وقوله سبحانه : قنوان مبتدأ وحاصله من طلع النخيل قنوان. وجوز أن يكون الخبر محذوفا فالدلالة (أخرجنا) عليه وهو كون خاص وبه يتعلق الجار. والتقدير ومخرجه من طلع النخل قنوان. وعلى القراءة السابقة آنفا يكون قنوان معطوفا على حب، وقيل : المعنى وأخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان ومن النخل شيئا من طلعها قنوان وهو جمع قنو بمعنى العذق وهو للتمر بمنزلة العنقود للعنب. وتثنيته أيضا قنوان ولا يفرق بين المثنى والجمع إلا الإعراب، ولم يأت مفرد يستوي مثناه وجمعه إلا ثلاثة أسماء هذا وصنو وصنوان ورئد ورئدان بمعنى مثل قاله ابن خالويه، وحكى شقد وشقدان وحش وحشان للبستان نقله سيبويه الجلال السيوطي في المزهر. وقرئ بضم القاف وبفتحها على أنه اسم جمع لأن فعلان ليس من زنات التكسير (دانية) أي قريبة من المتناول كما قال واقتصر على ذكرها عن مقابلها لدلالتها عليه وزيادة النعمة فيها، وقيل المراد دانية من الأرض بكثرة ثمرها وثقل حملها، والدنو على القولين حقيقية ويحتمل أن يراد به سهولة الوصول إلى ثمارها مجازا الزجاج.
وجنات من أعناب عطف على نبات كل شيء أي وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب، وجعله عطفا على خضرا، وقال الواحدي الطيبي : الأظهر أن يكون عطفا على حبا لأن قوله سبحانه : نبات كل شيء مفصل لاشتماله على كل صنف من أصناف النامي، والنامي الحب والنوى وشبههما، وقوله سبحانه : فأخرجنا منه خضرا إلخ تفصيل لذلك النبات، وهو بدل من (فأخرجنا) الأول بدل اشتمال، قيل : وهذا مبني على أن المراد بالنبات المعنى العام وحينئذ لا يحسن عطفه عليه لأنه داخل فيه؛ وإن أريد ما لا ساق له تعين عطفه عليه لأنه غير داخل فيه وتعين أن يقدر لقوله سبحانه ومن النخل فعل آخر كما أشير إليه، فتدبر
وقرأ أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه علي وابن مسعود والأعمش ويحيى بن يعمر عن وأبو بكر (وجنات) بالرفع على الابتداء أي ولكم أو ثم جنات أو نحو ذلك، وجوز عاصم أن يكون على العطف على الزمخشري قنوان قال في التقريب : وفيه نظر لأنه إن عطف على ذلك فـ (من أعناب) حينئذ إما صفة (جنات) فيفسد المعنى إذ يصير المعنى وحاصلة من النخيل جنات حصلت من أعناب، وإما خبر لـ (جنات) فلا يصح لأنه يكون عطفا لها على مفرد ويكون المبتدأ نكرة فلا يصح، وفي الكشف أن الثاني بعيد الفهم من لفظ وإن أمكن الجواب بأن العطف على المخصص مخصص كما قال الزمخشري ابن مالك واستشهد عليه بقوله :
عندي اصطبار وشكوى عند قاتلتي فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا؟
والظاهر الأول لكنه عطف جملة على جملة. ويقدر ومخرجة من الخضر أو من الكرم أو حاصلة جنات من أعناب دون صلته لأن التقييد لازم كما حقق في عطف المفرد وحده ولا يخفى أن هذا تكلف مستغنى عنه، ولعل زيادة الجنات هنا كما قيل من غير اكتفاء بذكر اسم الجنس كما فيما تقدم وما تأخر لما [ ص: 240 ] أن الانتفاع بهذا الجنس لا يتأتى غالبا إلا عند اجتماع طائفة من أفراده والزيتون والرمان نصب على الاختصاص لعزة هذين الصنفين عندهم أو على العطف على (نبات)وقوله سبحانه : مشتبها وغير متشابه إما حال من الزيتون لسبقه اكتفي به عن حال ما عطف عليه والتقدير والزيتون مشتبها وغير متشابه والرمان كذلك، وإما حال من الرمان لقربه ويقدر مثله الأول. وأيا ما كان ففي الكلام مضاف مقدر وهو بعض أي بعض ذلك مشتبها وبعضه غير متشابه في الهيئة والمقدار واللون والطعم وغير ذلك من الأوصاف الدالة على كمال قدرة صانعها وحكمة منشيها ومبدعها جل شأنه، وإلا كان المعنى جميعه مشتبها وجميعه غير متشابه وهو غير صحيح. ومن الناس من جوز كونه حالا منهما مع التزام التأويل، وافتعل وتفاعل هنا بمعنى كاستوى وتساوى. وقرئ متشابها وغير متشابه انظروا نظر اعتبار واستبصار إلى ثمره أي ثمر ذلك أي الزيتون والرمان والمراد شجرتهما، وأريد بهما فيما سبق الثمرة ففي الكلام استخدام. وعن أن المراد في الأول شجر الزيتون وشجر الرمان وحينئذ لا استخدام، وأيا ما كان فالضمير راجع إليهما بتأويله باسم الإشارة. ورجوعه إلى كل واحد منهما على سبيل البدل بعيد لا نظير له في عدم تعيين مرجع الضمير الفراء
وجوز رجوع الضمير إلى جميع ما تقدم بالتأويل المذكور ليشمل النخل وغيره مما يثمر إذا أثمر أي إذا أخرج ثمره كيف يخرجه ضئيلا لا يكاد ينتفع به. وقرأ حمزة (ثمره) بضم الثاء وهو جمع ثمرة كخشبة وخشب أو ثمار ككتاب وكتب والكسائي وينعه أي وإلى حال نضجه أو نضيجه كيف يعود ضخما ذا نفع عظيم ولذة كاملة وهو في الأصل مصدر ينعت الثمرة إذا أدركت، وقيل : جمع يانع كتاجر وتجر وقرئ بالضم وهي لغة فيه، وقرأ ابن محيصن "ويانعه"، ولا يخفى أن في التقييد بقوله تعالى : (إذا أثمر) على ما أشرنا إليه إشعارا بأن المثمر حينئذ ضعيف غير منتفع به فيقابل حال الينع، ويدل كمال التفاوت على كمال القدرة، وعن أنه قال فإن قلت هلا قيل: إلى غض ثمره وينعه؟ قلت : في هذا الأسلوب فائدة وهي أن الينع وقع فيه معطوفا على الثمر على سنن الاختصاص نحو قوله سبحانه : الزمخشري وجبريل وميكال للدلالة على أن الينع أولى من الغض وله وجه وجيه وإن خفي على بعض الناظرين
إن في ذلكم إشارة إلى ما أمروا بالنظر إليه. وما في اسم الإشارة من معنى البعد لما مر غير مرة لآيات عظيمة أو كثيرة دالة على وجود القادر الحكيم ووحدته لقوم يؤمنون
99
- أي يطلبون الإيمان بالله تعالى كما قال القاضي أو مؤمنون بالفعل، وتخصيصهم بالذكر لأنهم الذين انتفعوا بذلك دون غيرهم -كما قيل- ووجه دلالة ما ذكر على وجود القادر الحكيم ووحدته أن حدوث هاتيك الأجناس المختلفة والأنواع المتشعبة من أصل واحد وانتقالها من حال إلى حال على نمط بديع لا بد أن يكون بإحداث صانع يعلم تفاصيلها ويرجح ما تقتضيه حكمته من الوجوه الممكنة على غيره ولا يعوقه ضد يعانده أو ند يعارضه،