومن هنا تعلم أن هذه الآية لا تصلح - كما قال ، الحسن والجبائي ، وأبو مسلم - على أن ابني آدم - عليه السلام - كانا من بني إسرائيل، على أن بعثة الغراب الظاهر في التعليم المستغنى عنه في وقتهم لعدم جهلهم فيه بالدفن تأبى ذلك أنه أي الشأن من قتل نفسا واحدة من النفوس الإنسانية بغير نفس أي بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص، والباء للمقابلة متعلقة بـ( قتل ) وجوز أن تتعلق بمحذوف وقع حالا، أي متعديا ظالما أو فساد في الأرض أي فساد فيها يوجب هدر الدم كالشرك مثلا، وهو عطف على ما أضيف إليه [ ص: 118 ] ( غير ) والنفي هنا وارد على الترديد؛ لأن إباحة القتل مشروطة بأحد ما ذكر من القتل والفساد، ومن ضرورته اشتراط حرمته بانتفائهما معا، فكأنه قيل: من قتل نفسا بغير أحدهما فكأنما قتل الناس جميعا لاشتراك الفعلين في هتك حرمة الدماء، والاستعصاء على الله تعالى، والتجبر على القتل في استتباع القود، واستجلاب غضب الله تعالى العظيم.
وأخرج ، عن ابن جرير : إن هذا التشبيه عند المقتول كما أن التشبيه الآتي عند المستنقذ، والأول أولى وأنسب للغرض المسوق له التشبيه، وقرئ ( أو فسادا ) بالنصب، بتقدير: أو عمل فسادا، أو فسد فسادا. ابن مسعود
ومن أحياها أي تسبب لبقاء نفس واحدة موصوفة بعدم ما ذكر من القتل والفساد، إما بنهي قاتلها عن قتلها، أو استنقاذها من سائر أسباب الهلكة بوجه من الوجوه فكأنما أحيا الناس جميعا وقيل: المراد ومن أعان على استيفاء القصاص فكأنما إلخ، و( ما ) في الموضعين كافة مهيئة لوقوع الفعل بعدها و( جميعا ) حال من الناس، أو تأكيد، وفائدة التشبيه الترهيب والردع عن قتل نفس واحدة بتصويره بصورة قتل جميع الناس، والترغيب والتحضيض على إحيائها بتصويره بصورة إحياء جميع الناس ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات أي الآيات الواضحة الناطقة بتقرير ما كتبنا عليهم؛ تأكيدا لوجوب مراعاته، وتأييدا لتحتم المحافظة عليه.
والجملة مستقلة غير معطوفة على ( كتبنا ) وأكدت بالقسم لكمال العناية بمضمونها، وإنما لم يقل: ( ولقد أرسلنا إليهم ) إلخ، للتصريح بوصول الرسالة إليهم، فإنه أدل على تناهيهم في العتو والمكابرة.
ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك المذكور من الكتب وتأكيد الأمر بالإرسال، ووضع اسم الإشارة موضع الضمير للإيذان بكمال تميزه وانتظامه - بسبب ذلك - في سلك الأمور المشاهدة، وما فيه من معنى البعد للإيماء إلى علو درجته، وبعد منزلته في عظم الشأن و( ثم ) للتراخي في الرتبة والاستبعاد في الأرض متعلق بقوله تعالى: لمسرفون وكذا بعد فيما قيل، ولا تمنع اللام المزحلقة من ذلك، والإسراف في كل أمر التباعد عن حد الاعتدال مع عدم مبالاة به، والمراد: مسرفون في القتل غير مبالين به، ولما كان إسرافهم في أمر القتل مستلزما لتفريطهم في شأن الإحياء وجودا وعدما وكان هو أقبح الأمرين وأفظعهما اكتفي في ذكره في مقام التشنيع المسوق له الآي.
وعن أن المراد: مجاوزون حد الحق بالشرك، وقيل: إن المراد ما هو أعم من الإسراف بالقتل والشرك وغيرهما، وإنما قال سبحانه: الكلبي ثم إن كثيرا منهم لأنه عز شأنه - على ما في الخازن - علم أن منهم من يؤمن بالله تعالى ورسوله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وهم قليل من كثير، وذكر ( الأرض ) مع أن الإسراف لا يكون إلا فيها للإيذان بأن إسراف ذلك الكثير ليس أمرا مخصوصا بهم، بل انتشر شره في الأرض وسرى إلى غيرهم، ولما بين سبحانه عظم شأن القتل بغير حق استأنف بيان حكم نوع من أنواع القتل، وما يتعلق به من الفساد بأخذ المال ونظائره وتعيين موجبه، وأدرج فيه بيان ما أشير إليه إجمالا من الفساد المبيح للقتل، فقال جل شأنه: